– عندما يتم ذكر دولة الكويت أول ما يطرأ على الذهن العمل الخيري
– للرحمة العالمية دور ريادي في مساعدة الأسر البوسنية
– كل الشباب التابعين للمشيخة الذين تخرجوا فيها بعيدون عن التنظيمات الإرهابية
– المرأة البوسنية تحملت من الصعوبات والمعاناة أكثر من الرجال أثناء الحرب وبعدها
أكد الشيخ حسين كفازوفيتش، مفتي جمهورية البوسنة والهرسك، أن المسلمين في البوسنة والهرسك حافظوا على إيمانهم وإسلامهم على مر العصور، وأن النظام الشيوعي الإلحادي الذي ظل جاثماً عشرات السنين لم يتغلغل كثيراً في نفوس المسلمين، وذكر في الجزء الثاني من حواره مع «المجتمع» أن المشيخة الإسلامية في البوسنة تسعى إلى محاربة الفكر المتشدد، وأنه لم يلتحق أحد من الشباب المتخرجين فيها بأي منظمة إرهابية، وأشار إلى أن نسبة البوشناق الذين التحقوا بالتنظيمات المتطرفة ضئيلة جداً مقارنة مع أعداد الذين التحقوا بالتنظيمات المتطرفة من بريطانيا وفرنسا والنمسا.
تطرق مفتي البوسنة لدور الكويت والرحمة العالمية المتميز والرائد في مجال العمل الخيري والإغاثي سواء في البوسنة والهرسك أم في باقي دول العالم، وهو الدور الذي توج فيه سمو أمير البلاد قائداً للعمل الإنساني عن جدارة واستحقاق، وفي هذا السياق، أكد الدور البارز لجمعية الإصلاح الاجتماعي ومؤسسة الرحمة العالمية التابعة لها بصورة خاصة في العمل الخيري بالبوسنة والهرسك.
* كيف حال المسلمين في البوسنة بعد مرور 30 عاماً من التحرير؟ هل بدأ الإسلام يغزو القلوب ويعود المسلمون إلى دينهم؟
– الإسلام كان وما زال في قلوبنا نحن المسلمين في البوسنة، ولكننا بعد التحرير استطعنا أن نظهر إسلامنا في الشوارع والساحات وفي سبل حياتنا المختلفة، فالمسلمون في البوسنة والهرسك حافظوا على إيمانهم وإسلامهم على مر العصور، والنظام الشيوعي الإلحادي الذي ظل جاثماً عشرات السنين لم يتغلغل كثيراً في نفوس المسلمين، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى، فالمسلمون في البوسنة بخير.
* ما دور المشيخة في محاربة التطرف وخصوصاً «تنظيم الدولة» (داعش)؟
– كل الشباب التابعين للمشيخة الذين تخرجوا فيها لم يلتحق أحد منهم بأي تنظيم إرهابي، مع أن هناك شباباً بوسنيين تعرضوا لغسيل المخ، ومن ثم التحقوا ببعض التنظيمات الإرهابية، ولكن هؤلاء الشباب لم يتخرجوا في المشيخة، وليسوا من شبابها، وهؤلاء الشباب البعض منهم قُتل والبعض الآخر ما زالوا منتسبين لتلك الجماعات المتطرفة، والمشيخة كانت وما زالت تنادي وتحذر المسلمين من أن التنظيمات الإرهابية لا نعرف هويتهم الحقيقية، ولا من الذي قام بصناعتهم؛ لأننا نحن المسلمين ننطلق من آية قرآنية: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (المائدة:32)، هذه قاعدة قرآنية، ونحن ننطلق منها، ودائماً نردد ذلك، وأنا أجزم أنه قد يكون بين المسلمين متطرفون، كما يكون بين الشعوب والأديان الأخرى.
وسياسة المشيخة هي منع ومحاربة انتشار هذا الفكر بين المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي كل دول البلقان؛ لأن علماء البوسنة لهم تأثير على المسلمين خارج البوسنة وداخلها، وإذا قارنا عدد البوشناق الذين التحقوا بالتنظيمات المتطرفة، مع أعداد الذين التحقوا بالتنظيمات المتطرفة من بريطانيا وفرنسا والنمسا، سيكون العدد ضئيلاً جداً، فعدد البوشناق الذين التحقوا بتلك التنظيمات لا يتجاوز سبعين شخصاً، وهذا عدد لا يذكر من بين مليوني مسلم بوسني، وظاهرة التطرف أصبحت معضلة عالمية.
* هل قمتم بحملة توعية في البوسنة؟
– نعم، كل البوشناق سواء السياسيين أم العلماء جبهة واحدة في توعية الناس ومحاربة التطرف في المدارس والكليات والمساجد.
* ما دور المرأة البوسنية في المجتمع؟
– المرأة البوسنية المسلمة أثبتت بطولة منقطعة النظير أثناء الحرب وبعدها؛ فهي تحمّلت من الصعوبات والمعاناة أكثر من الرجال، حيث رعت أطفالها وقامت بشؤون بيتها في ظل ندرة الطعام والمياه والدواء، وغياب البنية التحتية والمرافق العامة، وقامت بتربية الجيل الجديد، حينما كنا على الجبهة مشغولين بالدفاع عن دولتنا وحُرماتنا، فهي قامت بدور لا يستطيع أعتى الرجال أن يقوموا به، ولو قاموا به لفشلوا، على حين نجحت هي بامتياز.
