الطفوليون
د. إيمان الشوبكي
جاءت وحدها ودخلت المكتب علي بوجه عبوس، أنهيت مكالمة كانت معي ورحبت بها بعد أن جلست أمامي بقلق وتوتر.
فقلت لها: أين خطيبك وشريكك في شركة الحياة والأسرة؟
قالت باقتضاب: لا أعرف.
قلت: واضح أن في الأمور أموراً وما أن أتممتها حتى قرع الباب مستأذناً بالدخول ودخل وأنا تعتريني الدهشة والغموض وعلامات الاستفهام تقفز هنا وهناك حتى قلت له: هلا بالنصف الآخر.
قال: ولماذا لا أكون أنا النصف الأول وهي الآخر؟
قلت: آه.. لقد دب الخلاف وبدأنا في أنا وهو وهي؟قالت: المرأة دائماً مظلومة.
ضحك قائلاً: هكذا يا دكتورة بنات حواء مظاليم وأولاد آدم ظلمة.
ردت بحدة: لا تسخر فأنتم أنانيون دائماً.
قاطعتها: نعم أنتم معاشر الرجال أنانيون طماعون تهللت أساريرها وعقد هو جبينه ناظراً إلي بحدة.
أكملت: أنانيون لأنكم تحبون لأنفسكم كل شيء جميل وكامل تسعون لزوجة ممتازة وأولاد طائعين وأموال ميسرة.
ضحكا وامتن كل منهما بمدحه.
فقلت: ما الذي حدث وأنتما لم تتزوجا بعد؟ لماذا كل هذا؟
قالت: تحكي أنت أم أحكي أنا؟
قال: لكي لا تدعي أنني أناني احكي أنت؟
قلت: من الجميل في الحياة عموماً وبين الزوجين خصوصاً روح الاستئذان منك له وروح الإيثار منك لها.
فكيف تكون هذه الروح بينكما وتغضبان مع بعضكما؟
قالت: هو يطالب بأشياء أحياناً تكون فوق طاقة الوقت والجهد.
قال: أليس من حق الرجل أن يجد كل ما يطلبه في شريك حياته؟
قلت: وهل هذا متاح في الحياة كلها كي تطلبه وتتوقعه في شريكة الحياة؟
قال: أكيد لا يوجد إنسان كامل لكن أمنية الإنسان أن يجد في زوجته كل ما يتمناه ويحلم به.
قلت: لم أفهم إلى الآن ما المشكلة؟
قالت: يا دكتورة نحن اتفقنا على أن لكل منا واجبات يقوم بها وبتكاليف في الإعداد للزواج، ولكنه لا يستقر على رأي واحد ودائم التفكير والتغيير، وأحياناً يلاحقني في بعض أموري وأنا لا أريد متابعته تلك لي.
قلت: وما يضرك أو يضايقك في متابعته أو سؤاله عن كل شيء معك؟
همّ بالكلام قاطعته هي قائلة: يتمم علي في كل شيء وأشعر أنني ملاحقة ومنتقدة في كل شيء أقوم به.
قلت لها: اهدئي ودعينا نسمعه.
قال: الأمر بسيط جداً فقد يكون حرصاً مني عليها أو لأني أعرف أنها قد تنسى بعض الأشياء، أو نوع من أنواع المشاركة فلماذا تغضب؟
قلت: جاء دوري في الكلام، أنتما الاثنان ينطبق عليكما طفولي العاطفة وأمومية العاطفة.
همّ بالكلام.. قلت: أعرف ما ستقوله.
البنية العاطفية
قلت: ليس المقصود به المعنى السطحي للعبارة فهناك من البشر تصنيفات منها ما هو أبوي أو أمومي البنية العاطفية أو طفولي وطفولة البنية العاطفية أو بالغ وبالغة.
قال: أنا لن أتعجل السؤال وأنتظر توضيحك.
قلت: جيد.. أبوي أو أمومي البنية العاطفية أي أنه يحتوي الطرف الآخر عاطفياً تجده الطرف المستوعب انفعالات الطرف الأول أو يحتوي المشاعر بشكل عام.
قالت: كيف تكون أمومية المشاعر أو البنية العاطفية؟
قلت: طبعاً ليست أماً فالرجل لا يتزوج أماً والفتاة لا تتزوج أباً لكن مشاعر الاحتواء والاستيعاب هي ما أشبه بالأب أو الأم، فلكل منا بنية عاطفية تحتاج عكس بنيته لتغطي الناقص فيها وتحتويها ولا علاقة لشخصية الإنسان بذلك، أي لا يعني أن الطفولي إنسان غير مسؤول أو كالطفل لا بالعكس أن من كانت بنيته العاطفية طفولية شخص ذو مسؤولية حياتية عن المستقبل والتخطيط لها والتفكير في الأهداف والطموح العملي والحياتي، إنما فيما يخص تعامله العاطفي مع المحيطين به كزوج والأم والأخوات بنوع من الرفق والدلال والحرص على مشاعره واحتوائه.
قالت: أكيد والعكس صحيح.
