عندما يطل شهر رمضان المبارك بنفحاته الطيبة على اليابان، تجد إفطار الصائمين في مساجدها وجمعياتها الإسلامية وبين الجاليات الإسلامية والعربية وطلاب الجامعات وزملاء العمل وفي بعض الشركات اليابانية، إلى جانب محاضرات وقراءة القرآن، وصلاة التراويح في مساجدها ومصلياتها.
وصلتُ اليابان قبل 9 سنوات، أقمت أول 5 سنوات منها في مدينة توكوشيما التي تبعد عن العاصمة طوكيو بنحو ألف كم جنوباً، والتي أصحبت محل إقامتي في السنوات التالية، قبل أن أنتقل إلى العاصمة طوكيو.
وفي هذه السطور أدوّن بعض خواطري ومشاهداتي حول رمضان والأعياد في اليابان من خلال تجربتي الذاتية.
المدراس اليابانية والصيام
لي أبناء وبنات في مراحل التعليم الأساسي في المدارس اليابانية، وانتقلت بهم مرتين داخل اليابان في المرة الأولى كانت لرياض الأطفال والمدرسة سابق تجربة مع تلاميذ مسلمين، أما الثانية فلا، وتطلب الأمر لقاء مع المختصين لشرح مفهوم الطعام الحلال -حيث يتناول الأطفال وجبة يومياً في المدرسة- وكذا الصلاة ومواعيدها ومتطلباتها وأيضاً الصيام، وأنه لن يؤثر على متابعة الدراسة والمشاركة في الأنشطة المدرسية.
كما نخبرهم عن العيد وأهمية اجتماع الأسرة في صلاة العيد صباحاً، والاحتفال بقية اليوم، هذا بالإضافة إلى مشاركة معلومات عن الحجاب وخصوصية تغيير الملابس قبل وبعد الأنشطة الرياضية وغيرها.
وأحياناً يتفق المدرسون مع أبنائنا وبناتنا على أن يقوموا بإلقاء كلمة على طلاب الفصل وربما المدرسة كلها من خلال دائرة التلفزة الداخلية حول الإسلام والعبادات، وفي بداية ارتداء ابنتي الكبرى الحجاب شرحت الأمر، وأخذت معها حجاباً لمن تريد أن تجرب ارتداءه وتجاوبت معها بعض الطالبات.
ودائماً ما أجد تفهماً من إدارة المدرسة وتعاوناً كبيراً، بل وأجدهم أعدوا أنفسهم للقاء بالبحث في الإنترنت عن الصلاة والصيام خصوصاً، وهكذا يأتي رمضان على أطفالنا في مدارسهم، فيتعبدون إلى الله فيها، ويتعاون معهم غير المسلمين في تيسير كل سبيل للقيام بذلك، حتى إن أحد المدرسين كان ينبههم بوقت الصلاة.
إفطار الصائمين ودعوة اليابانيين
يقيم جامع طوكيو إفطاراً عاماً يومياً، وكذا مساجد أخرى محدودة، وعادة تقيم جميع المساجد في رمضان إفطاراً عاماً يومي السبت والأحد حيث العطلة الأسبوعية، ويقيم المركز الإسلامي باليابان إفطاراً يومي السبت والأحد من كل أسبوع.
وتحرص الجاليات الإسلامية على إقامة الإفطار معاً وخاصة الجاليات الإندونيسية والماليزية باليابان، وكذا أصدقاء العمل والجامعة والجيران.
ومن العادات الجميلة في معظم المساجد ذات التمويل الذاتي من رواد المسجد أن تنظم كل جالية إسلامية من بلد معين إفطاراً مرة خلال شهر رمضان، وبهذا يتم توزيع الجهد والتكلفة، وكذا تذوق طعام من بلاد متعددة حول العالم.
كما يقيم المسلمون في بعض الشركات إفطاراً في رمضان قد يكون مدعوماً جزئياً من الشركة تدعو الجميع إليه كنوع من التعرف الثقافي بين الأمم والشعوب.
