قال بعض السلف لمن ودّعه: اتق الله، فمن اتقى الله فلا وحشة عليه، وقال آخر لمن ودعه للحج: أوصيك بما وصّى به النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً حين ودّعه: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن”، وهذه وصية جامعة لخصال البِّر كلها.
ولأبي الدرداء رضي الله عنه:
يريد المرء أن يـؤتى مناه ويـــأبـــى الله إلا مــــا أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي وتقوى الله أفضل ما استفادا
ومن أعظم ما يجب على الحاج اتقاؤه من الحرام، وأن يطيب نفقته في الحج، وألا يجعلها من كسب حرام.
مات رجل في طريق مكة فحفروا له فدفنوه ونسوا الفأس في لحده، فكشفوا عنه التراب ليأخذوا الفأس، فإذا رأسه وعنقه قد جمعا في حلقة الفأس، فردوا التراب عليه ورجعوا إلى أهله فسألوهم عنه فقالوا: صحب رجلاً فأخذ ماله فكان منه يحج ويغزو:
إذا حججت بمال أصله سحت فما حججت ولكن حجّت العيرُ
لا يـقـبـل الله إلا كـل طـيـبــة ما كل مَنْ حجّ بيت الله مبرورُ
ومما يجب اجتنابه على الحاج وبه يتم برُّ حجه ألا يقصد بحجه رياء ولا سمعة ولا مباهاة ولا فخراً ولا خيلاء، لا يقصد به إلا وجه الله ورضوانه، ويتواضع في حجه ويستكين ويخشع لربه.
قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: ما أكثر الحاج، فقال ابن عمر: وما أقلهم، ثم رأى رجلاً على بعير على رحل رث خطامه حبل فقال: لعل هذا، وقال شريح: الحاج قليل والركبان كثير، ما أكثر من يعمل الخير ولكن ما أقل الذين يريدون وجهه:
خليليّ قُطّاع الفيافي إلى الحمى كثير وأما الواصلون قليلُ
قال ابن عمر رضي الله عنهما لرجل رآه قد استظل في إحرامه: اضح لمن أحرمت له؛ أي ابرز للضحى:
أتاك الوافـدون إليـك شعثاً يسوقون المقلدة الصوافِ
فكم من قاصد للرّب رغباً ورهباً بيـن منتعل وحافِ
رأى بعض الصالحين الحاج في وقت خروجهم، فوقف يبكي ويقول: واضعفاه، وينشد على أثر ذلك:
فقلت دعوني واتباعي ركابكم أكن طوع أيديكم كما يفعل العبد
ثم تنفس وقال: هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت، فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت؟ يحق لمن رأى الواصلين وهو منقطع أن يقلق ولمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.
ينبغي للمنقطعين طلب الدعاء من الواصلين لتحصل المشاركة:
ألا قـل لـزوار دار الـحـبـيـب هنيئاً لكم في الجنان الخلود
أفيضوا علينا من الماء فيضاً فنحـن عطاش وأنـتم ورود
لئن سار القوم وقعدنا وقربوا وبعدنا فما يؤمننا أن نكون ممن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين:
لله در ركــائــب ســـارت بــهـــم تطوي القفار الشاسعات على الدُّجا
رحلوا إلى البيت الحرام وقد شجا قـلـب الـمـتـيـم منهمو مـا قـد شـجا
نـزلــوا بـبــاب يــخـيـب نـزيــلــه وقـلـوبـهـم بـيـن الـمـخـافـة والرّجا
يا سائرين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا عـلى عـذر وقد رحلوا ومَنْ أقـام عـلى عـذر كـمن راحا
فربما سبق بعض مَنْ سار بقلبه وهمته وعزمه بعض السائرين ببدنه.
قال عمر رضي الله عنه يوماً وهو بطريق مكة: تشعثون وتغبرون وتضحون، لا تريدون بذلك شيئاً من عرض الدنيا، ما نعلم سفراً خيراً من هذا، يعني الحج!