من المواقف التي يقع فيها بعض المسلمين وخاصة النساء اللاتي يتعرضن للحمل والرضاعة والدورة الشهرية مما يترتب عليه الإفطار في رمضان لهذا العذر الشرعي، إلا أن البعض يتكاسل عن قضاء هذه الأيام التي أفطرها إلى أن يدخل عليه رمضان التالي، وهنا يأتي السؤال: كيف نقضي هذه الأيام؟
مما أجمع عليه العلماء أن من أفطر في شهر رمضان يجب عليه أن يقضي قبل رمضان الآخر، وما بين الرمضانين فهو محل سعة من الله سبحانه وتعالى، فيستطيع المسلم أو المسلمة قضاء ما فاته في شوال أو في ذي القعدة أو في ذي الحجة أو في المحرم أو ما بعد ذلك.. إلى شعبان، فعليه أن يقضي ما أفطره لمرض أو سفر أو نحو ذلك قبل رمضان، فإن أخره إلى رمضان التالي لم يسقط عنه القضاء بل يجب عليه القضاء ولكن يلزمه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم أفطره إذا لم يكن التأخير بسبب عذر شرعي، هذا ما أفتى به جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيقضي ويطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من قوت البلد كيلو ونصف كيلو من قوت البلد من تمر أو أرز أو غير ذلك، أما إذا كان تأخير القضاء لعذر شرعي كما لو استمر المرض لدى المريض حتى جاء رمضان التالي، أو ظل العذر لدى المرأة حتى جاء رمضان التالي ففي هذه الحالة يكون القضاء فقط.
كيف نتعامل مع المسلم الذي لا يصوم؟
نتعامل في معاملاتنا اليومية مع مسلمين نتفاجأ بأنهم مفطرون في نهار رمضان، فكيف نتعامل مع هؤلاء؟
وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: إن الواجب دعوة هؤلاء المسلمين إلى الصوم، وترغيبهم فيه، وتحذيرهم من التهاون والتفريط في ذلك، وذلك من خلال الأساليب التالية:
1- إعلامهم بفرضية الصوم، وعظم مكانته في الإسلام، فهو أحد الأركان العظيمة التي بني الإسلام عليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً» (أخرجه البخاري (8)، ومسلم (16)).
2- تذكيرهم بالأجر العظيم المترتب على الصوم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «من صَام رمضان إيِمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِر له ما تَقدَّم من ذَنْبِه» (رواه البخاري (38)، ومسلم (760)).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن آمَنَ باللَّهِ ورَسولِهِ، وأَقامَ الصَّلاةَ، وصامَ رَمَضانَ، كانَ حَقًّا علَى اللَّهِ أنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ» (رواه البخاري، 7423).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به إنما يترك طعامه وشرابه من أجلي فصيامه له وأنا أجزي به كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به» (رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151)).
3- ترهيبهم من ترك الصوم، وبيان أن ذلك من كبائر الذنوب، عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (الضبع هو العضد) فأتيا بي جبلاً وعِراً، فقالا: اصعد فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم» (صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم (1509)، وقال معلقاً عليه: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟!).
4- بيان يسر الصوم وسهولته، وما فيه من الفرح والسرور والرضا، وطمأنينة النفس، وراحة القلب، مع لذة التعبد في أيامه ولياليه، بقراءة القرآن، وقيام الليل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه» (أخرجه البخاري (7492) ومسلم (1151)).
وينبغي ألا نيأس من إصلاحهم ودعوتهم وتذكيرهم، بالقول اللين، والكلمة الطيبة، مع الدعاء الصادق لهم بالهداية والمغفرة، فإن أمثال هؤلاء في حاجة شديدة لمن يأخذ بأيديهم إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل: 125).