أعرب الخبير العربي الأمريكي في شؤون الإرهاب والشرق الأوسط، رياض محمد، عن اعتقاده بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بات يتبنى “سياسة عسكرية تأديبية” تجاه رئيس النظام السوري بشار الأسد، لكنه لن يطيح به عسكرياً، حيث يفضل رحيله عبر حل سياسي تتوافق بشأنه الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وإن وصف هذا الخيار بالصعب؛ لاحتمال انهيار النظام السوري تماماً.
ورجح محمد، في تصريحات لـ”الأناضول”، ألا يكتفي الأسد بالهجوم الكيميائي الأخير، بأن يرتكب حماقة أخرى، ربما يرد عليها ترمب بهجوم أكبر من قصف قاعدة الشعيرات الجوية يدمر سلاح الطيران والدفاع الجوي السوري تماماً، مستبعداً في الوقت نفسه أن يتصاعد التوتر بين واشنطن وموسكو، الداعم العسكري والسياسي للنظام السوري، إلى مواجهة عسكرية.
وخلال الحملة الانتخابية التي أوصلته إلى البيت الأبيض، تبنى ترمب خطاباً شعبوياً يدعو إلى عزلة واشنطن وعدم التدخل في شؤون الآخرين، لكن سياسته في الفترة الأخيرة، ولاسيما الهجوم الصاروخي في سورية جاءت على عكس خطابه؛ ما أضفى غموضاً على السياسة الخارجية للرئيس الجمهوري صاحب السبعين عاماً.
ضغوط ومؤثرات
الخبير الأمريكي قال: إن ترمب جاء إلى البيت الأبيض (يوم 20 يناير الماضي)، محملاً بوعود كثيرة، لكن شأنه شأن سلفه باراك أوباما (2009 – 2017م) ورؤساء أمريكيين آخرين كثر اصطدم بوقائع الأمور.
ومضى موضحاً أن المشهد في المكتب البيضاوي يختلف عما يبدو عليه من منصة خطابات ترمب في حملته الانتخابية، لذا وقعت أمور دفعته إلى التقليل من غلواء ما كان ينادي به من آراء لا يتفق عليها أغلب أعضاء مؤسسة واشنطن السياسية.
وضرب مثلاً بالتغييرات في البطانة الداخلية للرئيس ترمب، حيث شهدت خلال فترة قصيرة مثلاً استقالة مستشاره للأمن القومي، مايكل فلين، على خلفية تضليله نائب الرئيس، مايكل بنس، وآخرين في البيت الأبيض، وحلول عسكري غير تقليدي محله، وهو الجنرال هربرت مكماستر.
وعلى غير الحقيقة، نفى فلين أن يكون قد أجرى، قبل وصول ترمب إلى الحكم، اتصالات مع السفير الروسي في واشنطن ناقش خلالها العقوبات الأمريكية على موسكو، وهو ما يمثل انتهاكاً لقانون يمنع المواطنين العاديين من التفاوض مع حكومات أجنبية.
كما جرت، بحسب محمد، إزاحة مستشار ترمب الإستراتيجي ستيف بانون من مجلس الأمن القومي، وإعادة كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة جوزيف دانفورد، ورئيس مكتب الاستخبارات الوطنية دان كوتس إلى عضوية المجلس الدائمة، وإضافة مدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، والمندوبة الأمريكية لدى منظمة الأمم المتحدة نيكي هايلي.
وخلص إلى أن هذه الضغوط والمؤثرات دفعت بترمب إلى شن الهجوم الصاروخي على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للنظام السوري في محافظة حمص (شمال)، وهو ما عده كثيرون افتراقاً واضحاً عن نهج سلفه أوباما.
وقتل أكثر من 100 مدني، وأصيب ما يزيد على 500، أغلبهم أطفال، باختناق، في الرابع من الشهر الجاري، إثر هجوم بأسلحة كيميائية على بلدة خان شيخون (إحدى مناطق سيطرة المعارضة) في ريف إدلب شمالي سورية، في اعتداء قالت واشنطن: إنها تمتلك أدلة سرية تثبت ضلوع نظام بشار الأسد فيه، بينما ينفي الأخير مسؤوليته.
بعد ثلاثة أيام، ورداً على هذا الهجوم، شنت الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً بصواريخ عابرة من طراز “توماهوك” على قاعدة الشعيرات، مستهدفة طائرات للنظام ومحطات تزويد بالوقود ومدرجات المطار.
الخبير الأمريكي، الذي يكتب لمؤسسات إعلامية أمريكية، بينها “فورين أفيرز”، و”سي إن بي سي”، أعرب عن اعتقاده بأن مشاهد الهجوم على خان شيخون، وحماقة الرئيس الأسد، وما أشيع عن ضغط إيفانكا ابنة ترمب، إضافة إلى اعترافه هو (ترمب) بأن كل مساعديه أعربوا عن بشاعة مشاهد الهجوم، كل ذلك أسهم في تغيير سياساته بخصوص الأسد إلى سياسة أكثر واقعية.
