الباحث خالد الشطي في دراسته لدرجة الدكتوراه:
مساعدات الكويت تمتد في أعماق التاريخ منذ أيام الدولة العثمانية واحتلال عمان وقحط فارس.
جُبل الشعب الكويتي على حب الخير والبذل، وأُثرت عنه على مدار التاريخ فضيلة العطاء والجود، وما العمل الخيري الكويتي الذي ملأ بفيوضاته أرجاء العالم، واستطاع الوصول إلى كل محروم ومسكين وعابر سبيل، إلا ثمرة التقاء طبيعة هذا الشعب الكريم مع تاريخه عبر السنين، وجغرافيا بلده الصغير.
من هنا كانت كويت الخير نموذجاً فريداً في العطاء التطوعي والعمل الخيري الإغاثي على مستوى العالم أجمع، لذلك أجريت عشرات الدراسات من أجل بحث هذه الظاهرة، ولعل أحدث الدراسات تلك التي نال عنها الباحث خالد الشطي درجة الدكتوراه قبل أيام من إحدى جامعات المغرب تحت عنوان: «العمل التطوعي في الإسلام وأثره في تنمية المجتمع، مع تجربة دولة الكويت».
الكويت تساعد عمان
يبدأ الباحث دراسته، مشيراً إلى مساعدة الكويت للدول والقبائل المجاورة لها منذ عهود سحيقة فيقول:
قدمت الكويت حكومة وشعباً المساعدات السخية للدول المجاورة والقبائل التي كانت تطلب العون والمساعدة ومما اطلعت عليه من معلومات حول تلك المساعدات ما قدمته الكويت لدولة عمان في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، حين تعرضت عمان لاحتلال البرتغاليين، فقد أرسل إمام عمان ناصر بن مرشد الذي حكم عمان عام ١٠٣٤هـ – ١٦٢٤م رسلاً إلى دول الخليج لطلب النصرة، واستطاعوا جمع مبالغ وفيرة بلغت خمسمائة محمدية من قرين الكويت والبحرين وقطر ودبي واستطاعوا الحصول على أربع سفن إحداها كانت من الكويت وتفاعل أهل الكويت مع تلك الأحداث، إذ قام رجل من الكويت بالتوجه إلى عدن يخبر الثائرين العمانيين بأن سفينتين كبيرتين تتجهان إلى مسقط ومطرح، وتهدفان إلى ضربهما بالمدافع.
وبعد أن انتصر العمانيون في عام 1650م، وطردوا البرتغاليين من مسقط اتجه وفد من الكويت لتهنئتهم على انتصارهم الكبير[1]
كما تطوعت الكويت بحكامها ورجالها لمساندة حاكم المحمرة، وأمير بني كعب «جابر ابن مرداو»، حينما أخذت قبيلة النصار حقوقهم فهب حاكم الكويت الشيخ عبد الله الثاني – الحاكم الخامس للكويت الذي حكم منذ عام 1283 – حتى 1309هـ ، ورد إليهم حقوقهم كاملة غير منقوصة [2] (۲)
نجدة أبناء فارس
وحين أصاب القحط بلاد فارس في حادثة مشهورة سميت بـ «الهيلك»: أي هلاك الناس، فزع أبناء الكويت لنجدتهم وإغاثتهم ونصرتهم.
وكان ذلك من عام 1258هـ حتى1288هـ، وتحدث القريب والبعيد عما قدمه أهل الكويت في هذه المأساة، حتى نظم شاعر العراق عبد الغفار الأخرس شعراً يمدح فيه أفعال أبناء الكويت وكرمهم وجودهم، وكان من أكثر من قدموا في هذه المحنة يوسف عبد الرزاق الصبيح الذي خصص ثلاث مضايف للإطعام في الكويت والبصرة والإحساء لإنقاذ الناس من الجوع والهلاك كما أعطى أبناء الكويت الكثير من المساعدات خلال سفرهم عن طريق البحر فقدموا المساعدات للجزر والدول التي يمرون عليها وهي بحاجة إلى المساعدة.
