لا يشك أحد اليوم بأثر الإعلام في توجيه الرأي العام، وتغييره للعديد من القناعات لدى المتابعين، وما له من سحر في قلب الحقائق حتى غطّى على سحرة فرعون.
وعندما نتكلم عن الإعلام فنحن نتحدث عن الكاتب في الصحيفة والمذيع في القناة، ومقدم البرامج الإذاعية أو الفضائية، ونتحدث عن السياسات التي تتبعها قنوات فضائية أو صحف يومية.
ونتحدث عن مشاهير يستخدمون برامج التواصل الاجتماعي، في تصديق خبر أو تكذيبه، وفي إلصاق تهمةٍ في بريء، أو تبرئة مجرم، حتى أصبح الذئب حملاً وديعاً!
شاهدنا كيف سخر واستهزأ أحد مقدمي البرامج بإحدى القنوات العربية، بمأساة إخواننا من أهل حلب، وكيف حوّل اتصالاتهم المعبرة عن مأساتهم إلى مادة للسخرية وإضحاك الجماهير المغفلة، واعتبرها كذباً وتلفيقاً!
وقد سبقه إلى ذلك أحد كتَّاب الخليج ممن استهزؤوا بدماء الشهداء في غزة، وسخروا من الشيخ نزار ريان رحمه الله، والذي استشهد مع نسائه وأطفاله في قصف صهيوني لمسكنه، وقد صاحب تلك السخرية، تحميل الذنب للضحية!
نتذكر كيف زيف بعض الإعلام الكاذب حوادث معينة، لتغييب الرأي العام، ومنها حادثة وقعت في غزة قبل سنوات خلال الحسم العسكري للقطاع، حيث اتهموا رجال “حماس” بأنهم ألقوا شخصاً من أفراد “فتح” من أعلى العمارة فمات، ثم تبين أن الذين قاموا بالجريمة هم بعض الفتحاوية ظناً منهم بأن الرجل من “حماس” لأنه كان ملتحياً!
ولعل الصورة الفضيحة ما تزال عالقة بالأذهان، حين قامت إحدى الصحف العربية المشهورة بتغيير مواقع بعض الرؤساء الغربيين وهم يسيرون جنباً إلى جنب وخلفهم رئيس عربي – سابق مخلوع – فنقلت صورة ذلك الرئيس العربي وجعلته أمام الرئيس الأمريكي، بينما الصورة الحقيقية أنه كان يمشي خلفهم!
ومن تزييف الحقائق ما يروجه إعلام الانقلابيين إلى يومنا هذا من أن رجالاً من “حماس” دخلوا الأراضي المصرية خلال ثورة 25 يناير وأخرجوا المساجين، وقاموا بأعمال تخريبية.
ثم يتضح أن من بين الأسماء التي ذكروها شهداء سقطوا قبل تاريخ الحدث الذي يتكلمون عنه، وآخرين أسرى في السجون “الإسرائيلية” من قبل الأحداث إلى اليوم!
من صور تزييف الحقائق ما يقوم به إعلام النظام السوري، وبعض القنوات العربية خاصة التابعة لـ”حزب الله”، من محاولة لتبرير جرائم النظام السوري وتدميره للمناطق السكنية ومن ضمنها المساجد والأسواق وسقوط العشرات من الضحايا من الأطفال والشيوخ والنساء، والزعم بأن القصف كان على مواقع عسكرية، أو أماكن يتحصن بها الثوار!
بل من الكذب والتزييف الزعم بأن قصف مستشفى القدس في حلب أنه تم من قبل المعارضة السورية، والكل يعلم بأن التدمير تم من قبل طيران حربي، فمتى كانت المعارضة تمتلك طائرات؟!
ومن صور التضليل الإعلامي ما تمارسه بعض القنوات الرسمية العربية في اتهام أي معارضة سلمية بأنها خروج على الحاكم، وبأنها تسعى لتدمير البلد وتمزيق الشمل وشق وحدة الصف.
واتهام أي معارضة وطنية صادقة بأنها ذات ولاءات خارجية، وقد شاهدنا إحدى القنوات وهي تزعم بتواجد ومشاركة مواطنين خليجيين في مظاهرات وقعت في بلد خليجي آخر، وكان الخبر عارياً عن الصحة تماماً!
أعتقد بأن أفضل ما يُواجَه به هذا التضليل الإعلامي هو زيادة الوعي لدى الشعوب العربية، وبأهمية التأكد من الخبر والمعلومة قبل تصديقها، وبتنويع مصادر الخبر حتى تتضح حقيقته، وعدم الحكم على فرد أو جهة أو جماعة أو حزب أو رئيس، حتى نتبين صدق المعلومة من كذبها.
وأعتقد بأن الإعلام الذي لا ينقل الحقيقة سيفقد مصداقيته لا محالة عند العقلاء، ويصبح إعلاماً لا يستحق المتابعة، وشخصياً تركت متابعة إذاعة غربية مشهورة، بسبب عدم حياديتها في تغطية أهم الأحداث التي وقعت في بلد عربي شهد انقلاباً عسكرياً.
فإما إعلام صادق ونزيه، أو إلغاء المتابعة.