الْحَمْدُ لِلَّهِ مُعِزِّ الْإِسْلَامِ بِنَصْرِهِ، وَمُذِلِّ الشِّرْكِ بِقَهْرِهِ، وَمُصَرِّفِ الْأُمُورِ بِأَمْرِهِ، وَمُدِيمِ النِّعَمِ بِشُكْرِهِ، وَمُسْتَدْرِجِ الْكَافِرِينَ بِمَكْرِهِ، الَّذِي قَدَّرَ الْأَيَّامَ دُوَلًا بِعَدْلِهِ، وَجَعَلَ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ بِفَضْلِهِ، وَأَفَاءَ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ ظِلِّهِ، وَأَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، الْقَاهِرِ فَوْقَ عِبَادِهِ فَلَا يُمَانَعُ، وَالظَّاهِرِ عَلَى خَلِيقَتِهِ فَلَا يُنَازَعُ، وَالْآمِرِ بِمَا يَشَاءُ فَلَا يُرَاجَعُ، وَالْحَاكِمِ بِمَا يُرِيدُ فَلَا يُدَافَعُ، أَحْمَدُهُ عَلَى إِظْفَارِهِ وَإِظْهَارِهِ، وَإِعْزَازِهِ لِأَوْلِيَائِهِ وَنَصْرِهِ لِأَنْصَارِهِ، وَتَطْهِيرِهِ بَيْتَهُ الْمُقَدَّسَ مِنْ أَدْنَاسِ الشِّرْكِ وَأَوْضَارِهِ، حَمْدَ مَنِ اسْتَشْعَرَ الْحَمْدَ بَاطِنَ سِرِّهِ وَظَاهِرَ جِهَارِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ شَهَادَةَ مَنْ طَهَّرَ بِالتَّوْحِيدِ قَلْبَهُ، وَأَرْضَى بِهِ رَبَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَافِعُ الشَّكِّ وَدَاحِضُ الشِّرْكِ، وَرَاحِضُ الْإِفْكِ، الَّذِي أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى هَذَا الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَعُرِجَ بِهِ مِنْهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ الْعُلَا، إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 15] ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعَيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ»([1]).
الطائفة المنصورة الأوصاف والأخطار ومعالم النصر
لو تأملنا كلام من لاينطق عن الهوى r في وصف الطائفة المنصورة فإن ذلك يدفعنا لوجوب نصرتهم وعدم خذلانهم ، ثقة بعود الله تعالى بنصرة المؤمنين وثقة ببشرى النبي الكريم
فالطائفة المنصورة .. من خيار الأمة.. يفتح الله عليها بفتوح الحق القويم… تقاتل على ذلك الحق.. وتقهر أهل الباطل.. وتواجه أثناء ذلك بالمخالفة والتكذيب والتشويه وقول الزور في حقها .. وتطلب النصرة فيكون الرد بالخذلان.. هذا الخذلان لا يصرفها عن طريقها ،ولا يفت في عضدها.. ستدفع أثمانا عالية غالية من أذى العدو وماوراءه .. دماء وأشلاء وتضحيات.. مع الحصار والجوع وبعدها فإن الله سيجمع الأنصار من حولها .. صفوفها في هذه المرحلة بأرض الشام عامة، وبأرض بيت المقدس وماحوله خاصة..ينتقل جهادها إلى دمشق وماحولها ، وبقاع أخرى غيرها..كما دلت روايات أخر.. سيمتد جهادها وأمثالها وتتواصل انتصاراتهم حتى آخر آخر الزمان.. كل هذا وغيره جاء في حديث واحد ، جمع من المعاني الكثير وذلك من ضمن روايات أخرى متواترة كثيرة ، بها معاني أخرى كبيرة..
كما وصفت الطائفة المنصورة بأنها قائمة على الحق وأنها لا يصبها ضرر ممن خذلها ولا من خالفها ولا من ناوئها ولا من كذبها وهي “ظاهرة لعدوها” أي مشهورة معروف مكانها ، و”ظاهرة على عدوها” أي غالبة وهذه عبارات عابرة للزمان وهذا ما يفيده قوله r : لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ([2])] [وفي رواية : لَا تَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ ([3])] [وفي رواية : وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الْأُمَّةُ ([4])]«لَا تَبْرَحُ هَذِهِ الْأُمَّةُ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ مَنْصُورِينَ أَيْنَمَا تَوَجَّهُوا، يُقْذَفَ بِهِمْ كُلَّ مَقْذِفٍ، لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»([5]). [لَا تَبْرَحُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي] [إِنَّهَا لَنْ تَبْرَحَ] [مِنَ الْمُسْلِمِينَ] ([6]) .