ويغتنم المسلمون الفرصة بالتعريف بالإسلام وخاصة عبادة الصيام والصلاة في محاضرات مختصرة وأنشطة مصاحبة مثل تجربة ارتداء الحجاب للنساء وسماع القرآن والأذان.
وأبدع أحدهم وأقام نشاطاً لكتابة الاسم الياباني بحروف عربية في لوحة مزخرفة من وحي الحضارة والتراث الإسلامي، ومثل ذلك من الأنشطة التفاعلية والدعوية.
صلاة التراويح
تحرص معظم مساجد اليابان على إقامة صلاة التراويح جماعة وختم القرآن الكريم في الصلاة إذا توافر إمام حافظ، وذلك في 8 ركعات مثل مسجد جمعية مسلمي اليابان، أو 20 ركعة مثل جامع طوكيو ومسجد أتشجاو ومسجد أوتسوكا.
وفي العشر الأواخر من رمضان، تقام صلاة التهجد من بعد منتصف الليل 8 ركعات حتى قبيل السحور في الكثير من المساجد، وفي المساجد والمُصليات يحرص البعض على سُنة الاعتكاف في العشر الأواخر، وإن كان الأكثر هو الاعتكاف بعض الأيام أو بعض الليالي، ومن الأنشطة الطيبة تنسيق اعتكاف لمدة ليلة واحدة لطلاب المدارس الإسلامية في المساجد الجامعة مع جامع طوكيو ومسجد كوبي أقدم مساجد اليابان.
القرآن ودروس العلم
حرص أئمة جامع طوكيو هذا العام على قراءة جزء من القرآن الكريم يومياً قبل الغروب، وإعطاء فرصة لمن أراد الاستماع إلى ختمة كاملة من قارئ حافظ وإذاعة التلاوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
أما مجالس العلم، فأذكر هنا 3 أنشطة كبيرة ومؤثرة، أحدها دروس مجلس أئمة اليابان، وهو مجلس وليد يجمع عدداً كبيراً من أئمة مساجد اليابان، ويعقد اجتماعاً تنسيقياً سنوياً، ودروس شهر رمضان هي أهم أنشطته، وهناك دروس يومية في جامع أوتسوكا التابع لجمعية الوقف الإسلامي باليابان، وهي كبرى الجمعيات الإسلامية والأوسع نشاطاً اجتماعياً في اليابان.
عيد الفطر
ثم يأتي يوم العيد وفيه فرحتان، ترى ذلك في صلاة عيد الفطر المبارك؛ حيث المئات ينتظرون أمام المساجد الجامعة والشوارع المحيطة بها في انتظار الموعد التالي لصلاة العيد بعد أن يمتلئ كل مسجد بأدواره المتعددة وساحاته وملحقاته بالمصلين في موعد الصلاة الأولى.
تقام صلاة العيد في اليابان في موعدين أو ثلاثة في المسجد الواحد، وذلك لإتاحة الفرصة للحضور من أماكن بعيدة، وكذا لضيق المساحات عن استيعاب كل المصلين في وقت واحد، وكذا لظروف العمل لمن أراد الصلاة ثم الذهاب إلى عمله لضرورة.
أما الخطبة فأحياناً متعددة اللغات في الخطبة الواحدة، وأحياناً تعدد اللغات في كل موعد لغة، حيث يتاح لكل جالية الحضور في اللغة الأكثر مناسبة لها، مثل اليابانية والعربية والإنجليزية والتركية والأردية وغيرها.
ويعقب صلاة العيد إذا وافقت يوم عطلة أسبوعية أو عامة احتفالات العيد في نطاق المساجد والمراكز الإسلامية أو الحدائق العامة، وربما تؤجل هذه الاحتفالات إلى أقرب يوم في نهاية الأسبوع لتجتمع العائلة الصغيرة والعائلة الإسلامية الكبيرة في احتفالات تتآلف فيها القلوب وتشد من عزم بعضها بعضاً في تعظيم شعائر الله في أرض قريبة عهد بالإسلام والمسلمين.