للشباب عبر التاريخ الدور الأكبر في مواجهة أخطار أمتنا وتحقيق انتصاراتها التاريخية
الصراع مع العدو حضاري بين منظومتين متباينتين ما يستدعي تطوير مشروعنا الإسلامي
طريق إنهاض الأمة الإسلامية يحتاج إلى الأيدي القوية والبصائر النافذة فيخلصوا لله الجهود
الشباب في كل أمة عماد نهضتها، وسر قوتها، وعزم مسيرتها، وهم المنظور إليهم حين يشتد البأس، كما أنهم معقد الرجاء، وهم في كل حال يحملون على عواتقهم أعباء استيعاب دروس الماضي، ومكافأة تحديات الحاضر، وصناعة المستقبل، وذلك شأنهم في الأمم الماجدة القائدة، وفي الأمم المتخلفة الناهضة من ركام ماض عصيب، على أنهم في حال التخلف التاريخي، والتماس مسارات المستقبل؛ أعظم حملاً.
وكان للشباب عبر التاريخ الدور الأكبر في مواجهة أخطار أمتنا، وتحقيق انتصاراتها التاريخية، يوم كانت جديرة بخوض الغمار، وتحقيق النصر، فقد كانوا كثرة الجيش المجاهد يوم «بدر»، وكانوا أصحاب المبادرة بالخروج للقاء جيش الشرك يوم «أُحد»، وفي غزوات الفتح الإسلامي في المشارق والمغارب؛ فقاد محمد بن القاسم فتح السند، وقاد قتيبة بن مسلم فتح تركستان، وكان محمود الغزنوي في الثلاثين من عمره لما بدأ مسيرة فتح الهند.
وكان صلاح الدين الأيوبي في الثانية والثلاثين لما حكم مصر، وبدأ يعد العدة لاستكمال مشروع التحرر من الصليبيين، وكان قطز، وبيبرس، في سن الشباب يوم انتصرا في «عين جالوت»، وقضيا على الخطر المغولي الذي هدد العالم بالدمار، ولم يكن محمد الفاتح قد بلغ العشرين من عمره لما تولى عرش الدولة العثمانية، وبعدها بعامين فتح القسطنطينية التي استعصت على من سبقه قروناً من الزمان.
ولا تزال شعوب أمتنا المنكوبة تعقد على شبابها الآمال أن يخرجوها من محنة طالت، وعار استفحل، وإن الناظر إلى واقعنا يؤمِّل تلك الآمال أن تتحقق، فها هم شباب فلسطين يعطوننا الأمل في أن يكون النصر ممكناً، وأن يكون قريباً بإذن الله.
شروط النصر
وإن استقراء التاريخ والواقع يوجب شروطاً لتحقيق تلك الآمال:
أولاً: أن يتركز في عقول جيل النصر وأفئدتهم تلك الحقيقة التي طالما اجتهد أعداؤنا في تغييبها؛ ألا وهي أن صلب معركتنا العقيدة، وأن مدار النصر وعينا بتلك الحقيقة، وسعينا إلى استجلاب ما يكافئها من مدارك عقلية، وتربية روحية، ووعي حركي، واستعداد عملي.
إننا نجد قادة الصهيونية وكيانهم يؤكدون حقيقة مرتكزاتهم التوراتية المحرفة، ومنطلقاتهم التلمودية الزائفة، يعلنونها من غير خفاء، ودون مواربة، ونجد قادة الغرب يؤكدونها في خبث والتواء حيناً، وفي صراحة وجلاء حيناً آخر، ونجد سلوك هؤلاء وأولئك يترجِم في وضوح عن تلك المعتقدات.
ولا سبيل لفهم دوافع تلك الجرائم الهائلة والإبادة الجماعية التي يرتكبونها في غزة والضفة، وفي لبنان، بل على امتداد تاريخهم، إلا بفهم تلك الأساطير الدينية المؤسسة لدولة «إسرائيل»، التي حذر منها المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي، وتلك النصوص الدينية المحرفة التي تحض على قتل النساء والأطفال، وتوضع موضع الفعل على يد وزارتهم الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، التي تضم وزراء يتفاخرون بأفكارهم الدموية.
