نذر الحرب لماذا الآن؟
منذ توقيع إثيوبيا اتفاقًا مع إقليم أرض الصومال في الأول من هذا العام الجديد -تستأجر بموجبه منفذًا بحريًا لمدة 50 عامًا تستخدمه لأغراض تجارية وعسكرية – تتصاعد المخاوف من اندلاع حرب جديدة في منطقة القرن الإفريقي، فقد كان رد فعل الحكومة الفيدرالية الصومالية عنيفا جدا ضد الاتفاقية وضد إثيوبيا، و رفضت الحكومة الصومالية الاتفاق واعتبرته اعتداءً فاضحاً على سيادتها ووحدتها، وأكدت حقها في اتخاذ الإجراءات المناسبة للدفاع عن أراضيها، ووصفت الوضع بأنه خطير ويهدد استقرار وسلامة منطقة القرن الإفريقي، مؤكدةً أن الاتفاق لاغٍ ولا أساس قانونياً له[1] وقد صرح رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري فور إعلان الاتفاق “بأنهم مصممون على الدفاع عن بلادهم، ولن يسمحوا بانتهاك أي شبر من أرضه وبحره وأجوائه”[2]. ووجه الرئيس الصومالي حسن شيخ كلمة إلى الصوماليين دعاهم فيها إلى الوحدة والتماسك للدفاع عن سيادة ووحدة الأراضي الصومالية.[3]
شعبيا هنا في مقديشو تم الاستنفار وسط الصوماليين وتم تنظيم عدد من المظاهرات الحاشدة في الأيام التي تلت إعلان الاتفاق وفيه تعالت الأصوات للاستعداد للدفاع عن البلاد والمحافظة على وحدتها، ورُدٍّدت هتافات معادية للحكومة الإثيوبية، وهناك مخاوف من زيادة نشاط حركة الشباب مستغلة العداء الشعبي المتزايد ضد إثيوبيا وقد أدانت الحركة الاتفاق ونددت ما وصفته بأجندة إثيوبيا التوسعية وعبرت عن رفضها لأي محاولة لتمزيق وحدة الصومال.[4]
إن هذا الاتفاق يعتبر خطوة إلى مزيد من المخاطر الأزمات وعدم الاستقرار في المنطقة، ويمكن أن يدفع إلى مواجهات بين حكومة أرض الصومال والمجموعات الأخرى المعارضة لها داخل الكيان وحوله وقد يتطور الأمر إلى حرب بالوكالة خاصة مع وجود توترات قديمة وحديثة بين إثيوبيا من جهة والصومال وإرتريا ومصر من جهة أخرى، كما أن الصومال يهمه حسم موضوع انفصال أرض الصومال الذي تطاول دون حل. ولذلك أبدت العديد من الدول والمنظمات قلقها ومخاوفها من تفاقم الأزمة في المنطقة جراء هذه الاتفاقية ودعت الأطراف المعنية إلى ضبط النفس وتغليب صوت العقل وإلى الحوار كسبيل لحل المشكلات.
