تعج الساحة السياسية الصهيونية بالانقسامات والتناحرات الحادة نتيجة لاستمرار الحرب على غزة، في ظل تواصل سقوط الضباط والجنود الصهاينة في القطاع ما بين قتيل وجريح، وتكبد الكيان خسائر اقتصادية فادحة، مسجلاً فشلاً كبيرًا في تحقيق أي من أهداف تلك الحرب، سواء بالقضاء على «حماس» أو باستعادة المحتجزين الصهاينة لدى الحركة.
ويأتي توالي تقديم بعض قادة الأفرع والأسلحة بالجيش الصهيوني لاستقالتهم ليعكس مدى تعاظم الخلافات داخل المؤسسة العسكرية والصراع على التعيينات في مناصب قيادية، وما يتعلق بها من الإخفاق في منع عملية «طوفان الأقصى» وتحقيق أهداف الحرب على غزة، ما جاء على ألسنة الضباط والقادة المستقلين أنفسهم.
ومع تولي يحيى السنوار قيادة المكتب السياسي لحركة «حماس»، في السادس من أغسطس الماضي، على إثر اغتيال إسماعيل هنية سلفه، في العاصمة الإيرانية، طهران، فإن هذه الخطوة تعني الكثير لحركات المقاومة الفلسطينية، ولتكريس مفهومها وغرسه بين صفوفها ولدى الأجيال القادمة، أيضًا، خاصة وأن الحرب ما تزال مستعرة مع الكيان الصهيوني.
بدوره، أكد الجنرال يسرائيل زيف، الرئيس السابق لشعبة العمليات بالجيش الصهيوني، في مقال له بـ«القناة 12» العبرية، أن بلاده عالقة في غزة وتنزف، واستمرار الحرب في القطاع دون استبدال نظام حركة «حماس» لا يؤدي إلى أي نتائج حقيقية ويكلف الكيان حياة جنوده وضباطه.
استقالة جنرالات مؤثرة
وقبيل مقال الجنرال يسرائيل زيف بيومين فقط، حدد الجنرال هرتسي هاليفي، رئيس هيئة الأركان الصهيوني، نهاية شهر ديسمبر المقبل موعداً محتملاً لتقديم استقالته من منصبه، وهو ما أشارت إليه «القناة 12» العبرية، من انتظاره الانتهاء من تحقيقات إخفاق عملية «طوفان الأقصى»، معتبرًا أن نهاية العام الجاري هو الوقت المناسب لإعلان استقالته من منصبه العسكري.
واعتبرت «القناة 14» العبرية تقدم هاليفي لاستقالته بمثابة «الهروب» من المسؤولية، رغم تأكيد القناة أنه مع نهاية ديسمبر المقبل يكون جيش الاحتلال قد أنهى استعداده لحرب شاملة في لبنان، وإشارتها إلى أن تحديد الجنرال هاليفي لموعد استقالته من منصبه، تزامن مع إعلان الجنرال يوسي شاريئيل، قائد وحدة «8200»، استقالته على خلفية إخفاق 7 أكتوبر، لتزيد الأمور تعقيداً داخل المؤسسة العسكرية الصهيونية.
قائد وحدة «8200» الاستخباراتية: لم أرق إلى مستوى المهمة في 7 أكتوبر:
«لم أرق إلى مستوى المهمة رغم التوقعات، في 7 أكتوبر لم أنجز المهمة كما توقعت مني، وكما تنص أوامري، وكما توقع مني مواطنو البلد الذي أحبه كثيراً»، بهذه الكلمات، أرسل الجنرال يوسي شاريئيل، قائد وحدة «8200» التابعة للاستخبارات الصهيونية، خطابًا لرئيس الأركان، يقدم فيه استقالته من منصبه، وذلك في 12 سبتمبر 2024م، لينضم إلى سلسلة طويلة من الاستقالات داخل الجيش الصهيوني، وإن كانت أخريات هذه الاستقالات، حتى الآن.
