في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بحقوق المرأة وتستمر الحركات الاجتماعية فيما تسميه النضال من أجل المساواة، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم سباقاً في تعزيز حقوق المرأة وتقدير مكانتها.
فقد أرسى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مبادئ راسخة تكفل لها حقوقاً لم تكن معروفة في المجتمعات المعاصرة له، ففي زمن كانت فيه حقوق المرأة مهضومة، جاءت تعاليم الإسلام لتضعها في مكانة تليق بها، وتدعو إلى احترامها وتقدير دورها الفاعل في المجتمع؛ ما يجعلها نموذجاً ملهماً للعصور كافة.
وفي هذا السياق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلِقَت من ضِلَع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» (رواه البخاري ومسلم)، ويجسد هذا الحديث الرحمة والرفق اللذين دعا إليهما الإسلام في التعامل مع المرأة، ويظهر المكانة الرفيعة التي منحها لها.
وفي الوقت الذي يرفع فيه البعض اليوم شعارات متنوعة حول المساواة وتكريم المرأة، يكشف الواقع أن العديد من هذه الادعاءات تفتقر إلى التطبيق الجاد، وعلى النقيض من ذلك، قدمت الرسالة الإسلامية نموذجاً عملياً ومتكاملاً لاحترام المرأة وتعزيز مكانتها، وذلك من خلال تعاليم نبوية واضحة نصت على حقوق المرأة وكرامتها في شتى المجالات، شملت حقوقها الزوجية، بالإضافة إلى حقوقها الاجتماعية والاقتصادية؛ مما يؤكد المكانة الرفيعة التي منحها الإسلام للمرأة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا.
وقد سبق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جميع الادعاءات المعاصرة في تكريمه للمرأة، إذ جسدت تعاليمه السامية مبادئ العدالة والمساواة بأسمى صورها، ومن خلال تأمل هذه المبادئ، نكتشف كيف كانت رؤية الإسلام للمرأة سابقة لعصرها، ولا تزال تشكل نموذجًا رائدًا في تعزيز حقوق المرأة واحترامها.
دور نبينا في إرساء حقوق المرأة
تثار التساؤلات حول مكانة المرأة في الإسلام مقارنة بما كانت عليه الحال في المجتمعات المعاصرة للإسلام، فقد جاء هذا الدين ليعيد للمرأة كرامتها وحقوقها التي كانت مسلوبة قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أحدث ديننا ثورة حقوقية بتمكين المرأة ومنحها مكانة محترمة في كل جوانب الحياة.
ومقارنة مكانة المرأة في الإسلام بالمجتمعات المعاصرة، تُظهر بوضوح مدى تقدم الإسلام في مجال حقوق المرأة، وكيف وضع أسسًا متينة لحمايتها وضمان حقوقها، وكيف كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم سباقاً في دعوته إلى تكريم المرأة وحفظ حقوقها، ووضع لها أسسًا ثابتة لا تتغير عبر العصور، ومنها:
– عزز ديننا من قيم العدالة والمساواة وبين الرجل والمرأة، حيث أكد أن المرأة شريكة للرجل في الإنسانية ولها حقوق وواجبات متساوية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال» (رواه أحمد والترمذي)، ويظهر الحديث أن المرأة مخلوقة من نفس جوهر الرجل، وتشترك معه في الإنسانية.
– كفل الإسلام لها مكانة خاصة كشريكة في إدارة شؤون البيت وتربية الأبناء، وشدد على حسن معاملتها واحترامها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي).
– أتاح الإسلام للمرأة الفرصة للتعلم والعمل، وجعل طلب العلم واجبًا عليها كالرجل، مع وضع ضوابط تحفظ كرامتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» (رواه ابن ماجه)؛ مما يؤكد أن التعليم حق واجب على المرأة تمامًا كما هو واجب على الرجل.
– حدد الإسلام نصيب المرأة في الميراث، مانحًا إياها استقلالية مالية لم تكن موجودة في المجتمعات السابقة، حيث كان ذلك جزءًا من حقوقها التي تكفل لها حرية التصرف، قال تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) (النساء: 11).
الشعارات الحديثة والحركات النسوية
عند مقارنة الشعارات الحديثة بشأن حقوق المرأة بتطبيق الإسلام لهذه الحقوق، يتبين أن الإسلام كان رائدًا في تأكيد حقوق المرأة وكرامتها منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، فبعض هذه الشعارات الحديثة قد تتجاوز حدود الشريعة وتتعارض مع الفطرة السليمة.
وتشترك الشعارات الحديثة في حقوق المرأة مع تعاليم الإسلام في عدة جوانب، منها التأكيد على أهمية تكريم المرأة واحترام حقوقها، ويسعى كلاهما إلى تعزيز كرامة المرأة وحقوقها الأساسية، حيث يشجع الإسلام، كما تفعل الحركات النسوية الحديثة، على تمكين المرأة من خلال التعليم والعمل؛ مما يساهم في تحقيق استقلالها الاقتصادي والاجتماعي، كما يسعى كل من الإسلام والشعارات الحديثة إلى القضاء على التمييز ضد المرأة بكل أشكاله؛ مما يعكس التزامًا مشتركًا بالمساواة والعدالة.
ومع ذلك، هناك بعض أوجه الاختلاف بين المبادئ الإسلامية والشعارات الحديثة، فبينما يؤكد الإسلام المساواة في الإنسانية والكرامة، فإنه يعترف بفروق طبيعية بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق والواجبات بناءً على الفطرة.
في المقابل، تدعو بعض الشعارات الحديثة إلى المساواة التامة؛ مما قد يتجاوز بعض الفروق الطبيعية المقررة في الشريعة، كما أن الإسلام يتيح للمرأة حرية الاختيار ضمن إطار الشرع، بينما تدعو الشعارات الحديثة إلى حرية مطلقة قد تؤثر على المرأة والمجتمع بطرق تتعارض مع القيم الإسلامية.
وأخيرًا، يهدف الإسلام إلى تمكين المرأة لكن ضمن إطار يحافظ على كرامتها وعفتها، بينما تسعى بعض الشعارات الحديثة إلى تمكين غير محدد قد يتعارض مع مبادئ الاستقرار الأسري والمجتمعي.
مما سبق، يظهر بوضوح أن الإسلام، من خلال تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كان سباقًا في تعزيز حقوق المرأة وتكريمها بشكل يسبق الحركات الاجتماعية الحديثة في هذا المجال؛ فقد وضع أسسًا راسخة للمساواة والعدالة، مانحًا المرأة حقوقًا لم تكن متاحة في زمنه أو حتى في بعض المجتمعات المعاصرة.
ولكن على الرغم من تقدم الإسلام في تأكيد كرامة المرأة، فإن التحديات ما زالت قائمة في تطبيق هذه المبادئ بشكل فعلي في العديد من مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، لذا، يتعين علينا استلهام الدروس من التعاليم الإسلامية والعمل على تحقيق تطبيق فعلي لمبادئ المساواة والعدالة، بما يعزز من مكانة المرأة ويضمن حقوقها بشكل كامل.