والرويات حددت الضرر الذي يصبهم من عدوهم ومن المخذلين المثبطين والمخالفين والمكذبين والمناوئين لهم، وقد أصبحوا يقاتلون أعداء لا عدو واحد ومذاهب وأديان باطلة لا دين واحد ، والواقع يقول أن العالم كله تحزب عليهم ورموهم عن قوس واحدة فاجتمع شراذم الأرض من اليهود والنصارى وعباد البقر وأهل النفاق على عدوتهم ومخالفتهم وتذكيبهم ومناوأتهم وخذلانهم وحصارهم بمنع الطعام والشراب والدواء وسائر ما تقوم به الحياة ، وهذا من تداعي الأمم على أمة الإسلام على وجه العموم كما تداعى الأكلة على قصعتها ، كما أنه تداعي من هؤلاء الأكلة على هذه الطائفة على وجه الخصوص ويؤكده ما رواه الطبراني بسنده حيث قال :” حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ وَهْبٍ الْأُرْسُوفِيُّ، ثنا زَكَرِيَّا بْنُ نَافِعٍ الْأُرْسُوفِيُّ، ثنا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ الرَّمْلِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الْوَعْلَانِيِّ، عَنْ كُرَيْبٍ السَّحُولِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُرَّةُ الْبَهْزِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ r يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، وَهُمْ كَالْإِنَاءِ بَيْنَ الْأَكَلَةِ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: «بِأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَنَّ «الرَّمْلَةَ هِيَ الرَّبْوةُ، ذَلِكَ أَنَّهَا مُغَرِّبَةٌ وَمُشَرِّقَةٌ»([7]).
وإن هذا الوصف مفصح عن حجم العدوات وعن كثرة الأعداء التي جعلتهم (كَالْإِنَاءِ بَيْنَ الْأَكَلَةِ) وهو دليل على غرور هؤلاء الأعداء وطغيانهم الذي جعلهم يظنون تمكنهم من هذه الطائفة كتمكن الآكل بل الآكلين من إناء واحد .
ولكن الله غالب على أمره وناصر لجنده وهو سبحانه مجري السحاب وهازم الأحزاب وحده .
ولما لم يكن لهم إلا الله ولياً ونصيراً وهو -نعم المولى ونعم النصير- ولما تمكنوا من صدق التوجيه إليه وصدق التوكل عليه جعل الله لهم الغلبة والعلو والقهر لكل هؤلاء الأعداء على اختلاف نياتهم وفسادها .
فسبحان من قال وقوله الحق ﵟقَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَﵞ [البقرة: 249]
ﵟ وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَﵞ [يوسف: 21]
والنصوص متواترة في صفة هذه الطائفة وبيان مكانها وزمانها وقد تعانق وصف زمنها ومكانها وشخوصها وأحدثها وأن هذه الطائفة قد جمع الله لها بين ثباتهم على الحق، ودوام النصر والغلبة والظهور والإشتهار واستمرار ذلك، فهي ظاهرة مشتهرة وغالبة منتصرة لن تزول عن مكانها حتى قيام الساعة، ولن يضرها من خذلها ولا من خالفها ولا من ناوئها وكل ضرر يصيبهم هو من اللأواء مع اختلاف جهات الغزو والمناوأة والمخالفة التي تجعلهم يتعرضون للخذلان والحصار ففي بعض الروايات: «إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، فَهُمْ كَالْإِنَاءِ (كَالشَّيءِ) بَيْنَ الْأَكَلَةَ» ([8]) اللأواء الشدة وضيق المعيشة بل «اللأواء: شدة الضيق»واللَّوْلَاءُ: الشِّدَّةُ والضُّرُّ وَالْجُهَدُ والسَّنَةُ: وقد غلبت على القحط([9]).قال الطبري رحمه الله :«يعني النبي r بالأواء الشدة ، إما في المعيشة من جدب وقحط أو حصار ، وإما في الأبدان من الأمراض والعلل أو الجراح. يقال من ذلك: أصابت القوم لأواء، ولولاء»([10]).