العاطفة الأبوية أو الأمومية
قلت: نعم، إن الأبوي أو الأمومية البنية يكن جل اهتمامه توفير مناخ مشاعري وعاطفي للآخرين فبصبر وحلم وأناة واحتواء وليس له علاقة بشخصية الإنسان خارج الإطار المشاعري، فقد تجده في عمله إنساناً يطغى الاحتواء العاطفي على التخطيط ورسم المستقبل والإنجاز الفعلي على أرض الواقع قد تجعل منه شخصاً اتكالياً بعض الشيء، لأن جل جهده منصرف نحو احتواء الآخرين عاطفياً دائماً، ويندفع للعمل والجد مدفوعاً بالعاطفة وليس من باب المسؤولية، فالتي تدفعه الرحمة والحنان فهما مفاتيح عمله وتفاعله مع الآخرين وقد ينسى أمامها أشياء عديدة.
قالت: لذلك يحدث مشاكل بين الناس وتصادم بين الأزواج!
قال: انتظري لم نتعرف بعد على البالغ.
قالت: أكيد هو الحالة الوسط بينهما.
قلت: نعم من يتواجد بين الطفولي والأبوي هو البالغ، فهو لا يميل للطفولة، بل يستصغرها على نفسه أن يرعاه أحد أو يتحمله أحد إلا في مواقف معينة، ولا يريد أن يحتوي الآخرين على حساب نفسه أكثر من اللازم، لكنه قد يتبادل الأدوار في الأمور الحياتية وفي الواقع الأسري.
قال: كيف يكون الاختيار إذاً والتوافق بينهما وأيهما أنسب لبعض؟
قلت: إن تحديد ذلك بشكل قاطع أمر صعب، لأن رغم ما ذكرته إلا أنك قد تجد شخصاً طفولياً العاطفة لكن تعرض أو عاش ظروفاً معينة غيرت من معالم ذلك الشخص، وشوشت على البنية العاطفية.
قالت: ولا حتى بالاستدلال.
قلت: هو مؤشر فقط قد يصيب وقد يخطئ، لكن من المتوقع أن الأبوي البنية العاطفة يتزوج طفولية البنية العاطفية والأمومية تتزوج الطفولي.
أنجح الزيجات
قال: ماذا عن البالغ والبالغة؟
قلت: قد تعتبر أنجح الزيجات وأقلها مشاكل البالغ مع البالغة إن لم تعق الحياة عوائق ذهنية وروابط مسبقة أو ظروف مر أحدهم بها، أما عن البالغ لطفولة مثلاً قد ينتقل بين الطفولي والأبوي حسب المواقف لا ينفرد بإحداهما دون الأخرى على العكس من أبوي البنية العاطفية ثابت وكذلك طفولي البنية العاطفية.
قالت: هل البالغ لا يتزوج من الآخرين؟
قلت: ممكن مع بعض الإشكاليات البسيطة.
قالت: الآن فهمت لماذا نختلف؟
قال: أليس هناك حل لهذه المشكلة؟
قلت: لا لا نعتبرها مشكلة بل علينا التكيف مع شقي الشخصية بنقاط قوتها وضعفها ولولا وجود البنية العاطفية الطفولية ما وجدت البنية العاطفية الأبوية.
أسباب الخلاف
قال: طالما الأمر كذلك فعلام الخلافات والمشاكل بين الزوجين؟
قلت: سؤال في محله ومربط فرس الكلام معكما وسبب شجاركما وشجار غيركما قالت: كيف؟
قلت: إن الإنسان ببنيته العاطفية؟ ثم العملية الفكرية يريدهما على وتيرة واحدة في شريكه حسب توقعاته وتخيلاته وهو غير الواقع بالتأكيد.
بمعنى قد تحتاج الزوجة زوجاً ينشغل بالعاطفة الأبوية الاحتوائية لها لأن هذا هو احتياج نفسي كبير لها وأولوية، ولكن قد يأتي على حساب مسؤوليات أخرى قد تقوم هي بها نيابة عنه، وعندما يتم الاتكال الكامل من الطرفين تصرخ الزوجة من عدم اكتراث الزوج مثلاً بمسؤولياته أو لا يلقي لها بالاً عاطفياً ورومانسياً، بل أيضاً هو من يطلب التدليل دائماً، ولا يدلل أحداً ولا يبدأ صلحاً ولا تناغماً.
والعكس صحيح أيضاً من شكوى الزوج.
قال: ياه يا دكتورة هكذا الدنيا معقدة؟
قلت: لا أبداً على الإطلاق قد يبدو لك من كلامي لكن هو سلوك يصدر لا شعورياً من كل طرف.
قالت: وما الحل إذاً؟
قلت: أن تتذكر أن بنيتك العاطفية هي من اختارت فعليك أن تتحمل النصف الآخر، والشق الثاني من شخصية كليكما وأنه لولا تجانس البنيات العاطفية ما تم زواج أو توافق، أي لو أن الزوج أبوي البنية والزوجة كذلك أمومية البنية فكيف يكون الوضع بينهما من يحتوي من ومن يستقبل ممن؟ وهكذا هي حلقات تكاملية خلقها الله عز وجل لتتكامل الحياة، جزء ناقص هنا يقابله جزء هناك وكما يقال: «للقلب منطق عصي على الفهم».
وأخيراً عليكم بهذه النصيحة أو المقولة: «عندما بدأت أحصي ما وهبت من نعم تغيرت حياتي كلها للأحسن».