«الدبابة دعست أبوي وطخت أمي»، بهذه الكلمات نطق طفل فلسطيني لا يعرف شيئاً في الحياة سوى أنه مهند أبو ندى من عائلة مطر، ونزح مع النازحين بعد تجربة أليمة مع جرائم وحشية لجنود الاحتلال، وخرج مع من خرجوا إلى أماكن النزوح وحيداً لا يعرف شيئاً عن أهله.
سأل النازحون عنه أقرانهم فلم يعرفه أحد؛ ما دفعهم إلى نشر صورته عبر مجموعات واتساب خصصها أهالي غزة كخدمة لطمأنة الأهالي على أحوال ذويهم، خاصة بعدما فصل الاحتلال بين شمال وجنوب قطاع غزة، وانقسمت كثير من العائلات بين الشطرين.
تكتظ بهم خيام النازحين ومراكز الإيواء من العدوان الصهيوني الوحشي، وبينهم الكثير من الأطفالٌ الذين تغيرت حياتهم بعد أن قلبت الحرب أحوالهم، ومنهم يحيى، الذي تحول مع أقرانه إلى بائع لأمشاط الشعر، ومحمود، الذي اختار بيع الحلوى للصغار، إذ لم تدع الحرب لهم خيارات أخرى بعد أن أجبرتهم على ترك مقاعد الدراسة، كما لم يتبق لهم من مدارسهم إلا القليل حتى في حال خروج قوات الاحتلال.
يقاسون كل صنوف شظف العيش وقسوة الحياة، ما عبر عنه الطفل أحمد محمد الخالد، قائلاً: نحن ننام من الجوع.
نزح أحمد من مدينة غزة إلى مكان يدعى التكة، خصصه الأهالي لمحاولة سد حاجة آلاف النازحين من الطعام، ويشكو من زحام شديد على فتات التكة، التي يصل إليها الآلاف ولا يصل إليها أضعافهم، فضلاً عن عدم توافر أغلب السلع، والارتفاع الكبير في أسعار المتوفر منها.
يضيف: بنمشي حالنا في النهار بربع رغيف أو نصف رغيف في اليوم، ما يسد الرمق فقط لا غير، موجهاً استغاثة تداولها عديد المعلقين على منصات التواصل الاجتماعي.
الطفلة نور تمزقت ساقها اليسرى بالكامل حين تعرض منزلها في جباليا لانفجار في أكتوبر الماضي، وقد تضطر لبتر ساقها اليمنى المدعومة بقضيب معدني ثقيل وأربعة براغي مثبتة في العظم، وفق «رويترز».
قالت نور وهي في سريرها هي تحدق في جهاز التثبيت: «بتوجعني كتير وبدي أطلع على الإمارات أعالج رجلي قبل ما يبتروها الثانية، أنا أخاف ليبتروها»!
وأضافت: «أنا كنت ألعب وأجري، وكنت مبسوطة بحياتي، لكن الآن فقدت رجلي وصارت حياتي بشعة وحزينة.. أتمنى أني أركب طرفاً اصطناعياً».
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن أكثر من 1000 طفل أجريت لهم جراحات بتر للسيقان، وخضع بعضهم لأكثر من جراحة أو لبتر كلتا الساقين، فقط في نوفمبر الماضي، وهو ما تضاعف في ديسمبر، فيما تقول السلطات الصحية بغزة: إن الأطفال يمثلون نحو ربع الإصابات جراء القصف «الإسرائيلي» الهمجي للمنازل.
ويقول الأطباء: إن الافتقار إلى النظافة ونقص العقاقير يؤدي إلى مضاعفات وبتر في إصابات موجودة ربما كان ممكناً النجاة منها، بحسب إعلان «يونيسف».
ومع موسم البرد والأمطار، يكابد الأطفال معاناة مضاعفة، ومنهم مجدي الهسي، الذي عبر عن ذلك بقوله: «الحياة صعبة، بنلم (نجمع) الكراتين والحطب لنعمل (نعد) الخبز على النار»، وفقاً لما أوردته وكالة «الأناضول».
وأضاف: «الاحتلال دمرنا، لا مياه ولا كهرباء ولا أكل (طعام)، نأكل الزعتر والجبنة والفلفل الحار من قلة الأكل، لا يوجد دجاج ولا لحوم، ونأكل مرة واحدة»، لافتاً إلى أنهم يقطعون طرقاً طويلة للحصول على بعض المياه.
وتمنى الهسي أن تنتهي الحرب لكي يتناول وجبته المفضلة وهي السمك، ويحلم بألا يخسر أحداً من أصدقائه أو أحبابه، وأن يعود ليلعب ويأكل ما يشتهي.
الطفلة ميس أبو حمدان، النازحة من مدينة غزة، تتعلم الخبز على الحطب عن أمها لكي تتمكن عائلتها فقط من البقاء على قيد الحياة، ولا ترغب في شيء أكثر من العودة لبيتها، وهو ما عبرت عنه بقولها: لا أريد العيش في الخيام وتقاسم الحمامات مع بقية الموجودين هنا وانتظار الدور للحصول على الماء أو الاستحمام والبقاء بنفس الملابس لأيام طويلة، بحسب «سكاي نيوز عربية».
المعاناة ذاتها عبر عنها الطفل عبداللطيف بكر، قائلاً: «لا يوجد لدينا ماء ولا طعام، نعاني في الوصول إلى ماء الشرب، وحتى إذا حصلنا عليها نجدها مياه مالحة»، مضيفاً: «نعد الخبز على الكرتون والقليل من الحطب، فلا يوجد غاز للطهي»، وفق «الأناضول».
وتابع بكر: «لا يوجد شيء نأكله، فقط (مسحوق) الزعتر، ودقة (دقيق القمح مضاف إليه التوابل) وجبة واحدة يومياً»، وعبر عن اشتياقه ليأكل طعاماً يحتوي على شيء من اللحم، مثل الدجاج.
وأضاف: «بيتنا تضرر بسبب القصف الذي تنفذه المقاتلات «الإسرائيلية» يومياً، أتمنى أن أعود للعب مع أصدقائي، لكن القصف والدمار وهدم البيوت في كل مكان».
وتفتقر عائلة بكر لأدنى مقومات الحياة، فلا ماء ولا غذاء ولا فراش، ولا تستطيع توفير الطعام والماء باستمرار، إذ نفدت أموالها، وهو حال أكثر من 1.6 مليون نازح اليوم في قطاع غزة، الذي تمارس فيه قوات العدوان «الإسرائيلي» إبادة جماعية وتهجيراً قسرياً بغطاء أمريكي وغربي صريح، فضح حضارة القيم المدعاة والمبادئ الزائفة.