ليس في عالم اليوم مستحيل وخاصة إذا تعلق الأمر بإشعال حرب مدمرة من أجل تحقيق رغبة مؤججة في زيادة الثروة والمكانة والسلطة، وإذا رجعنا إلى التاريخ نجد أن معظم الحروب التي شهدها العالم تتمحور حول الرغبة في ضم أراضي جديدة أو متنازع عليها أو الحصول على الموارد النادرة أو الانتقام لإهانة سابقة تسببت في التقليل من سلطة وهيبة دولة ما، ومن أجل تحقيق هذه الرغبة يتم صياغة خطاب قومي مزيف ودعاوى باطلة ومعلومات مضللة تبث الخوف والكراهية بين الشعوب تخفي ورائها طموحات شخصية وقساوة وتهور وعمالة في نفس الوقت. وكثير من القيادات السياسية عندما تفشل في تأمين وضعها السياسي ولعجزها في إيجاد حلول سلمية تلجأ إلى الحرب تساعدهم على البقاء في السلطة ويستفيد منها الأقوياء ومصاصي الدماء من الداخل والخارج. ومن هنا يمكن فهم النظرية التي طرحها العالمان Chiozza and Goemans (2011) والتي تربط بين الوضع الداخلي للزعيم الاستبدادي وبين دخوله في صراع خارجي لتامين منصبة كزعيم، هذه الحالة منتشرة في منطقة القرن الإفريقي كما هو في إرتريا وإثيوبيا والسودان والصومال وهي أحد الأسباب الرئيسية لانعدام الأمن وعدم اليقين من نوايا الزعماء، ومن أخطر ما يهدد أمن واستقرار شعوب منطقة القرن الإفريقي في الوقت الحالي.[5]
إن إعلان حرب أو التهديد باستخدام القوة من أجل اخضاع إقليم يطالب بالحكم الذاتي لا يمكن أن يجلب السلام والاستقرار ولن تنجح المحاولة مهما تطاول الزمن وقد تؤدي إلى استنزاف الجانبين وتتسبب في المزيد من المعاناة وانعدام الأمن والاستقرار، وهناك تجارب عديدة حية مثل الصراع الطويل بين السودان وجنوب السودان الذي إنتهى بالانفصال وإثيوبيا وإرتريا الذي إنتهى بالاستقلال والحرب التي تدور رحاها اليوم بين روسيا واوكرانيا وغيرها الكثير من التجارب نحتاج ان نقف عندها ونستلهم منها العبر والدروس حتى لا نكرر نفس الاخطاء.
أصل المشكلة بين الصومال وأرض الصومال
أعلنت أرض الصومال وهي جزء لا يتجزء من دولة الصومال الفدرالية انفصالها من جانب واحد في عام 1991م. وذلك بسبب ما تعرض له الإقليم من حرب إبادة جماعية ودمار شامل من قبل الجيش الصومالي بقيادة محمد سياد بري في الثمانينات حيث تعرضت مدينة هرجيسا عاصمة أرض الصومال وما حولها لقصف ودمار متعمد، وسقط عشرات الآلاف من المواطنين وأفراد من المليشيات المسلحة المعارضة للنظام في مقديشو، إضافة إلى وجود استياء وشكوى من قبل قيادات المنطقة منط غياب التنمية المتوازنة واستئثار الجنوب بمقاليد السلطة منذ بداية الاستغلال، وفي ظل هذه الظروف تم تأسيس حزب الحركة الوطنية الصومالي في هرجيسا من أبناء الإقليم والذي تمكن فعلا من تأمين المناطق التي تُشكل ما كان يعرف سابقاً بالصومال البريطاني، ثم في مايو 1991 أُعلن من طرف واحد أن النظام الفيدرالي لم يعد سارياً، وأن الإقليم بات دولة مستقلة، وقد استغلت القيادة السياسية للحزب عدم الاستقرار السياسي والأمني وحالة انهيار الدولة وتحول الصومال إلى ساحة للحرب الأهلية طيلة الفترة الماضية ورفضت المشاركة في محادثات السلام التي جرت من أجل إحلال السلام في الصومال وتكوين حكومة مركزية وسعت بمساعدة دول ومنظمات دولية إقليمية إلى ترسيخ الانفصال عن طريق تأسيس إدارة خاصة بالإقليم، وبذلت هذه القيادة جهودا كبيرة من أجل الحصول على الاعتراف بالإقليم كدولة مستقلة ، وعلى الرغم من أنها لم تنجح للحصول على الإعتراف الدولي إلا أنها خلقت حالة شاذة وغريبة كواقع وكيان منفصل تتعامل معه الكثير من الدول والكيانات والمنظمات وكأنه دولة، فارض الصومال اليوم كيان قائم بالاعتراف الضمني ويتم التعامل معها سياسيا ودبلوماسيا وكأنها دولة قائمة بذاتها لها سفاراتها وجوازها الخاص ودستورها وقوانينها وعملتها الخاصة وقواتها النظامية ولديها علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية التي فتحت ممثليات لها في هرجيسا. حتى أن دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والاتحاد الأوروبي بعثت مندوبيها لمراقبة آخر انتخابات رئاسية جرت في أرض الصومال في 2017 مما يوحي بمدى تعقيد الوضع في أرض الصومال ووجود مشكلة حقيقية لم يتم التعامل معها من قبل الحكومة الصومالية بالقدر الكافي من الجدية والاهتمام.
