وصل الإسلام إلى أفريقيا في بداية الدعوة النبوية، حيث هاجر الصحابة – رضوان الله عليهم – إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة النبوية، ثم امتدت الفتوحات إلى مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجنوباً إلى السودان وغرباً إلى شمال أفريقيا، ففي القرن الأول الهجري سنة 46، القرن الخامس الميلادي شعّ نور الإسلام في وسط القارة الأفريقية حيث مملكة كانم الإسلامية، ومن ثمّ توالت الفتوحات فامتد نور الإسلام إلى جنوب القارة الأفريقية حيث بلاد موسى بن بيق (موزمبيق) ومن هناك انداح إلى السواحل الشرقية والجنوبية من القارة ليعم الإسلام القارة كلها مع اختلاف في عدد المنتسبين لهذا الدين من بلد إلى آخر، فدخلت قبائل وشعوب مختلفة في القارة الأفريقية إلى دين الله عز وجل، ولذا فإنها تعد بحق قارة الإسلام الأولى، حيث احتوى الإسلام جميع الحواجز القبلية والعادات الاجتماعية ليعمَّ جميع القارة الأفريقية فما من إقليم أو دولة أو قبيلة إلا يوجد من بينهم مسلمون.
وهؤلاء المسلمون إما أغلبية في إقليمهم أو دولتهم أو قبيلتهم، أو أقلية، ورغم ضعف الفارق في الأثر بين الأقلية والأغلبية، في بلاد لا يزال يملك المستعمر فيها أغلب أسباب التأثير، إلا أن العمل الدعوي يتأثر بهذا الوصف، فالعمل بين الأقلية غيره بين الأغلبية رغم التشابه في أكثر الأشياء.
والأقلية قد تكون أقلية عددية بحيث لا تتجاوز نسبة المسلمين 33% من تعداد الدولة أو القبيلة، وربما تكون أقلية سياسية بحيث ينعدم أو يضعف تأثيرهم ومشاركتهم في العمل الإداري والسياسي رغم كثرة عددهم وتجاوزهم لوصف الأقلية من حيث العدد.
ويوهم بعضهم في الكتابات عن الأقلية المسلمة حين تدرج دول إسلامية ومؤسسة لمنظمة التعاون الإسلامي بناء على التقارير الإحصائية لبعض المنظمات الغربية أو الأمم المتحدة أو موقع الـ”C.I.A” ضمن دول الأقليات المسلمة، وعلى ضوء تلك الأرقام يبنون رؤاهم في تحديد الأقليات المسلمة في قارة الإسلام القارة الأفريقية.
وإذا ما اعتمدنا النسبة المئوية 33% فإن الدول التي تعيش فيها أقليات تنحصر في مناطق بعينها، ففي الشرق يصعب تحديد المسلمين باعتبارها أقلية في كل من كينيا وإثيوبيا وتنزانيا فهم يشكلون هنا أما أغلبية أو أغلبية بسيطة كما في حالة دولة جنوب السودان، لكننا في وسط القارة والتي تشمل عدداً كبيراً من الدول تتمثل في كل من بروندي ورواندا والكونغو الشعبية، والكونغو الديمقراطية، والجابون، وأفريقيا الوسطى، وغينيا الاستوائية وساوتومي وبرنسيب، أما الكاميرون فإن نسبة المسلمين فيها تتجاوز الـ45% فإنهم بهذا لا يعدون أقلية من حيث العددية، ولكنهم أقلية من حيث التمثيل السياسي والإداري، أما الدولة الوحيدة في وسط القارة التي تعتبر دولة مسلمة فهي جمهورية تشاد حيث نسبة المسلمين تتجاوز الـ85%، ومع ذلك نجد لدى بعض الكتاب تدرج ضمن دول الأقليات المسلمة، ولعمري أن ذلك لأمر غريب!
أما في غرب القارة الأفريقية، فإن الدول ذات الأقلية تتمثل حالياً في كل من بنين، توجو، غانا، الرأس الأخضر، غينيا بيساو، سيراليون، ليبريا، علماً أن كل من غانا وليبريا في بعض الإحصائيات تتجاوز نسبة المسلمين فيها الـ33%، أما دول جنوب القارة والمحيط الهندي فإنها تعد فعلا مناطق الأقليات المسلمة إذا ما استثنينا دولة ملاوي حيث نسبة المسلمين فيها تتجاوز الـ33%، بل أثناء زيارتي لهذه الدولة أكثر من مرة لاحظت قوة المسلمين على الشارع العام، وهو ما يعيد بنا إلى مقدمة الحديث بأن مفهوم الأقلية تختلف أحياناً من حيث القوة والتأثير عن العدد، فالمسلمون في السنغال يتجاوزن الـ90%، إلا أنهم في الوظيفة العامة يعتبرون أقلية وكذا الحال في كل من تشاد والكاميرون وغيرهما من البلاد ذات الأغلبية المسلمة أو الأغلبية البسيطة.