مساعدة الكويت للدولة العثمانية
قدمت الكويت حكومة وشعباً العديد من المساعدات للدولة العثمانية، إذ قام الشيخ جابر الأول الحاكم الثالث للكويت في عام 1242هـ – 1827م بمساعدة الدولة العثمانية في استخلاص البصرة، فهب ومعه الكويتيون وساروا بالسفن إلى البصرة لمساعدة الدولة العثمانية في فك الحصار عن البصرة وإنقاذها من القبائل الثائرة وقد شكرت الدولة العثمانية الشيخ جابر وكافأته بإعطائه مائة وخمسين كاره من التمر كل سنة وأعطته فرماناً شاهانياً «مرسوماً».. وعلماً عثمانياً لونه أخضر.
وفي سنة 1253هـ – 1838م استولت قبيلة بني كعب على المحمرة وطردت جنود الدولة العثمانية، فهب الشيخ جابر الأول والكويتيون لشد أزر الدولة وقصدوا المحمرة بأسطولهم وساعدوا الدولة على إنقاذ المحمرة من بني كعب [3].
وقام الشيخ عبد الله الثاني الحاكم الخامس للكويت بمساعدة الدولة العثمانية بفتح الأحساء عام 1388هـ – 1871م وقد أُخذت كل سفن الغوص الكويتية لمساعدة الدولة العثمانية لنقل الذخيرة والعتاد، وأرسلت الكويت قوتين برية وبحرية، فكان على البحرية حاكم الكويت الشيخ عبد الله الثاني، وكان على البرية أخوه الشيخ مبارك [4] .
وفي سنة 1295هـ – 1878م تسلم الأمير الشيخ عبد الله بن صباح رسالة من رئيس وزراء تركيا يطلب مساعدة من أهل الكويت قدرها (أربعة آلاف ليرة عثمانية) لتجهيز الجيوش المقاتلة في سبيل الله، وبعث الأمير يستشير مجلس الشورى – إذ لم يكن بخزينة البلاد هذا المبلغ ولا حتى أقل من نصفه، كما أن الأهالي في تلك السنة أبتلوا بنقص في الأموال نتيجة عواصف أغرقت كثيراً من سفنهم المحملة بالبضائع -ولكن يوسف الإبراهيم- وكان من الأثرياء البارزين تعهد بجمع هذا المبلغ وتكميله إن نقص، وافتتح قائمة بألف ليرة ذهبية عثمانية، ثم أخذها متوجهاً إلى يوسف البدر، وجلس يحدثه حديث الرسالة، ولكن يوسف البدر لم يستحسن فكرة الاكتتاب. وقال لمحدثة يا بن إبراهيم، إن أهل الكويت قد أضرتهم العواصف والأولى بي وبك ألا تُكلفهم بقليل هذا الأمر دون كثيره، بل ننهض به وحدنا، وأنت يا أخي قد تبرعت بألف وجزاك الله خيراً، ثم أخذ الورقة وكتب فيها ألفين، وقال: وهذان ألفان مني، وقم إلى ابن صباح ليكمل الباقي، وكان الأولى بنا أن نعطي هذه المساعدة للمنكوبين من أبناء بلدنا، ولكنها ذهبت إلى غيرهم، فقد ذهبت في سبيل الله وثوابها ثابت إن صدقت نيتنا مع الله [5].
كما حصل حريق هائل في الآستانة أحدث أضراراً هائلة وترك الألوف بلا مأوى ولا سكن، فكتب والي البصرة حسين جلال بك في شعبان 1329هـ – 1912م إلى مبارك يستعطفه بالمساعدة لإخوانه المنكوبين، وقد أجاب مبارك الاستعطاف وقدم 5000 ليرة بواسطة سعود الخالد الخضير في البصرة [6].
كما قدم الشيخ مبارك الصباح 3000 ليرة عثمانية إعانة للحكومة العثمانية في حرب طرابلس الغرب، وأصحبها كتاباً إلى حسن رضا باشا والي البصرة الذي استعطف مباركاً في تلك الإعانة بتاريخ 29 من ذي القعدة سنة 1352هـ، وقد ورد إليه كتاب من الوالي المذكور بوصول ما تفضل به بتاريخ 26 صفر 1330هـ، وقال إن نصفها صرف للمجاهدين، والآخر للأسطول العثماني [7].
مؤسسات الدولة الرسمية تقدم المساعدات للدول والشعوب الإسلامية
الشعب الكويتي جُبل على الخير والعطاء، وكذلك أسرة الصباح وهي الأسرة الحاكمة لدولة الكويت أسرة محبة للخير، ومشجعة وداعمة له، فقد عُرف الشيوخ من آل الصباح منذ نشأة الكويت بحبهم للخير وإنفاقهم على رعاياهم ومساعدتهم
ونجدتهم لمن حولهم من القبائل المجاورة، يقدمون لهم الغالي والنفيس لإعانتهم.
