إنّ من حكم المولى سبحانه وتعالى في الكون أن تتفاوتَ أرزاق البشر، وتتباين مَلَكاتهم وحاجاتهم، فأحدهم مستطيع، وآخر عاجز، وأحدهم غني، والآخر فقير، وقد حرص الإسلام أشد الحرص على جعلِ المسلمين أمةً يتكافل أفرادُها فيما بينهم، ويتعاون بعضُهم مع بعض، الغني يجعل غناه في قضاء حاجة الفقير، والميسر يعين المعسر، وفي هذا المعني يأتي قوله سبحانه وتعالى ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ (التوبة: 71)، قال الشوكاني رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله، ومن الأدلة أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (رواه مسلم، برقم 4691)، وهذا يدل على وحدة المسلمين وترابطهم، وأنه لا بد أن يهتم المسلم بشأن إخوانه فهم كالجسد الواحد، ولا يتصور أن يهمل الإنسان عضواً من أعضاء جسده فيتركه ولا يتحسس آلامه.
وهذا ما سوف نستعرضه في هذه القصة الواقعية التي رواها لنا د. يعقوب يوسف جاسم الحجي، الباحث في التراث الكويتي، وفيها فزعة تجار الكويت من أجل إصلاح سفن المتضررين، ومن هؤلاء التجار محمد ثنيان الغانم، وكان أحد رجالات الكويت البارزين، وأحد التجار المعروفين بالشهامة والرجولة في عصره، وأنه سمع أن أحد نواخذة الكويت واسمه عبداللطيف وهو اسم رمزي تم استخدامه للتكنية، رغبة في عدم كشف هوية المستفيدين في هذه المواقف، وتقديراً للمصلحة بسرد القصة وتجنباً للحساسية من ذكر أسماء بعض شخوصها، وقد كسرت سفينته، وأنه لزم منزله حزيناً، لأنه لا يستطيع إصلاحها والإنفاق عليها، فبعث إليه التاجر محمد ثنيان الغانم كي يدعوه إلى ديوانه، فلما حضر سأله محمد ثنيان: ماذا تستفيد من جلوسك في البيت؟ قال له عبداللطيف: لقد كسرت السفينة ولا أستطيع إصلاحها، فقال له محمد ثنيان: أنا أعلم ما حدث لكم، وأدعو الله أن يعينني على مساعدتكم لكي تصلح سفينتك وتعود إلى نشاطك وإلى عملك، وتكسب قوتك وقوت من تعيلهم، فقال له: جزاكم الله خيراً، ولن أنسى فضلكم، فخطرت ببال محمد ثنيان فكرة طبية، وبادرة خير، تكون بداية الانطلاق لمساعدة النوخذة عبداللطيف، فأحضر محمد ثنيان الورقة والقلم وكتب فيها – ما يقارب هذا – “أنا محمد ثنيان الغانم تبرعت لعبداللطيف مبلغ وقدره 500 روبية” لإعانته على اجتياز المحنة، ثم أعطى محمد ثنيان الورقة لعبداللطيف وطلب منه المرور على باقي التجار بسوق التجار واطلاعهم على هذه الورقة، وبالفعل كان للتاجر محمد ثنيان ما أراد، فقد فهم التجار مقصده من وراء كتابة هذه الورقة، وأنه يريد من مبادرته مساعدة عبداللطيف، وأن يحذوا حذوه في التبرع لإنقاذ عبداللطيف، وبعد عرض الورقة على التجار لمدة عدة أيام تجمع لدى عبداللطيف مبلغ من المال يكفي لشراء سفينة جديدة بل ويزيد على ذلك.
وقد أثبتت التجارب أن أهل الكويت أهل فزعات، تظهر وحدتهم وألفتهم وقت الشدائد والمحن، وليس أدل على ذلك من المعدن الأصيل لأبناء الكويت الكرام في هذه الأوقات العصيبة، وقد يظن البعض أنه كان مقتصراً على أصحاب الأموال والميسورين فقط، وهذا رأي جانبه الصواب، فقد شارك الجميع في هذه الفزعات كل حسب جهده وطاقته، فكما تبرع التجار بالأموال، تبرع الصناع بالصناعة، وتبرع تجار الأخشاب بالأخشاب والمواد التي تحتاجها تلك السفن.