التجليات السياسية للقيم المركزية، وفي مقدمتها: الحرية، والعدل، والمساواة، والشورى، والرحمة، ومكافحة الفساد، تعد مرتكزات تأسيسية لأي إصلاح سياسي منشود في الدول العربية والإسلامية، وضرورة حضارية لاستعادة الأمة الإسلامية لريادتها، وفق معنيين تحدثوا لـ«المجتمع».
«القيم الإسلامية السياسية الكبرى ولدت أجنَّة لكنها لم تكتب لها الحياة»، بهذه المقولة للفيلسوف الكبير محمد إقبال، يستشهد المفكر المصري والأكاديمي ياسر الغرباوي، العضو السابق بلجنة العدالة الوطنية بمجلس الوزراء المصري عقب ثورة 25 يناير 2011م، في رؤيته لما آلت إليه أوضاع القيم الحضارية الإسلامية في الواقع السياسي المعاصر.
د. الغرباوي: إعادة الدورة الحضارية للأمة يتطلب إصلاحاً سياسياً قائماً على القيم
ويوضح الغرباوي، الذي يشغل منصب مدير مركز التنوع لفض النزاعات وبناء السلام والمصالحات المجتمعية، لـ«المجتمع»، أن الفيلسوف محمد إقبال كان يعني أن هذه القيم، وفي مقدمتها الشورى، تعرضت لضربات قوية، بعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبعد صدر الخلافة الأول؛ ما أدى إلى تغييبها تماماً، وانتشار الاستبداد والقهر وتجريم التغيير، والتأثير السلبي على التراث ونمط التدين.
ويلفت الانتباه إلى أن الحضارة الإسلامية ارتبطت بالعدل كقيمة مركزية تأسيسية ثم قيمة الرحمة، مصداقاً لقوله تعالى: (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد: 25)، وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الأوائل تجسيداً لهذه القيم، التي تراجعت، وبقيت على المنابر دون مواقع التنفيذ والسلطة ومواطن الحياة.
ويؤكد الغرباوي أن قيماً كالشورى والعدل والرحمة والمساواة والحرية تحتاجها الدول العربية والإسلامية الآن، لتساعدها على إعادة الدورة الحضارية للأمة الإسلامية من جديد، إذ إن كل حضارة تنشأ على مجموعة من القيم المركزية، ونجاحها يتوقف على تفعيل هذه القيم، عبر توطين يقوم على روافع مجتمعية من مدرسين وعلماء ودعاة وسياسيين يتبنون هذه القيم، ويحرصون عليها ويجعلونها سلوكاً حياتياً، ويقدمون فيها نموذجاً في مجتمعاتهم الصغيرة، تبدأ على إثرها هذه النماذج القيمية في الانتقال إلى فضاء السياسة والثقافة والتأثير.
بيومي: الغرب استفاد من قيمنا الإسلامية الحضارية فتقدم عكس العرب والمسلمين
أركان حقوق الإنسان
من جانبه، يرى الحقوقي خلف بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، في حديثه لـ«المجتمع»، أن هذه القيم الإسلامية الحضارية المرتبطة بالإصلاح السياسي أركان أساسية في مشروعات حقوق الإنسان العالمية، وأداة لازمة لتقوية أي نظام أو دولة، وبالتالي إصلاح أوضاع المواطنين والأوطان، موضحاً أن الغرب استخدم خلاصة هذه القيم في منظومته الحاكمة ومشروعاته الحقوقية، ونال عبرها النجاح، فيما يعاني المسلمون والعرب من التخلف عن ركب التقدم السياسي والإصلاح العام بسبب عدم تقديرهم لهذه المنظومة القيمية.
ويضيف بيومي أن تجربة «الربيع العربي» وما أفرزته من توابع سياسية، أكدت أن حضور هذه القيم الحضارية في السلطة، دون انحياز لها من مؤسسات الدولة، يعرقلها، حتى لو شهدت القوى التي تتبناها دعماً شعبياً قوياً، وهو ما يحتاج إلى توطين هذه القيم في مؤسسات التنشئة والرعاية حتى تستقيم سلوكاً في نفوس الأجيال القادمة، بما يمكن لجعلها منهج إدارة وحياة في مؤسسات الحكم والقرار بعيداً عن صاحب السبق الانتخابي.
حسين: السياسة ليست نجاسة.. وبحاجة إلى القيم حتى لا تتحول إلى أداة فساد وإفساد
ويوضح السياسي المصري ياسر صديق حسين، في حديثه لـ«المجتمع»، أن أي إطار سياسي دون قيم مركزية تحكمه يصبح معرضاً لأهواء فئة قليلة تمتلك القوة والسلطة؛ ما يهدد المجتمع برمته، ويساعد على نشر النفاق والفساد والإفساد، ولكن في حضور القيم الإسلامية الحضارية يصبح الفعل السياسي في حال اعتماده الإصلاح مشروعاً مثمراً، تحكمه قواعد ومحفزات وأطر حاكمة، تدفع إلى النهوض وتدفع عن الأوطان مسارات التأخر والتخلف.
ويشير حسين إلى أن التحرر من القيم في السياسة، كما دعا ميكافيللي في كتابه «الأمير»، تحت شعار «الغاية تبرر الوسيلة»، هو أخطر ما يهدد أي مشروع للإصلاح السياسي، في أي وطن، إذ إنه لا بد من وجود إطار أخلاقي قيمي للسياسة ومرجعية تحكمها، رافضاً ما يقال في بعض الأوساط المصرية من أن «السياسة نجاسة»، باعتبارها مقولة مدسوسة لا تتناسب مع المرجعية الإسلامية، وكون أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة، وقدم صورة للسياسي الحق كما يجب أن يكون، مجسداً للقيم الكبرى الحاكمة مثل الشورى والعدل والرحمة والمساواة والحرية.