هذه ليست اول اتفاقية تجريها أرض الصومال فلماذا الضجة إذاً؟
على الرغم من إجراء حكومة إقليم أرض الصومال العديد من الاتفاقات والتفاهمات مع جهات عدة خلال الفترة الماضية ومنها على سبيل المثال الإمارات العربية المتحدة التي عقدت اتفاقا مع إقليم أرض الصومال في عام 2016 يسري لمدة 30 عاما[6] تدير بموجبه ميناء بَرْبَرا في خليج عدن ومدخل البحر الأحمر من خلال شركة DP World المتخصصة في مجال الخدمات اللوجستية وإدارة الموانئ، حيث كانت تعتبر هذه الاتفاقية في حينها أكبر استثمار خارجي مباشر تلقته أرض الصومال ويمكن أن يؤثر على مجمل اقتصادها وامكاناتها وخططها في المستقبل. وفي مارس من العالم 2018 تم عقد اتفاقية ثلاثية بين أرض الصومال والإمارات وإثيوبيا استحوذت إثيوبيا على 19% من حصة شركة DP World الإماراتية[7] ، بالطبع كان الصومال يندد ويستنكر كل الاتفاقيات والتفاهمات التي أجرتها حكومة إقليم أرض الصومال مع كل الأطراف ولكنها لم تصعد معارضتها ولم تتخذ إجراءات عنيفة ولم تجري تحركات كبيرة ولم تستنفر الشعب كما هو حاصل اليوم، وكانت تؤكِّد بأن إقليم أرض الصومال جزء لا يتجزأ من حدودها وأن أي اعتداء على هذه الحدود هو اعتداء عليها وعلى سيادتها.
الاتفاق الذي جرى في الأول من يناير من هذا العام له أهمية سياسية بالغة وقد يفتح المجال أمام احتمال اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة (وكان شرط أرض الصومال لتوقيع الاتفاق اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال) . اعتراف دولة بحجم وقوة وتأثير إثيوبيا يمكن أن يكون له دور كبير في تحقيق مساعي وطموحات أرض الصومال نحو الاعتراف الدولي. ولذلك يعتبر حدثا هاما له ما بعده، وهو في نفس الوقت يمهد الطريق لإثيوبيا من أجل تحقيق تطلعاتها في ضمان الوصول إلى منفد بحري خاص بها تخرج به من كونها دولة حبيسة إلى دولة بحرية ويمكن أيضا أن يعزز شراكتها الأمنية والاقتصادية والسياسية مع أرض الصومال كما صرح بذلك مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي رضوان حسين[8]. وكانت إثيوبيا فقدت مينائي مصوع وعصب عقب إعلان استقلال إرتريا في عام 1993م، ومنذ ذلك الوقت تعتمد على ميناء جيبوتي المجاور في تجارتها الخارجية مع العالم عبر البحر.
بهذا الاتفاق تسعى إثيوبيا للحفاظ على أمنها القومي وتعزز إمكاناتها وقدراتها الاقتصادية والعسكرية ومكانتها الإقليمية والدولية التي تضررت كثيرا باستقلال إرتريا عنها وكشفت حرب التجراي الأخيرة مدى هشاشة أمنها الغذائي والعسكري عندما حاولت جبهة تحرير شعب تجراي قطع طريق إمدادات البلاد البحري والبري الذي يربطها بجيبوتي ومن ثم العالم.
