قبيل أيام نشرت الصحف والمواقع أن شابين مصريين قبضت عليهما حكومة الإمارات واعتقلتهما بسبب تصويرهما لأحد الفنادق في دبي وهو يحترق، لم يذكر الخبر شيئاً عن رد فعل للحكومة المصرية أو السفارة في أبي ظبي أو أي جهة رسمية أو شعبية في أم الدنيا.
لا أحد يعلم ماذا سيكون مصير الشابين، ولكن الحادثة تشير إلى استهانة الحكومة الإماراتية بالجنسية المصرية، وثقتها أن المصري لا ثمن له، ولا قيمة، ومن حقها أن تفعل به ما تشاء، فكبار المسؤولين المصريين في كفالة الإمارات، ولا يستطيعون أن يراجعوا الكفيل في صغيرة أو كبيرة لأنه الراعي الأول للانقلاب وخطواته المدمرة لمصر وشعبها.
قبيل ذلك بأيام حدث في محافظة البحيرة صدام بين سيارة خاصة وحافلة حضانة تحمل نحو ثلاثين طفلاً؛ أسفر عن مصرع طفلين وإصابة بقية الأطفال إصابات متفاوتة.
ظهر السيد الدكتور الوزير المحافظ عبر الصور في المستشفى يتفقد الأطفال المصابين، وعالج الموقف بإغلاق الحضانة التي ينتسب إليها الأطفال، ثم انطلقت أبواق الدعاية في صحف الانقلاب وغيرها تتهم الحضانة بأنها تابعة للإخوان، وتلقي عليهم اللوم في الحادث؛ لأن الحضانة غير مرخصة، مثلما يلقون على الإخوان مسؤولية الفشل الأكبر الذي ينجزه الانقلابيون في المجالات كافة!
لم يلتفت السيد الدكتور الوزير المحافظ إلى المأساة الحقيقية التي تنتج عن القتل اليومي في طريق الموت المشهور بطريق دسوق – دمنهور!
بُحّ صوت الناس لأن هذا الطريق لا يصلح كي تسير فيه أعداد هائلة من المركبات تتقدمها قلاع الموت المسماة بـ”التريلات” و”المقطورة” أو ما يسمى بلغة مهذبة بالنقل الثقيل، وتتبعها السيارة الخفيفة والنقل المتوسط والجرارات الزراعية والتكاتك والتروسيكلات والدراجات البخارية وعربات الحديد التي تجرها الحمير.
هذا الطريق – طريق الموت – يبلغ طوله 18 كم، ويبدأ من ناحية قراقص حتى ينتهي إلى كوبري دسوق، ويزدحم بالمركبات والمطبات الناشزة التي لا يتفق واحد منها مع المطبات القانونية، ولكنها تمثل كتلا مرتفعة تشبه السد العالي، وهي كفيلة لو لم ينتبه السائق أن تدمر سيارته أو تقلبها أو ترفعها إلى أعلى وتهبط بها بما يعرض ركابها إلى الموت أو الإصابة.
أحصى بعضهم عدد المطبات على امتداد الطريق فوجدها تبلغ 42 مطباً ناشزاً بواقع 3 مطبات في كل كيلومتر تقريباً، هناك مطبات تقطع الأرض، وأخرى متجاورة في بعض المناطق، وهناك حفر عديد لم يتم حصرها، بالإضافة إلى قنوات أو تجويفات تصنعها مركبات النقل الثقيل في زمن الصيف حين يذوب الأسفلت من الحرارة، فتبدو مثل قنوات ممتدة ومتجاورة يهرب منها السائقون لتفادي السير فيها فيمضون على الجانب المعاكس مما يوقع كثيراً من الصدامات الدامية؛ لأن السائقين يصعب عليهم تفادي بعضهم بسبب ضيق الطريق وازدحامه.
عُرض الطريق أربعة أمتار في معظم المناطق تضيق إلى ثلاثة أمتار، أو أقل، فقد احتل أصحاب المحلات والأكشاك والمطاعم والمقاهي وشوايات السمك ومخازن البراميل البلاستيكية والبنايات غير القانونية وأصحاب مصانع المقرنصات التي تزيّن بها المباني والشرفات معظم المساحات على حافة الطريق من ناحية مصرف الري المكشوف.
أضف إلى ما سبق تجمعات الميكروباصات والتكاتك التي تنتظر الزبائن، وبعضها لا يبالي باحتلال نهر الطريق اعتماداً على أن السائق سيتفاداه، مثلما يتوقف السائق نفسه في عرض الطريق ليشتري الذرة المشوية ممن يحتلون منتصفه رافعين أيديهم وهي تحمل كيزان الذرة الساخنة، التي يزودهم بها الجالسون أمام الأفران الغازية على الجانب الآخر!
جاءت الأنباء أن السيد الدكتور الوزير المحافظ سيقوم بعملية تقنين وترخيص للتوك توك كي لا يسير على الطريق العام مع مراعاة مصالح أصحاب التكاتك وظروفهم الاجتماعية.
ولكن السؤال الأول في هذه المأساة: أين السادة الأشاوس والنشامى رجال المرور في محافظة البحيرة؟
الإجابة لا يوجد شرطي واحد على امتداد المسافة من دمنهور إلى دسوق، ويتولى أصحاب المركبات تدبير أمورهم بأنفسهم، وفي حال الحوادث يتطوع أهل الخير بنقل المصابين وإبلاغ الجهات المعنية.
سؤال يترتب على السؤال السابق: ألا يوجد أحد من رجال المرور بالمرة؟
الإجابة: نعم يوجدون عندما يريدون استنفاد مجموعة من دفاتر الغرامات التي تدر مبلغاً محترماً لإدارة المرور يتم توزيعه بوصفه حوافز وأشياء أخرى.
السؤال الثاني: هل سار السيد الوزير الدكتور المحافظ على هذا الطريق وحاول أن يصلح الحفر ويوسعه ويزيل العدوان الصارخ والعلني على حرمته؟
الإجابة: العلم عند الله وحده، ولا أحد يعلم ما إذا كان معاليه قد فكر في هذا الأمر أو اكتفى بإغلاق الحضانة الإرهابية، وترخيص التوكتوك!
السؤال الثالث: ألا توجد حلول سريعة وأخرى على المدى القريب؟
الإجابة: نعم توجد حلول ممكنة ومتاحة لو عزم معاليه على الحل، وفكر في تنفيذه، هناك مثلاً حل سريع يبدأ بوقف سير النقل الثقيل (التريلا والمقطورة) على الطريق المذكور، وتحويله إلى طريق أكثر هدوءاً وأبعد عن الكثافة السكانية والمرورية؛ أعني تحويل النقل الثقيل إلى طريق دمنهور المحمودية، وحبذا لو كانت ساعات السير ليلاً لتصل المركبات إلى كوبري المحمودية الجديد ومنه تنطلق إلى طرق أقل كثافة.
ثم يستخدم سيادته الآلات المملوكة للمحافظة لرصف الطريق، ويستطيع أن يفيد من الغرامات الإجبارية التي يفرضها الأشاوس والنشامى على السائقين في كمائنهم الفجائية للإنفاق على عملية الرصف.
ثم هناك فكرة يستطيع أن ينفذها معاليه دون أن يكلف الدولة شيئاً، وهي تحويل المصرف الزراعي المكشوف إلى صرف مغطى يردم فوقه ويوسع الطريق ليصير اتجاهين، ويقلل من عدد الضحايا الذين يتساقطون يومياً.
هل يمكن أن نجد رد فعل حقيقياً لدى معالي السيد الدكتور الوزير المحافظ؟ الله أعلم!
الله مولانا، اللهم فرّج كرْب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!