يعاني السودان خلال تاريخه الحديث من حروب أهلية أكلت الأخضر واليابس، وتسببت في قتل وتشريد الآلاف، بل الملايين من أبنائه!
فما أسباب هذه الحروب التي لم تتوقف حتى الآن؟
هذا ما وضحته «المجتمع» في هذا التحقيق الذي تم نشره في العدد (39)، في 15/ 12/ 1970م، ونعيد نشره ليضع كل من يريد وقف هذا النزيف يده على السبب الحقيقي وراء هذا الاقتتال.
تحقيق:
ماذا يتم في المطبخ الدولي؟
الخيوط التي تربط بين تمزيق السودان إلى شمالي وجنوبي.. والباكستان إلى شرقية وغربية!
تحقيق- جمال النهري:
سياسة الجهات المغلقة في السودان
- محتويات حقيبة السياسة البريطانية عام ١٩٣٠.
- لقاء الأضداد: الفاتيكان المسيحي، والشيوعية السودانية في أحراش إفريقيا.
- الكماشة الإفريقية المسيحية الضاغطة.
- «جوزیف قرانق» متمرد الجنوب وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الشمال.
- لماذا لا نغير اسم الحزب الشيوعي مرحليًا؟
- الدكتور يونان لبيب رزق ينصح اليسار في مجلة السياسة الدولية.
- هل يتمكن دب الثلوج الأحمر من بوابات القارة الساخنة بعد الخروج الظاهري للأسد البريطاني من أفريقيا؟
- استراتيجية تمزيق الفريسة في الغابة الدولية.. من الدولة العثمانية حتى عام ١٩٧٠.
- دور «حزب عوامي» الشيوعي الصيني في فصل باكستان الشرقية.
- كارثة باكستان وعروض ملكات الجمال.. أيهما أولى؟
- سياسة الجماعة الإسلامية من أجل وحدة باكستان.
- الرئيس يحيى خان يدلي بصوته ويهدد!
- الهند.. الجارة التي ابتلعت «کشمیر».
- السؤال الأخير للاتجاهات الإسلامية.
في شهر يوليو من عام ١٩٢٤ أعلن «سير ماكدونالد» في مجلس العموم البريطاني «أنه لا يجد مبررًا في أن «الأجناس» التي تسكن شمال السودان يجب أن تحكم «السود».. في جنوب السودان، وأعلن خوفه من ظهور «القوى الكامنة» للسودان الموحد المرتبط مع مصر.
وقال: «إن تكوين مملكة واحدة في السودان كالتي حدثت أيام المهدي يعتبر خطأ، وإن كان يتعين على السودانيين والمصريين أن يبقوا تحت الحكم البريطاني».
الجهات المغلقة والسياسة الجنوبية
وسارعت بريطانيا إلى وضع أسس الاستراتيجية التي تهدف إلى عرقلة ظهور «القوى الكامنة» التي يمكن أن تنبع من محاولة وحدوية جذرية نابعة من الحضارة الأصيلة لهذه البلاد.
فماذا كانت تحتوي حقيبة السياسة البريطانية؟
- لقد قرر «ماكمایكل رايت» وهو السكرتير الإداري البريطاني لحكومة السودان في عام ١٩٣٠ وضع سياسة خاصة كان أبرز ما فيها:
منع دخول الإسلام في جنوب السودان وذلك بإجلاء العناصر الإفريقية المسلمة «كالفلاتة» و«الهوسة» (هي قبائل قادمة من نيجيريا) من الجنوب.
- حظر ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية علانية.. بل تعدى ذلك إلى حظر ارتداء الزي العربي.
- إقصاء المتكلمين بالعربية عن الوظائف الإدارية والفنية بالجنوب.
- منع الهجرة من الشمال.
- استعمال اللغة الإنجليزية كلغة للتفاهم.
وفي مقابل «سياسة التصفية الإسلامية» كان الوجه الآخر سياسة «تغذية مسيحية». تتمثل في:
- فتح البوابات الضخمة للمبشرين ونشطت الإرساليات تبذر دعوة الانفصال ضد الشمال. باعتباره إسلامیًا والجنوب باعتباره مسیحیًا.
- استشيرت الذكريات الأليمة- التي كان لبعضها نصيب من الواقع- حول تجارة العبيد التي كان يقوم بها بعض من لا دين لهم من تجار الشمال.
