في الذكرى الأولى لوفاة الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، يقف أبناء الكويت وقفة وفاء لقائدٍ حفر اسمه بحروف من ذهب في ذاكرة الوطن، حيث ستبقى إنجازاته ومواقفه الوطنية والإنسانية شاهدًا خالدًا على حكمة قائد، وحنكة سياسي، ورحمة أبٍ حمل الكويت في قلبه حتى لحظاته الأخيرة.
مسيرة حكيم
وُلد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في 25 يونيو 1937م، في مدينة الكويت بفريج الشيوخ، وتلقى تعليمه في مدارس الكويت، حيث غُرست فيه القيم الأصيلة للقيادة، وتدرج سموه في المناصب القيادية، ليخدم الكويت من عدة مواقع مؤثرة ومفصلية.
بدأ مسيرته محافظًا لمنطقة حولي، حيث أحدث تحولًا جذريًا في المنطقة، فنقلها من قرية صغيرة إلى مدينة حضارية زاخرة بالحياة التجارية والتنموية، ثم تولى سموه وزارة الداخلية، حيث عُرف بلقب «الأب الروحي للأمن الكويتي»، فقد أعاد هيكلة الوزارة، وأدخل التكنولوجيا الحديثة في المنظومة الأمنية، وأنشأ إدارات جديدة، أبرزها إدارة الانتخابات، وأطلق خططًا متطورة لتعزيز الأمن الداخلي وحماية الحدود.
وفي عام 1988م، تولى سموه وزارة الدفاع، حيث كان قائدًا حكيمًا في تطوير الجيش الكويتي، وحرص على إبرام عقود التسليح المتطورة، وابتعاث الضباط والجنود الكويتيين للدراسة والتدريب في كبرى الأكاديميات العسكرية العالمية، وبعد تحرير الكويت، استلم حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث كرّس جهوده لرعاية الفئات الضعيفة في المجتمع، من الأرامل والأيتام والمسنين، وأصبح نصيرًا للطفل والمرأة في الكويت.
وفي عام 1994م، تولى سموه منصب نائب رئيس الحرس الوطني، حيث وضع أسس التطوير الشامل للحرس الوطني، وعمل على تعزيز قدرات الحرس بشريًا وتقنيًا، ليكون قوة رديفة للقوات المسلحة الكويتية.
وفي عام 2006م، بايعه مجلس الأمة وليًا للعهد، ليكون السند الأيمن للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، حيث شارك في اتخاذ القرارات المصيرية التي أسهمت في تعزيز أمن الكويت، وتطوير اقتصادها، وترسيخ دورها الدبلوماسي إقليميًا ودوليًا.
مسند الإمارة.. قيادة الحكمة والرحمة
بعد وفاة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، في 29 سبتمبر 2020م، تولى الشيخ نواف الأحمد مسند الإمارة وسط إجراءات سلسة جسّدت الاستقرار المؤسسي في الكويت؛ وهو ما يعكس روح التكاتف الشعبي والسياسي حول قيادة البلاد.
أدى سموه اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في 30 سبتمبر 2020م، ليصبح الحاكم السادس عشر لدولة الكويت، مؤكدًا في خطابه ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية، ومواصلة مسيرة البناء والتنمية، وإعلاء قيم القانون والدستور.
إنجازات حافلة في عام واحد
لم يكن العام الأول من حكم الشيخ نواف الأحمد مجرد عام اعتيادي، بل تميز بقرارات تاريخية أثّرت في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
المصالحة الخليجية.. حلم يتحقق
كان الشيخ نواف، رحمه الله، خير خلف لأخيه الشيخ صباح الأحمد في مواصلة جهود المصالحة الخليجية، حيث شهدت القمة الخليجية الـ41 في مدينة العلا السعودية توقيع اتفاق المصالحة الخليجية في يناير 2021م، لتنتهي أزمة الحصار المفروض على دولة قطر، ويعود الصف الخليجي إلى وحدته وتماسكه.
وأكد سموه، في تصريحات بعد الاتفاق، أن «ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ومصلحة شعوبنا فوق كل اعتبار»؛ وهو ما يعكس حكمة القيادة الكويتية التي لطالما وقفت في الصفوف الأولى لحل الخلافات الإقليمية والدولية.
الإصلاح السياسي والحوار الوطني
في 29 سبتمبر 2021م، وجه سموه الدعوة إلى حوار وطني يجمع السلطتين التشريعية والتنفيذية، بهدف تهيئة الأجواء وتوحيد الجهود لتعزيز التعاون بين السلطتين وحل المشكلات العالقة، بما يضمن الاستقرار السياسي، وتحقيق المصلحة الوطنية.