ومن أهم المقترحات العملية لمواجهة هذه التحديات التي تواجه الأقلية في العموم تتمثل في إشكاليات الهوية:
أولاً: بناء شخصية متكاملة في عقائدها، وعباداتها، وأخلاقها، وثقافتها، وسلوكها اليومي، وهذا يعني:
الاهتمام بأصول العقائد الإسلامية من الإيمان بالله وبكتابه وبرسوله وبملائكته وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وذلك من خلال معرفة النصوص الواردة في القرآن والسنة المبينة لهذه الأصول وترجمتها وتبسيط معانيها لتصل إلى جميع أفراد المجتمع الجديد أو أغلبها، من خلال الخطب والمحاضرات أو الدروس والدورات أو الكتب والمطويات أو الصحف والقنوات، فلا يمكن لمن يفقد التصور الحقيقي لله ولرسوله ودينه أن يشعر بالغبطة والتميز بما يسره الله له من الهداية والتوفيق.
العناية والحرص على العبادات من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وحج وعمرة ودعاء وقراءة للقرآن، لتمنح المسلم طاقة تؤهله للبقاء والسير بين هذه المجتمعات دون أن تخدش الشبهات أو الشهوات إرادته وتحطم قدرته على البقاء.
استكمال بنائه المعرفي سواء فيما يتعلق بالإسلام وأحكامه وشرائعه أو بالتاريخ الإسلامي ورموزه وسير أبطاله وصنَّاعه، ابتداء بالسيرة النبوية والصحابة وأمهات المؤمنين وانتهاء برموز المسلمين في بلد الأقلية نفسها.
الثقافة الأخلاقية: تفتقد بعض مجتمعات الأقلية إلى العناية بالثقافة الأخلاقية نظرياً وعملياً رغم عناية الإسلام بها، وكثرة النصوص الخادمة لها في الكتاب والسُّنة ولذلك لا بد من العناية بالأخلاق وعرضها من خلال النصوص الشرعية أو من خلال القصص والأمثال.
العناية بالأحكام الأساسية في بيان المحرمات والواجبات التي لا يعذر في فعلها أو في تركها أحد، وهذه العناصر تبني عند المسلم هوية علمية وعاطفية وتشعره بالتميز وتغذي عنده شعور الاعتزاز بالذات ولا يمكن توفر هذه العناصر إلا من خلال وسائل خاصة لها، ومن أهمها:
أ- بناء المساجد والمراكز الإسلامية وتوفير أسباب نجاحها في إشباع حاجة المجتمع المسلم الثقافية والعاطفية.
ب- بناء المدارس والمعاهد المتخصصة في تعليم اللغة وعلوم الشريعة.
جـ- تأليف الكتب وترجمتها .
د- افتتاح دور نشر للكتب وإنتاج البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
هـ-تدريب المدرسين .
و-تدريب الخطباء والمحاضرين على أفضل الطرق في إيصال المعلومات إلى الجمهور.
ز- كتابة تاريخ الأقلية وتأصيل وجودها .
تبني خطاب هادٍ ومعتدل يركز على الأصول العقدية بعيداً عن الإثارة والمواجهة.
ثانياً: رفع الشعور بالانتماء للمجتمع المسلم والارتباط به:
لا بد أن يشعر المسلم بالحاجة إلى مجتمعه المسلم، ويدرك بأن بقاءه وقيمته في ارتباطه بهذا المجتمع، ولكن هذا الشعور لا يمكن أن ينشأ إلا من خلال عوامل وأدوات علمية يجب أن يهتم بها المجتمع المسلم ويعني بها وأهمها:
1- الاهتمام بحضور العبادات الجماعية مثل صلاة الجماعة في المساجد والمصليات.
2- العناية بالمناسبات الدينية ذات الطابع الاجتماعي كالعيدين، ومحاولة التوسع في نشر البهجة والفرح في تلك المناسبة، ووضع البرامج الجاذبة والمفيدة لجميع فئات المجتمع المسلم من رجال ونساء وأطفال.
3- توثيق العلاقات الاجتماعية وإشاعة الروابط الأسرية من خلال الاهتمام بمناسبات الزواج والولادة وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
ثالثاً: بناء المؤسسات الخادمة للمسلمين خاصة وللمجتمع عامة:
فلا بد أن تسعى الأقلية في بناء مؤسسات تخدم حاجتها الضرورية، وتقدم من خلالها تميزها الثقافي والإداري والحضاري، وتستقطب من خلالها نخبة المجتمع الذين ينزعون إلى الفطرة ويعجبهم الالتزام الأخلاقي والنمط الحضاري الإسلامي،وأهم هذه المؤسسات :
المؤسسات التعليمية.
مؤسسات العلاقات العامة والتواصل الأممي داخليا وخارجيا.
المؤسسات التجارية.
(*) باحث في الداراسات الأفريقية والقانونية.