- وفي غضون عام ١٩٤٠ تنبّهت الفئات المثقفة الإسلامية الواعية من أبناء السودان للزحف الخطير الذي يستهدف تمزيق السودان، والذي لمعت بوادره حينذاك، ولذا فحين قام علي ماهر باشا رئيس الوزارة المصرية آنذاك بزيارة السودان قدموا إليه مذكرة طالبوا فيها بلفت نظر الجمعيات الدينية والخيرية للعمل في الجنوب من حيث التبشير بالإسلام ونشر اللغة العربية.
أليس غريبًا.. التقاء الفاتيكان والشيوعية السودانية؟
وبعد أن مضى أربعون عامًا علی بیان سیر مكدونالد في مجلس العموم البريطاني وبالتحديد في عام ١٩٦٣، تفجرت مشكلة جنوب السودان، إذ قام نتاج حصاد الإرساليات التبشيرية في الجنوب؛ والذي كان على صلات وثيقة بنشاط «الفاتيكان» في إفريقيا بالمطالبة بإقامة دولة «أزانيا» المسيحية على أنقاض مديريات السودان الجنوبية الواسعة الثراء الشاسعة المساحة، تحقيقًا للكماشة الإفريقية المسيحية الضاغطة بإحدى طرفيها من الحبشة على إرتيريا، وبالطرف الآخر على جنوب السودان، وتنفيذًا لاستراتيجية قص الأطراف الإسلامية المتوغلة في أعماق القارة.
بينما تتم أعمال الإغارة والتهديد اليهودية على المناطق الإسلامية في الشمال الإفريقي؛ التي بلغت بجيوشها حروف القارة المسلمة، سيناء في أقصى الشمال الشرقي المتاخم لقناة السويس وميناء إيلات ومضايق تيران في خليج العقبة المنفتحين على البحر الأحمر الإسلامي الذي كان يمسك بطرفيه في الجنوب ميناء عدن ومن الطرف الآخر المدخل الشمالي لقناة السويس.
وفي أجواء التمرد التي غزتها الصليبية لتهديد السودان المسلم؛ سعى الحزب الشيوعي السوداني في أوساط القطاعات التي قادت التمرد في الجنوب لتكوين فروع للحزب هناك؛ مستفيدة من التناقض بين المسيحية الاستعمارية في الجنوب والسودان بأصالته الإسلامية، وتمكنوا في النهاية من تكوين «حزب الجنوب الديمقراطي».
ويكفي لتبيان حقيقة هذا الحزب أن «جوزیف قرانق» واحد من أهم مؤسسي الحزب هو في نفس الوقت عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الشمال.
الأمر الثاني أن برنامج الحزب الجنوبي الديموقراطي هو نفس برنامج شقيقه الحزب الشيوعي في السودان دون تعديل.
لذا لم يكن غريبًا.. أن السودان الجنوبي الذي غُلِّقت أبوابه قانونيًا وعمليًا في وجه السودان الإسلامي أن يُفتح على مصراعيه للشيوعية السودانية، حتى أن مراسل الديلي تلجراف صرح في ١١/ ٥/ ١٩٦٥ «أن الحزب الشيوعي هو الحزب الوحيد الذي استطاع عبور الفجوة التي تفصل بين الشمال والجنوب نتيجة للنشاط المتزايد الذي أخذ يمارسه هذا الحزب في المديريات الجنوبية».
وهكذا يتضح مع الوقت حقيقة الدور الانفصالي الذي يقوم به واحد من أخطر الأحزاب الشيوعية في العالم العربي، ألا وهو الحزب الشيوعي السوداني.
ولقد أحدث هذا النشاط الشيوعي الانفصالي في السودان ردة فعل طبيعية حيث توافدت عناصر المتدينين الواعين من أهل السودان الحريصين على وحدة التراب السوداني وإسلاميته أخذت تنضم إلى شعارات الاتجاهات الإسلامية باعتبار أن ما تدعو إليه من دستور إسلامي إنما يمثل قوة هائلة، بل القوة الحقيقية القادرة على الحفاظ على إسلام السودان في أعماق الأحراش الإفريقية التي يتلاعب فيها الفاتيكان والاستراتيجية الروسية المتقدمة في إفريقيا.
الرفض السوداني وأثره على تكتيكات المخطط الروسي في السودان.
إن الحزب الشيوعي السوداني الذي يواجه مقاومة تتعاظم كلما تجمعت الأخطار حول السودان، -وحدة ترابه ومستقبله- ولإحساسه بالرفض الكامل إزاء ذكر كلمة «الشيوعية» مجردة آثر أن يقوم بعملية التفاف تتسم بالمرونة مع مقتضيات الجذور الدينية للشعب السوداني.