ورغم وصفه للضربة الأمريكية بأنها تأديبية محدودة، لكنه اعتبر أنها تمثل أول تعبير عملي عن افتراقه عن سلفه أوباما، برسالة مفادها: عندما يتم تجاوز الخطوط الحمراء معنا، فلن نتردد في استخدام القوة.
وتطالب المعارضة السورية برحيل الأسد، الذي يحكم سورية منذ عقب وفاة والده الرئيس حافظ الأسد، وأودى القتال المتواصل بين قوات النظام والمعارضة منذ أكثر من 6 سنوات بحياة ما لا يقل عن 310 آلاف شخص، أغلبهم مدنيون، فضلاً عن تشريد الملايين، وفق الأمم المتحدة.
مصير الأسد
لكن التطورات على الساحة الأمريكية، ولاسيما قصف قاعدة الشعيرات السورية، بحسب الخبير الأمريكي، تؤشر على أنها (إدارة ترمب) لا تزال تخشى أن تقوم هي بالإطاحة به (نظام الأسد) عن طريق التدخل العسكري، خاصة بعد الكوارث التي حدثت في العراق والشرق الأوسط بعد الإطاحة بصدام حسين (عبر غزو دولي قادته واشنطن) عام 2003م، وكذلك ما حدث في ليبيا واليمن (عقب الإطاحة بالنظامين الحاكمين).
ومضى محمد قائلاً: لذا فإن أي إدارة أمريكية أو أي حكومة في العالم عامة ستفكر كثيراً وبجدية قبل الإطاحة بدكتاتور جديد في الشرق الأوسط، خصوصاً وأن تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” هما من أبرز معارضي الأسد.
وأردف موضحاً أن إدارة ترمب لا تزال راغبة في تغيير الأسد سياسياً، بالتعاون مع روسيا، إلا أن هذا يجب أن يتم عن طريق يقبل به الروس، وهو أمر ليس سهلاً تحقيقه.
ورجح أن الروس سيميلون إلى تغيير الأسد إذا أمكن توفير بديل له من داخل النظام عبر شخص غير متورط بهذا الكم الهائل من الدماء، ويحافظ في الوقت نفسه على المصالح الروسية في سورية، ويتوصل إلى اتفاق سلام مع المعارضة التي تعتبرها واشنطن وموسكو معتدلة، إضافة إلى الأكراد، لكي يستطيع هؤلاء بعد ذلك شن حملة شاملة لطرد “داعش” و”النصرة” من المناطق التي تحتلها.
غير أنه وصف هذا الخيار بـ”الصعب”، معتبراً أن نظام الأسد ضعيف لدرجة أن محاولة تغييره من الداخل ستؤدي إلى انهياره بالكامل.
حماقة أخرى
وبحسب الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فإنه من الصعب التنبؤ بتصرفات الأسد، فستبوء بالفشل أي محاولة عقلانية لفهم سبب شنه الهجوم الكيميائي بعد يومين فقط من تصريح واشنطن بأنها تخلت عن سياسة تغيير الأسد.
واعتبر أن رد الفعل العقلاني لنظام الأسد على الضربة الصاروخية الأمريكية هو ببساطة عدم تكرار الهجوم الكيميائي، لكن الدعم الروسي لنظام الأسد واستخدام موسكو “الفيتو” (حق النقض) في مجلس الأمن الدولي لمنع تشكيل لجنة تحقيق وإدانة الهجوم الكيميائي، ربما يقود الأسد إلى حماقة أخرى.
ورجح أن خطوة كهذه ربما تدفع واشنطن إلى الذهاب إلى أبعد مما حدث في السابع من الشهر الجاري، بأن تشن ضربات أكبر ربما تدمر كلية سلاح الجو السوري والمطارات السورية، وربما تمحو الدفاع الجوي السوري بالكامل، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى توتر أكبر في العلاقات الأمريكية مع روسيا.
ومستبعداً أن يؤدي مثل هذا التصعيد إلى مواجهة عسكرية بين موسكو وواشنطن بسبب نظام الأسد، ختم محمد بقوله: لست على يقين أن أهمية الأسد قد تقود روسيا إلى تصعيد عسكري خطير مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن لموسكو سوابق في حالات أخرى، لاسيما مع تركيا، حيث لم تلجأ إلى التصعيد العسكري، سواء بعد مقتل السفير الروسي في أنقرة (19 ديسمبر الماضي) أو إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على الحدود التركية السورية، في 24 نوفمبر 2015م.