قاهرين لعدوهم ولمن يغزوهم
جاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r « لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ [ وفي رواية : عَلَى الْحَقِّ ([11])] ظَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ [وفي رواية : عَلَى مَنْ يَغْزُوهُمْ ([12])] قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ [وفي رواية : مَنْ نَاوَأَهُمْ ([13])] إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا [وفي رواية : قِيلَ ([14])] : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَيْنَ هُمْ ؟ قَالَ : بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ([15])».
وقد جاء في هذه الرويات قوله r«لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ» و قوله u «ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ يَغْزُوهُمْ ، قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ نَاوَأَهُمْ»ما يفيد أن الله تعالى لما أيدهم بنصره على قلتهم وخذلان الأقربين لهم وتحزب العالمين عليهم حتى صاروا (كَالْإِنَاءِ بَيْنَ الْأَكَلَةِ) فإنه Y ناصرهم بفضله على عدوهم البعيد والقريب (من يغزوهم) وهذا يصح أن يكون من التفسير لقوله تعالى ﵟ ضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيۡنَ مَا ثُقِفُوٓاْ إِلَّا بِحَبۡلٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبۡلٖ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُو بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَسۡكَنَةُۚ ﵞ [آل عمران: 112] فإن حبل الناس بإعانة اليهود ينقطع بنصرة طائفة الحق عليهم بالرغم من امدادهم بالعتاد والمال والتأييد، ويصبح الجميع اليهود ومن تحزبوا واجمعوا أمرهم وهم يمكرون مقهورين بصمود هذه الطائفة وينكشف عن اليهود غطاء حبل الله -بمعاصيهم- بسبب تأييده لطائفة الحق والتي تكون سبباً في انقطاع حبل الناس فتظهر الذلة والصغار والمسكنة والانكسار .
ولكي نعلم مدى ذلة القوم وانكسارهم وتمكن أهل الحق منهم نشير إلى معنى القهر و«القهر: الاستيلاءُ والغلبة على طريق التذليل، قال تعالى: {فَأَمَّا اليتيم فَلَا تَقْهَرْ}»([16]).
و«”قهَره: غلبه وأخذَهُ من فَوْقُ ” (سلّط عليه قُوَّته فلم يكن عنده فُسْحَة الاختيار أو هوادته فهو ينصاع راغمًا) {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] لا تحتقره، لا تستذله … [بحر 8/ 482] فاحتقاره سَحْق لعزته ولنفسه يعصف بكيانه {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127] (هذه حكاية لقول فرعون، مضيفًا إلى ما كان يفعل بهم أنه متمكن منهم، وهم موضع قهره واحتقاره فهم أقل من أن يهتم بهم. قال هذا لئلا تصدّق العامة أن موسى هو المولود الذي تحدث المنجمون والكهنة بذهاب ملك فرعون على يده»([17]) ومعنى قول فروعون «وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ وَإِنَّا مُسْتَعْلُونَ عَلَيْهِمْ بِالْغَلَبَةِ وَالسُّلْطَانِ، قَاهِرُونَ لَهُمْ كَمَا كُنَّا مِنْ قَبْلُ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ إِفْسَادًا فِي أَرْضِنَا، وَلَا خُرُوجًا مِنْ حَظِيرَةِ تَعْبِيدِنَا»([18]).
قال الطاهر بن عاشور : «الْقَاهِرُ: المتَّمَكُّنِ مِنَ عدوه الْغَالِب بِإِذْلَالٍ. ولا يكون إلا من علو وفوقية لِاسْتِطَاعَةِ قَهْرِ عدوه وإذلاله لِأَنَّ الِاعْتِلَاءَ عَلَى الشَّيْءِ أَقْوَى أَحْوَالِ التَّمَكُّنِ مِنْ قَهْرِهِ»([19])
وقال الشيخ السعدي :«فلا خروج له عن حكمه، ولا قدرة »([20])وذلك نهاية القوة والقسوة التي تتناسب مع عدو ظالم غاصب معتدي ومجرم وهو من تأييد الله لهذه الطائفة ونصرهم على عدوهم .
وعلوهم بالحق لأنهم قائمون على شرع الله ودينه، وهو السبب الذي مكنهم من العلو والظهور على عدوهم وإذلالهم وقهرهم لعدوهم بالأصالة ولمن خذلهم وخالفهم ولمن كذبهم بالتبع، فقد جاء في سائر الروايات (قائمة على أمر الله) أي: دينه الذي شرعه،واستعمل فيه “على” (على الحق) و(ظاهرين على الناس) و(عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ) و( عَلَى مَنْ يَغْزُوهُمْ)([21]) دلالةً على كونهم عالين على الخصم محيطين بجوانب هذا الأمر، بحيث لا يصل إليه أو إليهم كيد الأعداء»([22]).