هذه الجذور ترفض كل المضامين اللا دينية للشيوعيين خاصة في القطاعات العمالية والمزارعين التي يجري الصراع عليها باعتبارها الدعامة الأساسية لأي حركة ترغب في إجراء أي تغييرات أساسية في السودان.
الوثوب من الريف على المدينة
من هذه النقطة ومن الرغبة الجارفة في الوثوب على المدينة بوساطة مرتكزات العمال والمزارعين بحث الشيوعيون عن صياغة مستحدثة تجمع في القاعدة هؤلاء الراغبين في المكاسب الاشتراكية الرافضين للشيوعية اسمًا ومضمونًا لصالح الاتجاه الشيوعي في النهاية.
ونوقشت المسألة على صفحات «جريدة الميدان» الشيوعية علانية.. في داخل السودان نفسه فقيل:
– لماذا لا نغير اسم الحزب الشيوعي؟
– ولماذا لا نطلق عليه اسم الحزب الاشتراكي السوداني «كمرحلة»؟
وقد كان بالفعل، وقفز أعضاء الحزب الشيوعي المنحل المنتمين للفلاحين والعمال لأمانة الحزب الجديدة.
وأبرز مثال ودليل على ذلك هو «الشفيع أحمد الشيخ» سكرتير اتحاد نقابات العمال «والأمين محمد الأمين» سكرتير اتحاد المزارعين اللذان انضما لأمانة هذا الحزب.
هل توقف الشيوعيون عند هذا الحد؟
– كلا.. لقد تقدموا خطوة أخرى فخططوا لإقامة حزب آخر للعمال والفلاحين ثم تمكنوا من تكوينه عام ١٩٦٨.
إذن فنحن أمام عناق آثم بين المخططات المسيحية في الجنوب ومخططات الشيوعية في الشمال والجنوب.
الدكتور يونان لبيب رزق يدشن الشيوعية المسيحية
إن هذا الارتباط الشيوعي المسيحي الاستعماري تدشنه نصيحة كتبها مؤخرًا الدكتور يونان لبيب رزق (مسيحي) مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية البنات بجامعة عين شمس بالقاهرة.
حيث يختم مقاله عن «الثورة والصراع الحزبي في السودان (٦٤-١٩٦٩)»، بنصيحة يقدمها لليسار.
فيقول في «مجلة السياسة الدولية المصرية» التي يترأسها بطرس بطرس غالي نجل رئيس الوزراء المصري السابق بطرس غالي باشا الخائن المعروف.
يقول: لثاني مرة.. يتمكن اليسار السوداني في خلال أقل من خمس سنوات من السيطرة على الحكم في البلاد بعد ثورة عسكرية منذ حكم مدني، وكان قد سيطر عليه قبل ذلك في أكتوبر ١٩٦٤ بعد ثورة مدنية ضد حكم عسكري.
«ولكن إذا كان اليساريون قد سمحوا بعد ثورة أكتوبر التي تحملوا فيها «العبء الأساسي».. «يُلاحظ أن مسيحية الدكتور أدت لتزييف حقيقة حجم الدور الذي لعبه الاتجاه الإسلامي آنذاك». بدخول العناصر اليمينية إلى الحكم.. التي ما لبثت أن قلبت الموائد على رءوسهم» ثم يستطرد فيقول:
«وأخيرًا، ففي تصورنا أنه حتى ينجح اليساريون القائمون على السلطة في الخرطوم الآن في تجنب مزالق الحكم العديدة في بلادهم فإن عليهم أن يعوا تمامًا أن السودان ليس سودان المدن التي انبثقوا منها، وإنما هناك أيضًا سودان الريف بقطاعاته العددية الضخمة وبتخلفه الفكري المؤسف».
«وأن السودان ليس سودان الشمال الذي خرجوا منه… وإنما هناك سودان الجنوب بمشاكله المعقدة».
ثم يؤكد الدكتور المسيحي الشيوعي النزعة تمزيق السودان فيقول: «فالحقيقة أنه في نطاق الحدود السودانية يعيش أكثر من سودان واحد»..
دور «حزب عوامي» الشيوعي الصيني.. في فصل باكستان الشرقية عن الغربية
ما خلف الإعصار المروّع في الباكستان
– وثمة صلة وثيقة بين ما يحدث من محاولات انفصالية في الجسم السوداني، نجد مقابلًا له في الباكستان.. حيث تتردد النغمة نفسها هناك بين «ما يُسمى باكستان الشرقية والغربية» فأثر الإعصار المروع الذي اجتاح «باکستان الشرقية» فقتل أرقامًا خيالية من إخواننا المسلمين هناك.