* يتعرض المسلمون في بعض الدول مثل ميانمار وتايلاند وكشمير وغيرها أمام أعين العالم للإبادة، في ظل صمت رهيب من الجميع، فماذا تقول عن ذلك؟
– للأسف الشديد هذا ما يحدث بالفعل، ونستطيع القول: إن العالم الإسلامي به الكثير من المشكلات الداخلية سواء في الدولة نفسها، أو مع الدولة الجارة المسلمة، فنحن للأسف مشكلاتنا فيما بيننا محتدمة ومشتعلة، لهذا فالآخرون ينتهزون تلك الفرصة للتطاول على المسلمين، فالمسلمون في ميانمار (بورما) يتعرضون لإبادة جماعية مثلما حدث في البوسنة والهرسك في فترة التسعينيات، والدول العربية والإسلامية مشغولة بما يحدث لها في الداخل وفي دول الجوار.
* الأسرة نواة المجتمع، فما الأسس التي على نهجها يتم إعداد الأسرة تربوياً ودينياً؟
– نحن نربي الأسرة من منطلق أن هناك ثواباً وعقاباً، وأن يوم القيامة آت، وكل إنسان سوف يتعرض للحساب؛ لأنه مسؤول عن كل عمل قام به، هكذا نربي أطفالنا؛ لأن الحياة ليست قاصرة على الحياة الدنيا فقط، بل هناك حياة أخرى فيها الثواب والعقاب؛ لذا لا بد أن نتمسك بالقيم الأخلاقية ونحترمها ونؤمن بها.
وبتعاليم ديننا السمحة نتعايش مع الجميع في المجتمع البوسني، سواء كان الشخص الذي نتعايش معه مسلماً أو غير مسلم؛ لأننا نتعامل مع الإنسان كونه إنساناً بصرف النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو الطائفة، وتلك هي أهم القيم الذي نربي أطفالنا عليها، ولقد دعمت الرحمة العالمية العديد من الأنشطة التربوية في البوسنة.
* فيما يتعلق بمحور العمل الخيري، حصل سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد على لقب «قائد العمل الإنساني»، والكويت «مركز العمل الإنساني».. هل أصابت الأمم المتحدة عندما منحت الكويت وأميرها مكانة عالمية فيما يتعلق بالعمل الخيري والإنساني؟
– نعم، أصابت مائة في المائة، أنا أتحدث عن البوسنة والهرسك، وتستطيع تطبيق قولي هذا على أي بقعة في العالم، عندما يتم ذكر دولة الكويت، أول ما يطرأ على الذهن العمل الخيري، فالكويتيون بذلوا في البوسنة والهرسك جهوداً طيبة، تقبلها الله منهم، ليس فقط في المجالات الدينية، بل وفي المجال الإنساني أيضاً، سواء كان ذلك للمسلمين أو لغير المسلمين، فهم لا يميزون بين هذا وذاك فيما يتعلق بالعمل الإنساني، سواء في المدارس أو المستشفيات وفي فرص العمل، وإذا عددنا المشاريع الكويتية في البوسنة فسوف يطول بنا الحديث، فلا يوجد في الكويت إنسان إلا وتبرع للبوسنة والهرسك، هكذا نشعر نحن في البوسنة، من كثرة المشاريع الكويتية عندنا.
* ما دور جمعية الإصلاح الاجتماعي في البوسنة؟
– جمعية الإصلاح لها دور كبير جداً في العمل الخيري، أنا شخصيا أفتخر بها، وعلى سبيل المثال؛ جاءنا في أثناء الحرب عام 1994م شاب كويتي اسمه عبدالعزيز جيران في توزلا، وكان لا يتحدث كثيراً، ويكثر الاستماع إلينا، ونحن كنا في حالة سيئة، ونكثر له الشكوى فيستمع ويقوم بالتسجيل، ولم يعدنا بشيء، ثم سافر إلى الكويت، وعندما رجع إلينا مرة أخرى، جاءنا بمشروع بناء مدرسة إسلامية، وهي الآن أكبر مدرسة في البوسنة والهرسك، من حيث عدد الطلاب، ثم بدأنا في بناء روضات الأطفال، والمشافي الصحية، فضلاً عن إعادة بناء البيوت المهدمة التي تم إنجاز العديد منها، فهذا نموذج واحد من نماذج شتى، وأنا مراراً وتكراراً أردد أنني أحب هؤلاء الرجال.
* ما دور الرحمة العالمية التابعة لجمعية الإصلاح في البوسنة والهرسك؟
– دورها كبير كونها امتداداً لجمعية الإصلاح، ولها مشاريع عديدة منها الذي تم الانتهاء منه، ومنها ما هو تحت الإنشاء، وهناك مشاريع مستقبلية، ونحن دائمو التخطيط سوياً لتنفيذ ما يحتاجه المسلمون في البوسنة، سواء ما يتعلق بالمشيخة، أو ما يتعلق بالمسلمين البوسنيين الذين لجؤوا إلى الخارج ثم عادوا بعد انتهاء الأزمة، وللرحمة العالمية دور ريادي في مساعدة الأسر البوسنية حتى تنهض على قدميها، فقد ساعدت الرحمة العديد من الأسر في شراء الأبقار والجرارات والمحاريث الزراعية، وغيرها من الآلات؛ للمساعدة في إحياء ونهوض تلك الأسر وتخليصها من الحاجة والعوز، وهذا الأمر ساهم في نهوض المسلمين في قراهم ومدنهم، كما قامت ببناء عشرات المساجد.