خطورة هذا الاتفاق في أنه ينظر إليه على أنه احتلال وليس فقط تفاهم كما أراد له موقعوه أن يفهم، فقد جاء بعد شهرين من تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي أمام البرلمان تحدث فيه عن ضرورة وجود منفذ بحري لبلاده التي أصبحت حبيسة، وذلك عبر ميناء سيادي على البحر الأحمر. وذكر آبي أحمد في كلمته يوم 13 أكتوبر الماضي أنه مع تزايد عدد السكان في إثيوبيا لم تعد مسألة مناقشة الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر ترفا، وإنما هي قضية وجودية بالنسبة إلى إثيوبيا،[9] وصرح بانه يسعى من أجل تامين وصول بلاده إلى ميناء بحري بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية. وهو ما أثار ضجة في حينه، ومما صرح به أيضا “إن وجود إثيوبيا مرتبط بالبحر الأحمر”، وإذا كانا نحن سكان دول القرن الإفريقي نعتزم العيش معا في سلام فإن علينا أن نجد طريقة للتشارك المتبادل مع بعضنا البعض بطريقة متوازنة. [10]
على كل فإن في هذه التصريحات؛ و في الاتفاق الأخير جرأة وتسرع ونوع من التهور وعدم الخبرة في السياسة والمناورات للوصول إلى الهدف ، فقد كان من المتوقع أن تسعى القيادة الإثيوبية إلى ضمان الاعتراف بأرض الصومال أوَّلاً بعد اتفاقات سرية معها ومن ثم تضمن تنفيذ خطتها في الاستحواذ على المنفذ البحري، هذا إذا كان الهدف هو فعلا الوصول إلى البحر بطريقة ذكية وآمنة وشرعية، ولكن من خلال التأمل في الأوضاع السياسية الحالية وإمكانيات إثيوبيا في بناء وتطوير ميناء بحري وقد كانت خرجت من اتفاقية عام 2018 الثلاثية بسبب عدم قدرتها في تأمين التزاماتها المادية تجاه المشروع،[11] فانه يخشي من أن تكون الاتفاقية عبارة عن فخ لحكومة الصومال الحالية في مقديشو ؛ والهدف منها هو قطع الطريق أمام المفاوضات التي بدأت فعلا وبصورة جيدة، ولكي تُدفع الصومال للتهور واستخدام القوة والمواجهة مع الأطراف الموقعة – إثيوبيا وأرض الصومال ومن ثم خلق حالة عدم الاستقرار والتدهور الأمني وتوقف التنمية وفي ظل هكذا ظروف قد تتهيأ الأجواء من أجل الاعتراف الدولي بأرض الصومال مستقبلا.
إن كل محب للسلام يدعوا إلى عدم اللجوء إلى استخدام القوة والحرب من قبل جميع الأطراف وليس أمام دول وشعوب المنطقة غير الحل السلمي والمفاوضات، وعلى العموم لا يتوقع الكاتب قيام حرب في الوقت الحالي إذا ابتعد السياسيون الصوماليون عن خطط إرتريا والإمارات المدمرة لكل سلام واستقرار في المنطقة.
يجب أن لا تكون حرب بين الحكومة الفدرالية الصومالية وأرض الصومال
هناك عوامل كثيرة تمنع قيام حرب بين الصومال وإقليم أرض الصومال، فمن غير المتوقع دخول الصومال في حرب مباشرة مع أرض الصومال لحسم النزاع القائم بينمها فهناك الكثير من الموانع والأسباب الذاتية والتاريخية والسياسية والإستراتيجية والمنطقية والأخلاق والواقعية يمكن تفصيلها فيما يلي:
أولا: عدم القدرة العسكرية للصومال في الوقت الحالي فقد كان خاضعا لحظر شراء الأسلحة منذ عقود وكان يعتمد حتى نهاية السنة الماضية على بعثة اتميس ATMIS التابعة للاتحاد الافريقي في تأمين البلاد، وهي حتى الآن لا تفرض سيطرتها الكاملة على أجزاء من البلاد، فالصومال لم يتعافى تماما بعد انهياره في عام 1991 وعلى الرغم من كل المساعدات والدعم الدولي والإقليمي فإن الوضع السياسي والأمني لايزال هشا وغير مستقر تماما. الصومال يحتاج الي وقت لكي يكون قويا يرسي خلالها دعائم الدولة والمؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والعدلية وغيرها ويرسم استراتيجيته الخاصة لإحلال السلام والتوافق، وعندما يكون قويا ومقنعا ومستقرا سوف ينضم إليه أرض الصومال طواعية مرة أخرى.. إن قضية الاعتراف أو عدمه ليست فقط قضية سياسية بل هي متعلقة بالواقع، والوضع في الصومال اليوم غير مستقر ولا يقنع أبناء أرض الصومال الذين يخشون من تكرار تجربة الحرب الأهلية، بالإضافة إلى أن الكثير من الدوافع التي أدت إلى الانفصال ماتزال قائمة.