وبينما اقتصرت معظم الجرائد العربية والوكالات العالمية على إعطاء مساحات لهذه المأساة لا تتناسب مع حجم الكارثة وعمقها، أو مع الحجم الذي تهبه هذه الصحف لعرض ملكات جمال العالم أو لاتخاذ ممثلة ناشئة.
بينما يحدث هذا أخذ «حزب عوامي» الشيوعي يقوم بتأكيد المطالبة في هذه الظروف باستقلال باكستان الشرقية عن الغربية.
وفي أوائل هذا الشهر ألقى رئيس حزب عوامي خطابًا جماهيريًا، دعا فيه إلى تكريس كل الجهود لاستقلال باكستان الشرقية، تحت ستار توجيه الاتهامات العديدة إلى الحكومة المركزية في باكستان الغربية.
وربما كان من قبيل النقد الذاتي لأنفسنا أن نعترف أن ثمة أخطاء قد وقعت فيها الحكومة المركزية في سياستها الاقتصادية أو في تمثيل باكستان الشرقية في الحكم تمثيلًا عادلًا.
وقد دفعت هذه الأخطاء كثيرًا من الأحزاب والمنظمات المحلية إلى ترديد الاتهامات؛ إلا أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير بشأن موقف «حزب عوامي» الذي يطبق الاستراتيجية الروسية بشأن مزيد من التمزق للدولة الإسلامية تلك السياسة التي قد لا تختلف كثيرًا في أعماقها عن استراتيجية روسيا القيصرية تجاه الدولة العثمانية.
ولقد سارع الرئيس یحیی خان ردًا على هذه الاتهامات مؤخرًا، وبعد كارثة الإعصار إلى السفر إلى «دكا» لكي يشرف بنفسه على عمليات الإنقاذ والمعونة الكبرى التي تقوم بها الحكومة هناك.
سياسة «الجماعة الإسلامية» بين الواقع والمستقبل
الذي يتضح من واقع البيان الذي أصدرته الجماعة في باكستان أنها ترى أن هناك
– تخلفًا اقتصاديًا في باکستان الشرقية يبرز أوضاعًا غير متساوية بين باکستان الشرقية والغربية.
– أن رأسمال يهرب من باکستان الشرقية إلى الغربية.
– أن الوظائف المركزية بين الجناحين لم توزّع بحسب النسبة العددية بين السكان.
ماذا نفعل في مواجهة حزب عوامي الشيوعي؟
وبرغم من هذه الرؤية الواضحة فإن الجماعة الإسلامية تقف في نهاية الطرف المواجه لحزب عوامي الشيوعي فبينما يدعو الحزب الشيوعي لانفصال باکستان الشرقية عن الغربية تقرر «الجماعة»:
– «أن الحفاظ على وحدة باكستان وسلامة كيانها مسئوليتنا الأولى».
– وترى جميع الحركات والدعوات التي تثير العصبيات العنصرية، أو اللسانية، أو الإقليمية، أو الطبقية في الجماهير وتزرع بذور الشقاق والفرقة بينها محاولات هدامة ترمي إلى القضاء على كيان البلاد.
– «يكمن سر بقاء باکستان وسلامة جميع سكانها، وصيانة استقلالها وسيادتها في إيجاد شعور عام لضرورة الوحدة في إقامة نظام عادل يحقق العدالة بين جميع الناس بصورة تطمئنهم وتزيل ما بهم من أسباب القلق».
ولم تقف الجماعة عند حد رفع رايات الوحدة بصورة رومانسية حالمة، بل إنها ترى أن العوامل التي ألحقت ضررًا كبيرًا بشعور الوحدة يرجع معظمها إلى المعاملات غير العادلة التي عوملت بها الأقاليم المختلفة في هذه البلاد في عهود سالفة.
أما البرنامج العملي للوقوف في وجه التيار الشيوعي الانفصالي «وهو التيار الأساسي» كما تراه الجماعة فإنه يتلخص في أن التخلف في باكستان الشرقية يعالج بالتدابير الآتية:
١- العملة الصعبة التي تكسبها باكستان الشرقية تصرف في باكستان الشرقية نفسها وذلك بعد خصم المبالغ النسبية المستحقة في شئون الدفاع والخارجية والدفعات المركزية التي تشمل القروض الأجنبية القديمة والجديدة، وتُعطي الحكومة المركزية باکستان الشرقية الأولوية في تقسيم المعونات والقروض الأجنبية إلى أن تزول الحالة الاقتصادية الراهنة غير المتساوية فيها.