وأعلن يوسي شاريئيل مسؤوليته عما جرى في السابع من أكتوبر، رغم أهمية وحدته العسكرية، خاصة وأنها تمثل الحلقة الرئيسة لمنظومة الأمن الخارجي للكيان، ولسيطرتها على مراكز وقواعد عسكرية شمال وجنوب البلاد، فضلاً عن كونها الوحدة المسؤولة عن فك رموز وتحليل المعلومات التي يحصل عليها جهاز الاستخبارات.
ما يعني أن تلك الاستقالة تعد دليلاً قاطعاً على استمرار الفشل الاستخباراتي الصهيوني، حتى اللحظة، رغم مرور ما يقرب من العام على عملية «طوفان الأقصى»، وللتأكيد على قوة استمرارية السنوار في منصبه السياسي والعسكري.
صراع وخلاف داخلي
وشاريئيل هو المسؤول الثاني بعد تقديم رئيس شعبة الاستخبارات، الجنرال أهارون هاليفا، المسؤول الأول عن الاستخبارات العسكرية (أمان)، استقالته في 22 أبريل 2024م، لتعكس حجم الفشل الاستخباراتي في منع هجوم السابع من أكتوبر 2023م، إذ أوضحت صحيفة «معاريف» أنه رغم تأخير الاستقالة، فإن جهاز «أمان» بحاجة حقيقية لإعادة تأهيل وتأسيس شاملة، معتبرة إياها كـ«كرة الثلج» التي تتدحرج داخل جيش الاحتلال، وبداية لموجة استقالات متوقعة لكبار قادة الأجهزة الأمنية الصهيونية.
تلك الموجة، اعتبرها عاموس هرئيل، المحلل السياسي لـ«هاآرتس» العبرية، بداية حقيقية للتعريف بمدى الصراعات والخصومات الداخلية بين كبار الضباط والجنرالات بالجيش الصهيوني؛ ما يعكس الإخفاق في جهوزية الجيش لحرب متعددة الجبهات ليضع مستقبل الكيان على المحك.
«صرخة محارب» في خطاب علني
صحيفة «يسرائيل هايوم» نقلت عن الجنرال دان غولدفوس، قائد «الفرقة 98» الصهيونية، في 13 مارس الماضي، ظهر في خطاب علني، ليطالب نتنياهو وحكومته بأن يكونوا جديرين بالتضحيات التي يظهرها جنود الاحتلال، وكأنها صرخة محارب وبداية للتمرد العسكري داخل الجيش، في الوقت نفسه.
وعلى النقيض من ذلك، نشرت صحيفة «هاآرتس» العبرية تفسيرًا لانتحار 10 ضباط وجنود في الجيش الصهيوني منذ «طوفان الأقصى»، موضحة أن ما رآه المنتحرون في مواقع القتال دمر أرواحهم؛ فيما نقلت عن خبراء نفسيين أنه كقاعدة عامة، معظم الجنود الذين ينتحرون صغار جدًا، في التدريب الأساسي أو في السنة الأولى من الخدمة.
دعوة جندي إلى الثورة والتمرد على قادة الجيش
جاءت دعوة جندي صهيوني إلى الثورة والتمرد على وزير الدفاع الصهيوني ورئيس هيئة الأركان، واستخدام السلاح ضد أي قرار له علاقة باليوم التالي للحرب في غزة، ما لم يكن هذا القرار صادرًا عن نتنياهو؛ ليفتح الجيش تحقيقاً عاجلاً في الواقعة، في 25 مايو 2024م، خاصة أن الجندي نشر شريط فيديو وهو «ملثم»، ليزيح الستار عن حالة من الخوف والارتباك سادا الداخل «الإسرائيلي»؛ سياسيًا وعسكريًا، وهو ما أكدته «القناة الـ12» العبرية.
والثابت أن الكيان الصهيوني حاول، دومًا، إبعاد الجيش عن أي خلافات سياسية داخلية، مع التأكيد على أن رئيس هيئة الأركان هو القائد العام والحقيقي لجيش الاحتلال، والأخذ في الاعتبار أن منصب وزير الدفاع في «تل أبيب» منصب سياسي يمكن أن يتولاه أي سياسي.
