يتفاوت الاهتمام بمادة «الدين» أو التربية الإسلامية، في نظم التعليم العربية، لكن في ظل هجمة تغريبية علمانية شرسة، باتت المادة القيمة لا تحظى بالقدر ذاته من الاهتمام الذي تناله مواد العلوم والرياضيات واللغات الأجنبية الأخرى.
في بعض الدول العربية والإسلامية، يجري التعامل مع مادة التربية الإسلامية، باعتبارها مادة غير مضافة للمجموع الكلي للطالب في نهاية العام، مع تخصيص قدر قليل من الحصص لتدريسها، ووضعها في نهاية جدول اليوم الدراسي، وكأنها مادة ثانوية أو هامشية لا جدوى من ورائها، رغم كونها الحجر الأساس في تهذيب الطالب، وتنشئته بطريقة صحيحة.
بينما قامت دول أخرى تحت شعار ما يسمى بالتطوير، باستبدال القيم بمادة الدين، لتصبح مادة معبرة عن الأديان السماوية، أو تقليص محتوى الدراسات الإسلامية كماً وكيفاً، واعتبارها مادة واحدة في كتاب واحد، وبالتالي دمج 6 مواد؛ هي: القرآن، والتجويد، والتوحيد، والفقه الحديث، والتفسير في مادة واحدة، يتم تدريسها من قبل معلم واحد.
في المقابل، تبدي دول أخرى اهتماماً بمادة الدين والأخلاق، تركيا، على سبيل المثال، قامت بزيادة عدد حصص التربية الدينية في جميع مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، بإجمالي 16 ساعة شهرياً.
الحديث هنا لا يدور حول الكم، أو عدد الحصص، أو كون الدين مادة تضاف للمجموع أو لا، أو مادة نجاح ورسوب، بل هو حديث من القلب حول أهمية حصة الإسلام، وضرورة توقير هذا الدين في نفوس أبنائنا منذ الصغر، وغرس تعاليمه وأخلاقه قولاً وفعلاً، بل تحويل حصة الدين إلى منتدى قيمي وفكري، وواحة لكل ما هو طيب وثمين.
بإمكان المنظومة التعليمية، إذا صدقت النوايا، وحسن شأن القائمين عليها، تحويل حصة الدين إلى محضن تربوي، ومختبر عملي، للتدريب والتوعية، وتعلم فرائض الإسلام، ومعرفة حدوده وأحكامه، وكيفية التعاطي مع مختلف القضايا وفق مبادئ وقواعد هذا الدين، الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور.
بين أيدينا تجربة حية، لمدرسة خاصة في صعيد مصر، جنوبي البلاد، قامت على إلقاء حصة الدين داخل مسجد صغير في المدرسة، يقوم المعلم خلالها بتعليم التلاميذ كيفية الوضوء والصلاة الصحيحة وقراءة وحفظ القرآن الكريم، مع تخصيص وقت لصلاة الظهر، وتناول الأطعمة خلال الفسحة المدرسية، مع تعلم آداب وسنن الطعام في الإسلام.
وهناك تجارب ناجحة، تقوم على تدريب التلاميذ على شعيرة الحج، من خلال محاكاة فعلية، ورسم مجسم للكعبة الشريفة، مع تعليمهم أركان الحج من الطواف والسعي وغيره، والمقصد منها، مع بيان شروط وثواب أداء الركن الخامس من الإسلام لمن استطاع إليه سبيلاً، وهو ما يغرس في نفس التلميذ الشوق إلى بيت الله، ويربط قلبه وعقله بالحرمين الشريفين، فتتوجه نفسه وجوارحه إلى الله.
وفي السعودية، قام معلم، قبل سنوات، باصطحاب طلابه إلى زيارة لمغسلة الموتى، مقدماً درساً عملياً حول كيفية غسل الميت وتكفينه، مع تعلم أداء صلاة الجنازة، والسنن النبوية الواردة في هذا الشأن، بشكل مبسط وسلس، يربط بين مادة التربية الإسلامية والواقع، ويفقه الطالب في أمور دينه.
كذلك قام آخر، باصطحاب طلابه إلى المشفى؛ لتفقد مرضى الإدمان، ومعرفة خطورة وتداعيات ذلك الخطر الشائع بين الشباب، وحكم الشرع في تناول المواد المخدرة والمسكرة، ومعلم ثالث اصطحب تلامذته إلى مصلى العيد، بعد تنسيق مع الجهات المعنية، وتلقين وتدريب أحاط من خلاله تلاميذه بسنن وآداب العيد، وما يستحب للمسلم في هذا اليوم، وفضل إدخال الفرحة على الصغار والأيتام وغيرهم، ليكون ذلك درساً عملياً لهم، وواقعاً يرون من خلاله عظمة هذا الدين، ووحدة المسلمين في شعائرهم وصلاتهم وعيدهم.
على المنوال ذاته، يمكن تحويل حصة الدين إلى واقع عملي، ومحضن تربوي وفقهي وقيمي، ينقل الطالب من بين طيات وسطور الكتب، ومحتوى المنهج الدراسي، إلى العمل والتطبيق، والاقتداء بسُنة رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال تجارب واقعية، ومواقف حياتية، واختبارات فقهية، يتعلم خلالها، كيف يكون سلوكه، وفعله، وقوله.
مادة الدين ليست أقل شأناً من العلوم التي تُبنى من أجلها المختبرات، وتجرى لدراستها التجارب، بل هي أعظم شأناً وقدراً؛ لأنها كفيلة بتخريج عقل واع، وقلب سليم، وهي نبتة من الضروري غرسها في نفوس الأبناء منذ الصغر، فتتعلق قلوبهم بالله، يراقبونه سبحانه وتعالى في جميع شؤونهم، ولسان حالهم، يوافق المنهج النبوي: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (رواه مسلم).
لن أتحدث عن دور الدين في ترسيخ الهوية، وإعلاء القيم والأخلاق، فهي أشبه بالمعلوم من الدين بالضرورة، بل سأتحدث عن مكاسب المجتمع مادياً واقتصادياً، من الاهتمام بمادة الدين، وجعلها على رأس المواد الدراسية وأعلاها درجة وشأناً، ومادة نجاح ورسوب، ومعيار ترقٍّ كذلك، فقط يكفي المجتمعات ما ستوفره من تحصين للنشء ضد الفساد والرشوة والغش والاحتكار وإهدار المال العام، وضد العنف والتطرف، والعري والفواحش، فيا ترى، كما ستوفر موازنات الدول والاقتصادات من فوائض مالية حال القضاء على تلك الجرائم؟!
كم ستجني بلادنا من ثروات وخيرات، حال الارتقاء بالمكون الديني في نفوس الشعوب، فيرتفع المنسوب القيمي والأخلاقي، وتتعزز قيم العمل والإخلاص والتفاني والأمانة والصدق، واحترام الشرع والقانون، وإعلاء كلمة الحق والضمير، ونصرة الضعيف والمظلوم؟!
وكم سنربح اقتصادياً ومجتمعياً وسياسياً، حال وقف تمدد الأمراض الاجتماعية كالإدمان والاغتصاب والتحرش والإلحاد والطلاق والتفكك الأسري، فيترسخ السلم والأمن المجتمعي؟في ضوء ما سبق.. ألسنا في حاجة ماسة إلى حصة الدين؟!