٢- تمنع وسائل تهريب رأس المال من باكستان الشرقية إلى الغربية، وتشكل لجنة مركزية تهيمن على شئون النقد والمبادلة الخارجية والشئون المصرفية المركزية والتجارة والمواصلات ويتساوى فيها الأعضاء من «الجناحين» وينتخبون بواسطة البرلمان.
٣- خلق اكتفاء ذاتي في شئون الدفاع لباكستان الشرقية.
٤- توزع وسائل البلاد على صورة تجعل الدخل الفردي في كلا الجناحين متساويًا.
٥- أن تُقام المشروعات الضرورية الآتية:
– مشروعات منع الفيضانات.
– إنشاء الخزانات على نهر جنجا ونهر نيشا بدون ما تأخير.
– تنفيذ مشروع إقامة الخزان والجسر على نهر برهم بترا.
– تنفيذ مشاريع تطوير وسائل الري في باكستان الشرقية لتتوفر للفلاحين تسهيلات في الزراعة مقابل نسب قليلة من التكاليف.
هذه بعض ملامح لسياسة الجماعة إزاء مسألة ربما يكشف المستقبل عن مدى الخطورة الكامنة فيها.
الرئيس يحيى خان يدلي بصوته ويهدد
وقد بدأت نتائج الانتخابات الباكستانية التي تتم تحت إشراف «الرئيس یحیی خان»، الذي خلف «الرئيس أيوب خان» في أعقاب اضطرابات خطيرة هزت باكستان، وذهب الرئيس يحيى خان ليدلي بصوته في الانتخابات العامة، ولكنه هدد في نفس الوقت بأنه سيلغي الجمعية التشريعية ويستمر في الحكم العسكري إذا لم تقر الجمعية دستورًا يضمن وحدة باكستان الشرقية والغربية.
وأسفرت النتائج الأولية للانتخابات عن فوز حزب الشعب اليساري برئاسة ذي الفقار علي بوتو وزير الخارجية الأسبق بخمسين مقعدًا من واقع ۱۲۲ دائرة ظهرت نتائجها «حتى الأربعاء الماضي» ويفوز حزب عوامي الشيوعي بـ«٥٨» مقعدًا في باكستان الشرقية.
القوى الخارجية ومستقبل وحدة باكستان
ولا شك أن القوى الخارجية يسرها إقصاء الجماعة الإسلامية الرامية لتأكيد وحدة باكستان عن الفوز بمقاعد الجمعية التشريعية.
يسر هذا الصين التي يمثل سياستها داخل باكستان حزب عوامي الشيوعي، ويملأ قلب الهند بالغبطة التي يسعدها أن تنشق جارتها الإسلامية إلى قسمين متصارعين.
كما أنه يسعد الاستراتيجية الروسية الرامية إلى تمزيق العالم الإسلامي والاستفادة من تناقضاته.
الهند والتهام كشمير
إن الناظر إلى أحوال «الهند» تلك الجارة القريبة ليحس بالدهشة حين يرى بالنظرة المقارنة مدى الاستقرار النسبي الذي تتمتع به تلك الجارة بينما تتطور أجهزتها الديموقراطية والتشريعية، وتؤسّس صناعاتها المدنية والعسكرية خاصةً في مجال الطيران.
وبينما تتخذ طريقها قدمًا إلى التهام أجزاء إسلامية عزيزة إلى قلوب المسلمين مثل مقاطعة كشمير بعراقتها الإسلامية وغناها.
ولا نملك إزاء هذا كله إلا الإحساس «بالتآمر الدولي» الساعي لخلق المزيد من الاضطرابات والقلق لدولة تعتبر من كبريات الدول الإسلامية.
أعاصير السياسة أَقْتَل
ولا أظن إلا أن المستقبل يفرض على أي حكومة وطنية مخلصة في باكستان أو في أي دولة إسلامية أخرى تقترب من نهاية قرن ملؤه الذكاء والتقنية المتقدمة والتآمر المتشابك على أرض شعوبنا الإسلامية وثرواتها.
لا أظن أن هناك مفرًا أمام هذه الحكومات من الالتجاء إلى عقيدة الإسلام ومنظماته تبغي بهما الدفاع في مواجهة أعاصير سياسية وعسكرية هي أَقْتَل في نتائجها من أي أعاصير مروعة تقذف بها أمواج المحيطات على شواطئ الأرض الإسلامية على اتساعها.
هذا وسيظل السؤال الأخير: هل تتمتع الاتجاهات الإسلامية في السبعينيات من هذا القرن بالذكاء الكافي للصراع في الغابة الدولية؟
وما الواجب الذي نفعله إذا كانت الإجابة هي «نعم»؟ وما الذي نستطيعه إذا كانت الإجابة «لا»؟