مثل عميحاي بن إلياهو، وزير التراث، الذي دعا إلى إفناء أهل غزة بالقنبلة النووية، ومثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أحد أتباع حاخامهم الشهير مائير كاهانا، مؤسس حركة كاخ المتطرفة، الذي يمجد منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي باروخ غولدشتاين، ويصفه بـ«البطل»، ويعلق صورته على جدار بيته، ووزير ماليتهم سموتريتش، الذي ينكر وجود شعب فلسطيني من الأساس، زاعماً أنه بدعة تمّ اختراعها قبل مائة عام لمحاربة المشروع الصهيوني في أرض «إسرائيل»! ويعلن في صلف وجوب توسيع كيانهم ليشمل أرض «إسرائيل الكبرى» كما وعدت بها التوراة بزعمه.
ولم تكن العقيدة الدينية بعيدة عن رؤساء أمريكا، ولم يكونوا بعيدين في معتقداتهم الدينية عن الفكر الصهيوني منذ سيطرت عليهم الصهيونية الإنجيلية التي ترى حتمية وجود «إسرائيل» ودعمها حتى ينزل السيد المسيح!
إن صناعة النصر المنشود توجب على رواده إدراك حقيقة العدو ومنطلقاته وخططه وأطماعه، وذلك لن يحدث إلا بفهم الدافع الديني عنده، وإعداد ما يدافعه؛ (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيراً) (النساء: 45).
تطوير المشروع الإسلامي
ثانياً: إدراك أن الصراع مع العدو صراع حضاري بين منظومتين متباينتين؛ ما يستدعي تطوير مشروعنا الإسلامي، بجوانبه السياسية والاقتصادية والفكرية، وامتلاك الأسس العلمية والتقنية المكافئة لما يمتلكه العدو من سبق علمي وتقني لا بد من الاعتراف به، وإيجاد وسائل مجاوزته، وتوظيفه لما ينفع الناس، وينقذ العالم من مستقبل بئيس، إذ تتحكم في مقدراته منظومة عدوانية تملك زمام دماره بما لديها من قدرات نووية، باتت تهدد العالم بالفعل، وبما تمارسه من عداء للآخر المختلف معها، واستعداد لإفنائه كي يستمر تفوقها واستعلاؤها.
ويتصل بذلك ضرورة تلاحم الأجيال في مسيرة التغيير؛ شباباً وشيوخاً، وأن تنتهي تلك السخيمة الثائرة بالقطيعة بين الأجيال، وتثوير الشباب ليستخف بالأولين من حملة الدعوة ورواد الطريق، ليتحقق مراد العدو في أن تنشأ أجيال منفصلة عن تاريخها بما يحمله من دروس وخبرات.
لقد حفل تاريخنا بقدوات من الشيوخ المجاهدين قادوا الأمة في مواطن الشرف والفخر، ولم ينزع الشيطان ذلك النزع في التشغيب على مكانتهم وعمق أدوارهم، بدءاً من الشيخين أبي بكر، وعمر، ومروراً بموسى بن نصير، وكان قد شارف الثمانين لما استكمل فتح أفريقية وسار إلى الأندلس، ويوسف بن تاشفين وكان قد قارب الثمانين أيضاً يوم انتصر في «الزلاقة» فأنقذ الله به الأندلس عام 479هـ، وما زال يواصل الجهاد المحمود حتى قارب المائة حين وفاته، ووصولاً إلى أحمد ياسين.. وغيرهم.
ثالثاً: إن الدور الرسالي لخير أمة أخرجت للناس أمر عظيم لا يخص طائفة ولا فريقاً، ولا تنهض به وحدها نخبة قائدة دون الجماهير والقواعد الشعبية الحاضنة، ولا تطيقه جماعات من الشباب دون شيوخ وأساتذة عركتهم الحياة، وصقلتهم الخبرات، وحركتهم طموحات توريث ذلك للأجيال الشابة الواعدة، في روح جليلة تستبطن الوحي الإلهي المبارك والمنهج النبوي القويم، والسنن الإلهية والكونية الماضية.
رابعاً: إن طريق إنهاض الأمة يحتاج الأيدي القوية والبصائر النافذة للذين يؤرقهم ذكر الآخرة فيخلصوا لله الجهود؛ (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ {45} إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) (ص)، وهو طريق دونه مكر الليل والنهار، وقوى الاستكبار والظلم، لكنه الطريق الذي لا طريق غيره للنجاة في الدنيا من مصارع السوء على أيدي خصوم قد رأينا أحقادهم رأي العين، وللنجاة في الآخرة من حساب الله الذي استودعنا دينه وميراث نبيه؛ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ {13} ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس).