هناك مشروع، واضح المعالم، بين الأهداف، متعدد الأغراض، يعيث في الأرض فساداً، ذو برنامج خطير، وفكر مقلق، الطائفية المذهبية سمته، والقومية الجاهلية حياته، وتفريق الأمة عنوانه، والعدوان على التاريخ منهجه، والاعتداء على الجغرافيا سياسته، يشارك في هدم معالم الحضارة، بكل مفرداتها، ويحارب الناس في عقر دارهم.
يذبح ذبح من يذكرنا بأقسى أنواع الوحشية في تاريخ البشرية، ويقتل بلا قلب، ويريق الدم بمتعة، ويتلذذ بالتخريب، ويتشهى خراب البصرة، في كل مِصْر، وحيثما حل وتطلع، وهذا كله ظاهر، ظهور البدر في تمامه، ووضوح الشمس في رابعة النهار، السياسة العامة لهذا المشروع، تتمثل في التوسع، وبسط السيطرة على البلدان العربية والإسلامية، مع الهيمنة عليها بمناهج النفوذ، أو الحكم المباشر، حتى بات تهديدهم معلناً، والتلويح بقوتهم لفرض هذه الهيمنة والنفوذ على المكشوف صار معلناً.
يعمل على إحداث الفوضى، ويضرب الاستقرار في المنطقة، وهذا منهج قديم استمده من أسلافه، الذين فعلوا ما فعلوا في التاريخ القديم والحديث لهذه الأمة.
تتباهى بعض أبواقه الإعلامية والسياسية، بأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، ويقولون: الخامسة والسادسة على الطريق، وعيوننا على الحرمين.
إنه نظام إيران، وإليكم بعض البرهان:
العراق:
1- إن ما فعله ويفعله في العراق، من قتل ممنهج، وعدوان صارخ على الأنفس والبلدان، يمثل حالة مرعبة، من حالات مصادرة الهوية، وجهود خطيرة من أجل اجتثاث عرقي ومذهبي، يأتي على الأخضر واليابس، من خلال طرائق السيطرة والاستئثار، وبنفس الوقت جهود كبيرة من أجل الإقصاء والتهميش لكل من لا يخضع لإرادتهم، ولا يمشي في ركاب مشروعهم الخطير، كل ذلك عبر وكلائهم من حكام وأحزاب، أو بواسطة مباشرة، عبر جيشهم المتنوع ، وحراكاتهم الظاهرة، ومليشياتهم سيئة الذكر، شنيعة السمعة، وما قصص الجنرال «قاسم سليماني»، وحكاياته البهلوانية الإجرامية، وما ارتكبوه من مجازر بشعة، عنا ببعيد، وخلاصة القول: العراق سُلِّم على طبق من ذهب لنظام إيران، يفعل به ما يشاء، ويعيث به تخريباً وفساداً، بالطريقة التي يرغب.
سورية:
2- سورية، هذا البلد الذي تحكمه منذ عقود، شرذمة طائفية مجرمة، ونظام استبدادي قاتل، أحرق الأخضر واليابس، كمم الأفواه، وحبس الحريات، ودمر معالم حضارة البلد، وأشاع الرعب، ونشر الفساد بكل صنوفه، وسائر أشكاله، وما تدمير حماة في ثمانينيات القرن الماضي إلا واحدة من هذه الجرائم المنكرة، حتى جاوز عدد الشهداء في مدينة أبي الفداء عشرات الألوف، جلهم من النساء والأطفال والشيوخ، ولن نذكر سجون الطغاة هناك، وما اقترفته أياديهم المجرمة، من قتل للأحرار، وعدوان على كل القيم، كل هذا ونظام إيران يبارك ويساند ويؤيد ويدعم ويهنئ، وبهذا تمكن من السيطرة على كثير من مفاصل الاقتصاد، وصارت له هيمنة واضحة في أجهزة الأمن، وأخذ يصول ويجول في ربوع سورية، في كل مناحي الحياة، حتى وصلت فتنته بمشروع تشييع أهل السُّنة، وإظهار طقوس وأجواء وأوضاع، يرفضها الشعب السوري ويمقتها، وكانوا يفعلون ذلك باستفزاز وقح، وفجاجة مقيتة.
ولما قامت ثورة الشعب السوري في عام 2011م، تنشد الحرية والعدل، وتبحث عن الكرامة والاستقلال، يكشر الوحش الكاسر (نظام إيران) عن أنيابه، ويقف بكل ما أوتي من قوة، ضد إرادة هذا الشعب السوري، الذي ذاق الأمرين، من حكم الطائفية والدكتاتورية، ويظهر نظام إيران أماً رؤوماً لهذا النظام المجرم في سورية، وأباً حانياً، لهؤلاء الذين عاثوا في سورية خراباً ودماراً، وإذا نظام البغي والجريمة، صورة قاتمة المنظر، لنظام إيران الذي يكمن وراء الأزمة، بشكل ظاهر، وصورة جهرية، هو ومن معه من أذرعه وأذناب، منهم «حزب الله» في لبنان، وزعيمه المجرم حسن نصر الله، الذي يباهي بأنه يرسل القوات إلى سورية لمساندة النظام المجرم، ومقاتلة أبناء الشعب السوري، ويرتكب أبشع المجازر، ويفعل جرائم بحق الإنسانية بحق أبناء الشعب السوري، بحق العزل، بحق المحاصرين والضعفاء والمساكين، بحق الشيوخ والأطفال والنساء، ويوقع أفظع الكوارث في سورية تاريخاً وجغرافيا، وبنية تحتية، كل ذلك باسم المقاومة والممانعة.
اليمن:
3- وفي اليمن، حيث بنى نظام إيران أعشاش الفتنة، في أعماق غابات الشوك الحوثية، التي تغلغلت – عبر خطة ومؤامرة – في كثير من مفاصل الدولة والمجتمع، لتحدث قلاقل واضطرابات، وتنصب شباك الكيد، في زوايا الضياع الطائفي، والدهاليز التاريخية، مع تهديد للسلم الاجتماعي، ونشر ثقافة الحقد والبغضاء، وتأجيج لغة الانتقام الهوائية، وكان من ثمار ذلك مجموعة من الحروب، التي من نتاجها أنهار من دماء اليمنيين، ولم يكتموا تطلعهم لقيام دولتهم في اليمن، بل صارت تصريحاتهم على الفضائيات تصك الآذان، وتجعل الحليم حيران.
الخليج:
4- أما دول الخليج؛ فحدث عن مصائبهم فيها ولا حرج، من تحريك للأقليات الطائفية، إلى تهديد لأمن البلاد، ووصلت فوضاهم إلى الحرمين الشريفين، وها هم يصرحون هنا وهناك، بأن اليمن اليوم، وغداً مكة والمدينة، وما زالوا إلى اليوم يحتلون الجزر الإماراتية، وفي البحرين قصة أخرى؛ إذ يرون البحرين جزءاً لا يتجزأ من إيران، ولابد من استعادتها إلى حضن الجغرافيا الإيرانية، والقلاقل التي لا تكاد تهدأ في البحرين سبب من أسبابها هذا الذي يطمحون إليه، وأخشى ما أخشاه، أن نفيق صباح يوم من الأيام، على خبر احتلال نظام إيران للبحرين، فالأمر جد وليس بالهزل.
5- وهناك تفاصيل كثيرة، في كثير من البلدان، لكن سنقتصر في هذه العجالة على ما ذكرناه، والحر تكفيه الإشارة.
سبل الخلاص
فما الحل؟ وما سبل الخلاص؟
هذا المشروع الخطير، لابد له من مشروع مقابل، يفكر بلغة إستراتيجية، وليس بردود الأفعال، والمواقف الآنية، مشروع مقابل يقابله ويساويه، بل يتغلب عليه، قوة وتخطيطاً وتدبيراً، يمتلك وسائل الفعل، وأدوات التأثير، والقدرة على وقف مده، وإرغامه على الوقوف عند حده.
وهذا المشروع يحتاج إلى تحالف من نوع متميز، يضم جملة من الدول التي تفيد في هذا المشروع ومنه، ولعل في مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، وكذلك تركيا وباكستان وماليزيا، وهي من الدول التي أدركت مبكراً خطر فتنة نظام إيران، فقننت القوانين الرادعة لمن يتبنى أفكار الفتنة وعقائدها التي ينشرها نظام إيران، عبر ملحقاته الثقافية، ومؤتمراته المشبوهة، وأطروحاته المريبة.
هذا التحالف إن حدث ووجد فسيكون قوة نظيفة في مواجهة ذلك المشروع الذي عاث في بلاد العرب والمسلمين فساداً، وإن أهمل وترك فسيكون الندم فظيعاً، والحسرة قاتلة، والعض على الأنامل أليماً، ولات ساعة مندم.
شروط موضوعية
وحتى ينجح هذا التحالف في تحقيق مشروعه، الذي سيأخذ على يد مشروع الظلم ويكسر شوكته – بإذن الله وعونه – لابد من توافر جملة من الشروط الموضوعية، ومنها:
1- الحفاظ على التماسك الداخلي، والعناية بمشكلات الناس وحلها، وعلى كل الصعد، وسائر الملفات، فوحدة الصف ضمان نجاح، والشعوب عندما تكون معك؛ سيكون معك خير كثير.
2- العناية بالعلماء العاملين المخلصين، فهم أهم ركائز مثل هذا المشروع، وصديقك من صَدَقك لا من صدَّقك.
3- بناء علاقة إستراتيجية مع جماعة الإخوان المسلمين، فإنها قوة إسلامية وسطية وطنية، غيورة على ناسها، وخيرها لأهلها، محبة لمجد الأمة، لا شرقية ولا غربية، ارتباطها بمناهج الأصالة، وتعمل في مصالح الخير للأوطان، تفهم الواقع بدقة، وتستشرف المستقبل بشكل جيد، وهي ذخر لكل مشروع فاضل، يصب في المصلحة العامة، وأخطر نقطة في هذا الموضوع ، تصريحات بعض الساسة من أن المعركة مع الإخوان مؤجلة، ونحن اليوم بحاجة إلى تهدئة الأمور، ولملمة الأوضاع، كلا! بل يجب إغلاق ملف الصراع مع الإخوان، وصناعة صفحة جديدة، من متانة العلاقة بين الطرفين، فهذا يصب في المصلحة العامة العليا، لكل الأطراف.
4- فضح المشروع الإيراني، وبيان أبعاده وأخطاره وتداعياته، وأهدافه التخريبية المدمرة، ونشر ملفاته السيئة، ومخططاته المشبوهة، من خلال وسائل الإعلام، ومناهج التعليم، وعقد الندوات، وإقامة المؤتمرات، ونشر الكتب، وإذاعة النشرات، وغير ذلك من الوسائل.
5- رصد تحركات مشروع نظام إيران بدقة، فالقوم لهم خبرة طويلة، ومعرفة تامة بسبل الاختراق وطرائق الغزو الفكري، ويجيدون لغة الخداع والتمويه، كيف لا وهم أهل تقية؟ ومن وسائلهم فتح مراكزهم الثقافية، ينشرون ما يريدون، ومنها ينفذون إلى شرائح المجتمع، ليكسبوا هذا أو ذاك، وكذلك عقد مؤتمرات عن الوحدة الإسلامية، والتقريب بين المذاهب، فهم أكثر الناس حديثاً عن هذا الموضوع، وفي الحقيقة والواقع، هم أهل فرقة وشقاق، ولكنه أسلوب للمخادعة، وما أكثر من غش بهم، وهنا يذكر الإخوة في حكومة السودان الشقيق، الذين فهموا ألاعيب القوم، وكافحوها بما يلزم من إجراءات ولوازم.
عوامل النجاح
ومن المساعدات في نجاح هذا المشروع، ما يأتي:
1- التخلخل الداخلي في إيران، والتململ الشعبي هناك.
2- الضائقة الاقتصادية، وانتشار نسبة البطالة.
3- غياب لغة التعايش، وانتشار الظلم، والتهميش، والإقصاء من نظام إيران.
4- مشكلة الأحواز، وبروز مظلومية أهل السُّنة في ذلك البلد.
5- ارتكاب نظام إيران جرائم، كثيرة في عدد من بلدان المسلمين، منها العراق، وسورية حيث ثورة شعبها الفاضحة، التي عرَّت نظام إيران وعصاباته السيئة القاتلة المجرمة، مثل «حزب الله» وزعيمه الذي خدع الناس كثيراً، حتى علقت صوره في البيوت، وعلى السيارات، وواجهات المعارض، واليوم تداس بالأقدام.
6- سقوط ورقة التوت، وانكشاف حقيقة نظام إيران، ومتاجرته بالقضية الفلسطينية، والمقاومة والممانعة، حتى بات الأمر مكشوفاً معلوماً للقاصي والداني، ومحاصرة الإخوة الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وتجويعهم وقتلهم، من براهين ذلك.