الذين عرفوا أخي هشام النصف، يرحمه الله، رأوْا فيه رجلاً أوقف نفسه وعلمه وتخصصه لمنفعة الناس، لا يرد طارق ليل ولا ساعي نهار سواء جاء إلى العيادة في مستشفى الصباح أو احتاج للانتقال إليه في البيت إن كان مسناً أو عاجزاً عن الخروج، وبالأمس كان موعد انتقاله – هو – إلى من يجازي الحسنة بعشر أمثالها، ويجزل العطاء لأحب الناس؛ “أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ”، انتقل صاعداً إلى جوار ربه في ليلة اكتمل بدرها كأكمل ما يكون، وانطلق من بين جلسائه وأحبائه المحيطين به في ديوان النصف، غادرهم مبتسماً بينما هم مصدومون، يقول عنه ابنه عبدالرحمن: لم أر والدي طوال عمري مثلما رأيته الْيَوْمَ، وجهه كان يتلألأ بهجة، مبتسماً بانشراح ظاهر، كأنما يشاهد شيئاً ممتعاً وجميلاً.
نعم، نيل الثواب والأجر من خلال العمل نموذج قدمه بشكل باهر.
أخي هشام النصف، يرحمه الله، كان يعمل بيده ورجله، فكم من مريض في مباني مستشفى الصباح الكثيرة احتاج إلى استجابة سريعة، لا ينفع معها المشي البطيء، فهذا طفل في قسم الأطفال يختنق بسبب انسداد الحنجرة وقد ازرق لونه، وفجأة يصل إليهم د. هشام وهو يلهث من الجري فيفتح له ممراً ليصل الهواء إلى الحنجرة أو يدخل أنبوباً رقيقاً فينجو الطفل من الموت، وكم من مسن متعدد الأمراض احتاج إلى عناية خاصة، سواءً كان في المستشفى أو في البيت، قدمها له هشام محتسباً ذلك عند الله، وفي فترة الاحتلال الغاشم كان يرتاد بيوتاً لا يغادرها أهلها لظروف مختلفة فيقدم لهم العلاج الذي لم يقتصر على تخصصه، فهذا جريح من المقاومة احتاج إلى استخراج تسع رصاصات ورعاية يومية لجراحه، وذاك مقعد لا يسهل انتقاله إلى المستشفى، وتلك امرأة مسنة، إنه رجل الوقف في تخصصه، وفي زماننا كثر المتحدثون وتفننوا في رص الكلام، فإذا اختبرت أكثرهم في موقع عمله رأيت فعله يكذب قوله، ولو أن كل صاحب اختصاص مارس ما يقول تطبيقاً؛ لتغيرت الحال كثيراً.
يرحمك الله أبا عبدالرحمن، والله أسأل لأختي أم عبدالرحمن وأبنائها وبناتها الصبر والاحتساب في هذا المصاب، والعزاء فيه أن الرجل رحل ترافقه شهادات الناس العاطرة، وذرية طيبة ترتاد مجالات الخير كلها على نحو سيرة والدهم الطيبة.
“إنا لله وإنا إليه راجعون”.