جنرال صهيوني يؤكد فشله في مهمته العسكرية
في 9 يونيو 2024م، أكد الجنرال آفي روزنفيلد، قائد فرقة غزة بالجيش الصهيوني، فشله في مهمته كقائد عسكري، مقدمًا استقالته من منصبه، حيث أشار إلى إخفاقه في حماية مستوطنات غلاف غزة من هجوم عناصر «كتائب القسام» في 7 أكتوبر؛ وتحت عنوان «فشلت في مهمة حياتي» أعلن روزنفيلد استقالته في رسالة رسمية وجهها إلى رئيس الأركان الصهيوني، موضحًا أن جميع قادة الجيش يتحملون مسؤولية الفشل في التصدي لهجوم «طوفان الأقصى»، مؤكدًا مشاركته في التحقيقات الخاصة بهذا الهجوم لاستخلاص العبر.
«القناة 12» العبرية، في تعليقها (10 يونيو) على استقالة الجنرال روزنفيلد، لامته على مسؤوليته المباشرة عن عدم استعداد فرقة غزة للعملية الهجومية لـ«حماس»، مشيرة إلى فقدان الفرقة ذاتها لـ«عينيها» صبيحة السابع من أكتوبر، حتى إن عناصر فرقته استغرقت 4 أيام كاملة لتجميع صورة لما حدث في مستوطنات غلاف غزة.
الغريب أن يوم إعلان الجنرال روزنفيلد استقالته من منصبه العسكري، قد تزامن مع تقديم كل من بيني غانتس، وغادي آيزنكوت، استقالتهما من منصبهما كعضوي المجلس الوزاري المصغر لإدارة الحرب على غزة (كابينيت غزة)، ليخرج بعدها نتنياهو ويدعو ثلاثتهم إلى أن ما يجري في القطاع يستدعي الوحدة وليس الانقسام والاستقالة.
زلزال في رئاسة الأركان
في 3 سبتمبر 2024م، نشرت صحيفة «يسرائيل هايوم» أن قائد القوات البرية بجيش الاحتلال، الجنرال تامير يادعي، قد أعلن استقالته من منصبه لأسباب شخصية، ليصفه الموقع الإلكتروني «واللا» بـ«زلزال في رئاسة الأركان الإسرائيلية»، خاصة وأن يادعي كان أحد القيادات العسكرية التي طالبت باجتياح بري لقطاع غزة؛ ما يعني أنه يتحمل مسؤولية الخسائر الفادحة للقتلى بين صفوف الجيش الصهيوني.
لم يكتف أمير بوحبوط، المعلق العسكري للموقع، بذلك، بل أوضح أن استقالة الجنرال يادعي قد جاءت بسبب الخلافات الخفية الداخلية بهيئة الأركان العامة حول الترقيات والتعيينات في قيادة الجيش الصهيوني.
ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة
تستمر الأقلام الصهيونية في التأكيد على خسارة جيش بلاده في غزة ووقوعه في مستنقع ووحل واستنزاف حركات المقاومة و«حزب الله» للكيان الصهيوني، فيما يعني تولي السنوار قيادة «حماس» الكثير لفصائل وحركات المقاومة ما بين الاستمرار في نهج المقاومة وعدم ترك السلاح، والتعريف بأن السلاح هو الحل الوحيد للقضية الفلسطينية؛ لأن ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
تعلم السنوار خلال فترة تواجده في السجون الصهيونية أن الكيان لا يعرف معنى السلام، ولكنه يدرك مفهوم القوة وما يمثله للأجيال المقبلة، فكثير من الكُتَّاب الصهاينة يؤمنون بأن قيادة السنوار لـ«حماس» تؤكد النهج الحقيقي لحركات المقاومة والتشديد على أهمية عودة الأراضي المحتلة لأصحابها، وهو ما تعلَّمه السنوار من ضباطه وحراسه في السجون الصهيونية؛ فيما تستمر دولة الاحتلال في النزيف داخل غزة.