وهذه الرواية تؤكد أنهم في علو وظهور وأن عدوهم مخذول ذليل وكأن الله عوضهم بخذلان بني جلدهم، ومخالفتهم وتكذيبهم، إذلال عدوهم وقهره وقهر من تولاه وناصره بخذلان طائفة الحق قال الطاهر بن عاشور :« الْقَاهِرِ يَأْخُذُ الْمَغْلُوبَ مِنْ أَعْلَاهُ فَلَا يَجِدُ مُعَالَجَةً وَلَا حَرَاكًا. وَهُوَ تَمْثِيلٌ بَدِيعٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ [الْأَعْرَاف: 127]»([23]).
ومجموع رويات الحديث فيه تناسب عجيب بين ظهورهم واشتهارهم وعلوهم وانتصارهم، وإذلالهم لعدوهم وقهرهم له بالرغم من خذلانهم من بني جلدتهم ومن دعاة الحقوق .
وفيه تثبيت إلهي يدل على توكلهم على الله واعتمادهم عليه ويكفيهم شرفاً أن النبي r نسبهم إليه بقوله “من أمتي ” وهذا في جميع الرويات مع تواترها .
وهذه معجزة له r ومن دلائل نبوته وكرامة لهم بكونهم على الحق والسنة ، وهذه الرواية يلمح منها ترجيح كون هذه الطائفة هي المجاهدة ، وليس معنى ذلك نفي الظهور والغلبة عن أهل العلم وأهل الحديث والسنة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بقدر ما هي دليل قاطع على كون الجهاد قرين العلم وغالب ما ورد في القرآن بشأن العلم ارتبط بالجهاد ﵟ وَمَا كَانَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَﵞ [التوبة: 122].
( لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ)
بعد معرفة معاني “القهر”فإن لا يبعد أن يكون القهر من معاني قوله تعالى ﵟفَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًاﵞ [الإسراء: 7]
لأن القهر للعدو يظهر في وجهه بأن يكون سيئاً والمساءة ثمرة الغلبة والقهر وهي من آثار النصر وهذه معجزة ظاهرة باهرة نراها في وجوه ممثلي الكيان الغاصب قد علت وجوههم قترة وغبرة بعد ثوشحهم بالسواد على أبدانهم وظهور المساءة في وجوههم .
قال تعالى «{فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ}، لأن تقديره: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسؤوا وجوهكم وهذا وعد المقابلة على فسادهم في المرة الثانية أَيْ لِيَسُوءُوا الْعِبَادَ، أَوِ النَّفِيرَ([24])
«وَسَوْءُ الْوُجُوهِ: جَعْلُ الْمَسَاءَةِ عَلَيْهَا وعَزَا الْإِسَاءَةَ إِلَيها ، أَيْ تَسْلِيطُ أَسْبَابِ الْمَسَاءَةِ وَالْكَآبَةِ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَبْدُوَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، لإِنْ حَصَولَ الْحُزْنُ وَالْخَوْفُ فِي الْقَلْبِ يُظَهَرَ الْكُلُوحُ وَالْغَبَرَةُ وَالسَّوَادُ فِي الْوَجْهِ و مَا يُخَالِجُ الْإِنْسَانَ مِنْ غَمٍّ وَحُزْنٍ، أَوْ فَرَحٍ وَمَسَرَّةٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْوَجْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْجَسَدِ وهو كناية عن الحزن والهم والإهانة لهم ومعنى لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ ليجعلوها بادية آثار المساءة والكآبة فيها بالإهانة والقهر ([25])
«هؤلاء المسلطين سلطهم الله على بني إسرائيل لما كثرت فيهم المعاصي وتركوا كثيرا من شريعتهم وطغوا في الأرض… فنصرهم الله عليكم فقتلوكم وسبوا أولادكم وجاسوا خِلالَ دياركم فهتكوا الدور {وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا} لا بد من وقوعه لوجود سببه منهم»([26]).
لقد رأينا ورأى الناس جميعا خروج رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان والمتحدث الرسمي لباسهم السواد ووجوههم مسودة عليها كآبة المسأة والقهر والإهانة والحزن وما كان ذلك ليكون إلا بجند لله همهم أن تكون كلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم .
اللهم إن أهل الشام وفلسطين وغزة حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ، وَعُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ، وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ، وَعَالَةٌ فَأَغْنِهِمْ اللهم إنهم مغلوبون فانتصر لهم ، واخذل من خذلهم اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم .آمين
وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
[1]) المقدمة من خطبة القدس بعد فتحه لمحيى الدين محمد بن الزكى على من سلالة عثمان بن عفان t، كانوا قضاة فى دمشق، وكانت ولادته سنة (550ه) (ت598هـ) نسوقها من باب الفأل الحسن بعد اليقين بوعد الله Y والثقة والتصديق ببشرى سيد الخلق r.
البداية والنهاية (16/ 590) الروضتين (3/ 385) وفيات الأعيان (4/ 231) مفرج الكروب (2/ 220) تاريخ الإسلام» (12/ 1157 )
[2]) صحيح مسلم: (6 / 53) برقم: (1037 ) مسند أحمد: (7 / 3739) برقم: (17206 )
[3]) المعجم الكبير: (19 / 380) برقم: (893 )، (19 / 390) برقم: (917 ) مسند أبي يعلى الموصلي: (13 / 375) برقم: (7383 )
[4]) صحيح البخاري: (1 / 25) ح (71 ) مسند أحمد: (7 / 3739) ح (17205 ) شرح مشكل الآثار: (4 / 387) ح (1683 )
[5]) “حسن بشواهده” سنن سعيد بن منصور- الفرائض إلى الجهاد- ت الأعظمي»(2/ 177) موقوفاً: «فضائل الشام ودمشق لأبي الحسن الربعي» (ص9) (16)، وعنه ابن عساكر في “تاريخه” (1/ 259)، وأخرجه ابن عساكر من وجهين آخرين (1/ 258- 259) عن جبير، وقال في رواية: “هم أهل الشام”.انظر: موسوعة بيت المقدس وبلاد الشام الحديثية (ص209)
[6]) من حديث أخرجه الطبراني في الكبير 19/ 386 (905)، وابن عساكر في تاريخه 1/ 265. قال الهيثمي في المجمع 7/ 306 (12351): «رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط، والكبير، ورجالهم ثقات»
[7]) “حسن بشواهده دون ذكر الرملة” رواه “المعجم الكبير” (20/ 317 – 318 رقم 754)، وأخرجه في “الأوسط” (6695)، والفسوي في “المعرفة والتاريخ” (2/ 298)، والطبري في “تفسيره” (19/ 37)، وابن عساكر في “تاريخه” (1/ 210)، وانظر : تخريجه في «موسوعة بيت المقدس وبلاد الشام الحديثية» (ص365)
[8]) تهذيب الآثار مسند عمر (2/ 823) فضائل البيت المقدس – الواسطي (ص193)
[9]) الغريبين في القرآن والحديث (5/ 1665) والنظم المستعذب (1/ 121) (عن القاموس والتاج): (لولاء)
[10]) تهذيب الآثار “مسند عمر» ، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: محمود شاكر، القاهرة: مطبعة المدني، ط 1، د. ت، 2/ 835
[11]) المعجم الكبير: (8 / 145) برقم: (7643 )
[12]) المعجم الكبير: (8 / 145) برقم: (7643 )
[13]) المعجم الكبير: (8 / 145) برقم: (7643 )
[14]) المعجم الكبير: (8 / 145) برقم: (7643 )
[15]) رواه عبد الله بن أحمد عن خط أبيه وجادة كما في المسند (5/ 269)، والطبراني كما في المجمع (7/ 288)، وقال الهيثمي: “رجاله ثقات”
[16]) بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (4/ 314)
[17]) المعجم الاشتقاقي المؤصل» (4/ 1854)
[18]) تفسير المنار(9/ 70)
[19]) التحرير والتنوير» (9/ 59)بتصرف وزيادة
[20]) تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن (ص300):بتصرف وزيادة
[21]) المعجم الكبير: (8 / 145) برقم: (7643 )
[22]) الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري» (1/ 166) بتصرف وزيادة.
[23]) التحرير والتنوير» (7/ 165)
[24]) الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها(2/ 43) تفسير الماوردي النكت والعيون (3/ 230) التبيان في إعراب القرآن (2/ 814)
[25]) تفسير الرازي مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (20/ 302) تفسير الماتريدي تأويلات أهل السنة(7/ 10) تفسير الكشاف ومعه الانتصاف ومشاهد الإنصاف والكافي الشاف (2/ 650) التحرير والتنوير (15/ 37) التفسير المنير للزحيلي (15/ 23)
[26]) تيسير الكريم الرحمن (ص454)