فجابر العيش هو الشيخ جابر الأول بن عبد الله بن الصباح، ولقب بهذا اللقب لما كان يقدمه من مساعدات لشعبه الفقير آنذاك، تولى الإمارة سنة 1229هـ الموافق 1813م بعد وفاة أبيه عبد الله بن صباح المشهور عنه أنه رجل عاقل هادئ الطبع محب لقومه، مشفق عليهم، اشتهر بجابر العيش لكرمه، ولأنه كان يطبخ الأرز للفقراء وله عريش قرب بيته يجتمعون فيه ويقدم لهم الطعام، توفي عام 1376هـ – 1859م [8].
وهذا عبد الله الثاني بن صباح الثاني بن جابر الأول حكم من 1283 – 1309هـ الموافق 1865 – 1881م جده جابر العيش كان واسع العلم محباً للإصلاح، ميالاً للجد، موفقاً في سعيه دائماً، قيل عنه إنه كان متديناً رحيماً بالضعفاء، وله في هذا الميدان أياد بيضاء، لا سيما عام المجاعة سنة الهيلك[9]. كما سماها الناس وهي ما بين سنتي 1286هـ – 1288هـ. وكان عام بؤس ومجاعة وقحط، وقد فتح عبد الله الصباح بيته وكيسه أمام الكويتيين وغيرهم من الوفود التي لجأت إلى الكويت وكانت له أياد بيضاء خفية على كثير من رعيته التي افتقرت أيديهم بعد غنى، فكان -والحق يقال- كجده جابر العيش [10].
وجابر العثرات هو الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت الخامس، حكم من 1335 – 1339هـ الموافق 1917 – 1921م، عُرف عنه حبه للخير وجبره لعثرات المحرومين والمحتاجين، وكانت أكثر أعماله ومساعداته سراً لا يعلمه إلا الله عز وجل، وحين وفاته يوم15 جمادى الآخرة 1339هـ فقد كثير من الناس العطف الذي كانوا يرونه من المحسن المجهول [11].
وعيش بن عمير هو كذلك عطاء أسرة آل الصباح في وقت ضيق وشدة مرت على الكويت، فقدمت أسرة آل الصباح من خلال بيوت أعدت للطبخ لتقوم بتوزيع الطعام على الفقراء. وجابر الخير هو أمير الكويت الحالي – شفاه الله، وأعاده إلى البلاد سالماً والذي ازدهر في عهده العمل الخيري بمؤسساته وأفراده، فقد دعم العمل الخيري حتى حصل على وسام الخير عام 1995م ويضيف الباحث أن الكويت قدمت الكثير لقضية فلسطين، فمنذ الثلاثينيات من القرن العشرين والكويت تقدم لها المساعدات، كما أسهمت بالتبرعات في حرب عام 1948م ومساعدة أبناء مصر في حروب 1956 و 1967 و 1973م إضافة إلى المساعدات التي قدمتها وتقدمها الكويت لعشرات الدول العربية والإسلامية، وغيرها مما لا يكاد يدخل في دائرة الحصر، ويحتاج إلى دراسات عدة لتسجيله ورصده.
____________________________________________
[1] – الشراع الكبير عبد الله محمد الطائي، ص۱، ۱۹۸۱م بدون ناشر.
[2] – من تاريخ الكويت، سيف مرزوق الشملان، ص ١٣٤
[3] – المرجع السابق، ص ۱۳۷ ۱۲۸
[4] – المرجع السابق، ص ١٣٥.
[5] – محسنون من بلدي بيت الزكاة ص ١٥٩
[6] – تاريخ الكويت عبد العزيز الرشيد، ص ۱۹۹، مرجع سابق.
[7] – المرجع السابق، ص 200 .
[8] – صفحات من تاريخ الكويت، ص ۲۰، مرجع سابق، ومن تاريخ الكويت، مرجع سابق، ص 125.
[9] – تسمى . سنة الهيلق وتسمى سنة الهيلك.
[10] – خالدون في تاريخ الكويت الشيخ عبد الله النوري، ص7.
[11] – اللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة الواقع والطموحات، ص 20.