ثانيا: ليس هناك توافق سياسي داخلي صلب بين القيادات السياسية في الجانبين – الصومال وأرض الصومال – فيما يتعلق بالتعامل مع القضية وكيفية حلها فكل جانب متمسك برأيه، وهناك تضارب وخلخلة وسط الشعوب في الجانبين، وما يزال الطرفان يسعيان من أجل التغلب والقضاء على الانقسامات الداخلية وفرض هيبة الدولة، والجانبان ما يزالان يشهدان حالة الاحتماء بالنظام القبلي سياسيا واجتماعيا والذي يعظم المصالح الفئوية والعشائرية والفردية الضيقة على المصلحة العامة.
ثالثا: الصومال وأرض الصومال مهددين من قبل مجموعات الشباب الإرهابية المسلحة وفي حال نشوب حرب بين الطرفين أو مع إثيوبيا سوف تجد هذه المجموعات فرصتها للتعافي والنشاط من جديد فهي لا تعيش إلا في أجواء الحرب وحالة عدم الاستقرار.
رابعا: شعوب المنطقة بحاجة إلى الأمن والاستقرار والمحافظة على التطورات الأخيرة في إعادة ما دمرته الحرب، وتوقف الحرب تماما في إثيوبيا والصومال وإرتريا سوف يساعد على استقرار المنطقة وعودة اللاجئين إلى ديارهم لا أن تشهد مزيد من الهجرة واللجوء والمعاناة.
خامسا: إن أرض الصومال كانت مستعمرة بريطانية وقد انضمت إلى الصومال الإيطالي طواعية وعليه فإن تراجعها أو انضمامها مرة أخرى بعد الذي جرى يكون طواعية وليس عن طريق القوة الإجبار، لأن الحرب وانعدام الأمن والاستقرار في الإقليم سوف لن يؤدي إلى تحقيق الهدف حيث لم تختار أرض الصومال الانفصال إلا بسبب الحرب أصلاً، وإلا فإن أرض الصومال هي حزء لا يتجزء من الصومال الكبير الذي يشمل أجزاءً من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي.
سادسا: حكومة أرض الصومال حكومة ديمقراطية جاءت عبر انتخابات مباشرة شهد المراقبون بنزاهتها، وقد أجرت حكومة الإقليم انتخابات مباشرة شهدت انتقالاً سلميا للسلطة في الأعوام 2003 و2010 وأخيرا 2017م، وهذا الوضع سوف لن يساعد الصومال على شن حرب ضد الإقليم أو التهديد باستخدام القوة من أجل تطبيق قوانينه على الإقليم. وقد تدفع التهديدات أرض الصومال إلى عقد مزيد من الاتفاقات من أجل الحماية والدفاع المشترك مع قوى إقليمية أو دولية لضمان حمايتها من أي عدوان محتمل في المستقبل وبخاصة من جانب الحكومة الفدرالية مما يعقد الحالة ويعطل مبادرات السلام والتوصل إلى حل سلمي.
سابعا: الصومال محتاج إلى حراك سياسي ودبلوماسي نشط وهادف وطرح مبادرات سياسية والدخول في مفاوضات مباشرة مع إقليم أرض الصومال دون شروط فالتدخلات الإقليمية والدولية لن تتوقف إلا في حال تحرك الصومال بقوة ودفع باتجاه الحوار الجاد والمفاوضات الشاقة وخلق حلفاء حقيقين إقليميا ودوليا من أجل مساعدته في هذه الجهود.
