بلسان المقال أحياناً تسمعها من الكثيريـن. وبلسان الحال تدركها من تبريرات آخرين وفلسفتـهم. لا يختلفون معك في التشخيص ووصف الحالة المترديـة. ولا تختلف معهم بضرورة التغيير والإصلاح والإنقـــاذ.
بلسان المقال أحياناً تسمعها من الكثيريـن.
وبلسان الحال تدركها من تبريرات آخرين وفلسفتـهم.
لا يختلفون معك في التشخيص ووصف الحالة المترديـة.
ولا تختلف معهم بضرورة التغيير والإصلاح والإنقـــاذ.
ولا تختلف في حجم الخطر المحدق بالمنطقة دون استثناء.
بل وقد يتفوقون عليك في تقدير خطورة المــوقــف.
وقد يحيي بعض الجادِّين الصادقين من العاملين والمصلحين.
ولكن المفارقة فيما يتحمل هو من مسؤوليات تجاه شعبه ووطنه.
حتى إذا حاورته وضيقت عليه مسارب الواجب، قال لك بعد أن بلع ريقه وأغمض عينيه:
– بصراحة خلينا نعيش!
وإن كان يبقى يحاور ويناور قبل أن يعبر بصراحة.
لكن بعضهم ممن يرفض التنازل عن كبريائه المصنوع والشكلي والذي يريد أنّ يبقى محيطاً نفسه بهالةٍ من الأبهة والعظمة والفطنة والتعقل؛ اخترع من الأعذار والنظريات “الواقعية” ما لا يخطر على بال، حتى إن عَدِم وسيلة الإقناع وشعر بالعجز قلب كفيه وجال ببصره فكأنما يقول:
– خلينا نعيش!
قالها الناس لأبي بكر رضي الله عنه في حرب المرتدين، وإنفاذ بعث أسامة رضي الله عنه، لكنه لم يسمع قولهم ومضى بعزم لا يعرف التردد.
وقالها الناس وفيهم العلماء والفقهاء للإمام الفقيه أحمد بن حنبل وهو يجادل في خلق القرآن، فمات من ضن برأيه وجهده ودمه، وآثر العيش والسلامة، لكن اللصوص قتلوه أو سلبوه أو طواه الموت وبقي “أحمد” فأحيا به الله الأمة ومات المفسدون والمنحرفون وظهر الخلق.
وقالها المشفقون لسيد قطب رحمه الله، ولكنه لم يلتفت لأحد إلا الله.
ولكن ما المستند أيها الشرعيون وأيها الوطنيون المنتمون لأمتكم لشعبكم لوطنكم لقضاياكم الذي يجعل قاعدة “خلينا نعيش” هي الحاكمة لكم؟
أو لم تعطوا دروساً في التوكل وجريان القضاء الذي لا راد له في الرزق والأجل والجاه والسلطان؟
أو لم ترددوا أن الساكت عن الظلم شريك فيه، وأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب بحق كل قادر؟
ألم تتغنوا بالوطن وأنه الأصل والأم والعِرض والهوية، وأن من مقتضيات الانتماء تقديم المهر حتى لو احتمل بعض الضريبة؟
ألم تقولوا أنّ ضريبة الذل أعظم بكثير من ضريبة العِز
من قال: إن العيش على أي حالٍ هو الغاية؟
وهل وظيفة الإنسان إتلاف أطنان المطعومات والمشروبات والمقدرات؟
وهل الغاية من الوجود هي فقط حياة كيفما اتفق؟
كما وصف الله بني إسرائيل: ولتجدنهم أحرص الناس على “حياة”.
“خلينا نعيش”.. خطاب القاصرين والجهلة والتافهين والرويبضات، أما الكبار الكرام الشرفاء فهم يرون الحياة غائبة بغياب العزة والكرامة والعدالة والمعاني الإنسانية، فأنت بالروح لا بالجسم إنسان أليس كذلك؟
ألم تكن جريمة اشتكى منها الزبرقان بن بدر التميمي عندما قال له الحطيئة:
دع المكارم لا تقعد لبغيتها وأقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فشكاه إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: أولا تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس؟ فحكَّم عمر حسان بن فقال حسان: نعم هجاه “وسلح” عليه فسجنه عمر رضي الله عنه.
رحم الله العَرب يوم كانوا عرباً.
ألا ترى أن من يعمق منهج “خلينا نعيش” يستحق السجن!