وجاءت هذه المبادرة في وقت حرج، حيث كان التوتر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في أوجه، لكن حكمة الأمير الراحل قادت إلى تهدئة الأوضاع، وأثمر الحوار الوطني عن انفراجة سياسية، وصدور مرسوم العفو الأميري الذي شمل عددًا من أبناء الكويت المحكومين في قضايا سياسية.
دعم الاقتصاد الكويتي.. التوجيه نحو الإصلاح
ركز الشيخ نواف، رحمه الله، على تحفيز القطاعات الاقتصادية، وتطوير بيئة الاستثمار في الكويت، مع التأكيد على تعزيز دور القطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطني.
وجّه الحكومة إلى تحقيق التنويع الاقتصادي، ودعم الصناعة والزراعة، وفتح آفاق جديدة للاستثمار المحلي والأجنبي؛ ما ساهم في إعادة هيكلة القطاعات الإنتاجية، وتعزيز فرص العمل للشباب الكويتي.
دعم الشباب.. الركيزة الأساسية للمستقبل
كان سموه، رحمه الله، يرى في الشباب مستقبل الكويت وثروتها الحقيقية، ولذلك حرص على رعايتهم من خلال فتح آفاق التعليم والتدريب، وتأهيلهم ليكونوا قادة المستقبل في مختلف القطاعات.
وفي لقاءاته المتكررة مع الشباب الكويتي، دعاهم سموه إلى الاجتهاد والإبداع، مشيدًا بإنجازاتهم الرياضية والعلمية، كما أشاد بمبادراتهم في مواجهة التحديات الوطنية، وخاصة خلال فترة جائحة «كورونا»، حينما كان الشباب في الصفوف الأولى للتطوع والمشاركة في الحملات الصحية.
الدور الإنساني.. استكمال مسيرة العطاء
كان سموه، رحمه الله، نموذجًا للقيادة الإنسانية، حيث واصل نهج الكويت الإنساني على خطى الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه.
ففي عهده، قامت الكويت بتقديم مساعدات إنسانية للدول المتضررة من النزاعات والكوارث الطبيعية، مثل اليمن وسورية ولبنان، وشملت المساعدات الطبية والغذائية والإغاثية، كما وجه بتقديم الدعم الصحي للدول التي تضررت من جائحة «كورونا»، ومنها تونس، واليونان، وتركيا، حيث أرسلت الكويت أجهزة تنفس صناعي ومساعدات طبية عاجلة.
رسائل الحب والوفاء.. وداع الأمير الوالد
وفي الذكرى الأولى لرحيل الشيخ نواف الأحمد، تتجدد مشاعر الحزن في قلوب الكويتيين الذين أحبوا أميرهم وأحبهم، فقد كان أميرًا للقلوب قبل أن يكون أميرًا للدولة.
ترك الأمير الراحل خلفه إرثًا خالدًا من الحكمة، والرحمة، والإنسانية، وحظي برحلة من العطاء استمرت لأكثر من 60 عامًا في خدمة الكويت وشعبها.
رحيل القائد.. بقاء الأثر
في 16 ديسمبر 2023م، خيم الحزن على الكويت بوفاة الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وأعلنت الكويت الحداد الرسمي، وارتفعت أصوات الدعاء في كل بيت كويتي، تطلب الرحمة والمغفرة لفقيدهم الغالي.
ولا تزال إنجازات الأمير الراحل شاهدة على قيادته الحكيمة، ومسيرته الوطنية التي شهدت محطات فارقة في تاريخ الكويت، من الأمن إلى الاقتصاد، ومن السياسة إلى العمل الإنساني، ومن المصالحة الخليجية إلى دعم قضايا الأمة العربية والإسلامية، وخاصة القضية الفلسطينية.
واليوم، تتجدد الدعوات بأن يجعل الله قبره روضة من رياض الجنة، وأن يكتب له أجر كل عمل خير تركه، وأن تبقى ذكراه نبراسًا لكل قائد يُؤْمِن بالحق والعدل، ويعمل لأجل وطنه وأمته.
لن ينساك الوطن يا أبا فيصل، ستبقى حاضرًا في قلوبنا وأذهاننا.
اللهم ارحمه، واجعل مثواه الجنة، واحفظ الكويت وشعبها من كل مكروه.