وعموما فإن كل هذه العوامل وغيرها يمكن أن تمنع قيام حرب بين الصومال وإقليم أرض الصومال إذا ساد منطق العقل والحكمة والسياسة الرشيدة وتم الابتعاد من قوى الشر الذين لا يريدون الخير لأبناء المنطقة ولا أن يعم الوفاق والسلام بينهم، وتم التركيز على امتلاك عوامل القوة الاقتصادية الذاتية وتم الدفع بعملية الإصلاح السياسي والاجتماعي ومحاربة الجهل والتخلف والفساد، عندها يمكن أن نُؤمّل أن يكون الصومال دولة موحدة قوية يعمل أبناءه معا من أجل استعادة الأقاليم الصومالية الضائعة إلى الوطن الأم لا أن يشهد مزيداً من التفكك والانقسام.
إن عوامل السلام والاستقرار وتجنب الحرب وامتلاك القوة الذاتية سيفتح للصومال آفاقا سياسية رحبة في المنطقة عموما وعلى المستوي الدولي؛ كما أن التوصل إلى تسوية سريعة لقضية أرض الصومال بجهود ذاتية أو بوساطة دولية سوف يعين الصومال للتفرغ من أجل البناء الداخلي وإطفاء نار الفتن وإبعاد شبح الحرب والتدخلات الإثيوبية الإماراتية وغيرهما.
وأخيرا يعتقد الكاتب بأن إثيوبيا ارتكبت خطأً فاضحا بعقدها هذه الاتفاقية في وقت كان فيه الأشقاء الصوماليون يجلسون للتفاهم وتسوية خلافاتهم سلميا، وكان على الحكومة الإثيوبية أن تساعد في الحلول المطروحة لا أن تكون وقودا لإشعال الفتن، وكان يفترض من آبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام أن يكون داعية للسلام لا مشعلا للحرب والعداوات، وقد كان بإمكان أديس أبابا الحصول على مبتغاها عن طريق التفاهم مع الأطراف المعنية وخاصة الصومال لا أن يجعل الأمر مفاجأة يستفز به جيرانه الذين تربطهم به علاقات اقتصادية وتجارية ومصالح مشتركة، وهو ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذه الاتفاقية ماهي إلا فخا من أجل إشعال الفتنة بين الأشقاء الصوماليين فهناك شكوك كما ذكرنا حول إمكانيات حكومة آبي أحمد التي تعاني من أزمات اقتصادية ومالية وقد عجزت عن سداد جزء من الديون المستحقة عليها في هذا العام.[12]
وبالنسبة للصومال فإن هذه الحادثة فرصة من أجل بدء حوار داخلي جاد وطرح حلول علمية وعملية لقضية أرض الصومال التي تطاولت وتفاقم أمرها لتصبح أحد مكامن الخطر التي يمكن أن يتدخل من خلالها أعداء الصومال لتحريك الفتن واشعال الحرب الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة، كما أنها فرصة لمعالجة الأخطاء التي صاحبت التعامل مع القضية سواءً كان بالإهمال أو التباطؤ وعدم مواصلة جهود المفاوضات وتقديم الحلول المناسبة، وعمومًا هي فرصة من أجل وقفة جادة تمنع خلافات متأصلة من أن تتحول إلى صراع مفتوح.
__________________________________
(*) أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ـ جامعة سيمد ـ مقديشو ـ الصومال.
[1] صحيفة الشرق الأوسط 2 يناير 2024
[2] نفس المصدر
[3] نفس المصدر
[4] https://www.france24.com/ar/ 2-1-2024
[5] Chiozza, Giacomo, Goemans, H.E., 2011, Leaders and International Conflict, Cambridge University Press,
[6] https://www.somalilandbiz.com/watch-list-dp-world-berbera-deal/. https://www.dpworld.com
[7] https://reliefweb.int/report/somalia/uae-port-deal-somaliland-stirs-trouble-horn
[8] صحيفة الشرق الاوسط 2 يناير 2024
[9] https://www.bbc.com/arabic/articles/cl50zdx39w4o
[10] Ethiopian Press Agency/ Facebook: https://www.facebook.com/Epaalalam/?locale=tl_PH
[11] https://theconversation.com/waiting-for-ethiopia-berbera-port-upgrade-raises-somalilands-hopes-for-trade-188949
[12] https://www.reuters.com/world/africa/ethiopia-becomes-africas-latest-sovereign-default/