توضح هذه القصة الواقعية التي يرويها العم سعود عبدالعزيز الراشد عن والده وأصدقائه رحمهم الله تعالى جملة من الأخلاق الفاضلة التي تحلى بها أهل الكويت في كويت الماضي، حيث يروي قائلاً: كان أهل البادية يأتون إلى الكويت في ذلك العهد القديم يبيعون ما لديهم من بضائع يجدون لها رواجاً عند أهل الكويت، ومن أهم تلك البضائع الدهن والصوف والوبر والأغنام، وكان معظم أهل البادية يتركون أموالهم عند أهل الثقة من تجار الكويت، وفي أحد المواسم ترك أحد هؤلاء أمواله عند الوالد عبدالعزيز الراشد، فأخذ عبدالعزيز الراشد ذلك المبلغ دون أن يعلم مقداره، ونظراً لعدم توافر خزنة (تجوري) لديه في ذلك الوقت، أخذ المال وذهب به إلى صديقه التاجر حمد المديرس، ونظراً لتوافر تجوري لديه قبل أن يحفظ الأموال لديه.
وفي الموسم القادم جاء صاحب المال وطلب المعصب من عبدالعزيز الراشد، فسأله عبدالعزيز الراشد: كم كان فيه؟ قال له الأعرابي: ألف ريال فرنسي، فقال له عبدالعزيز الراشد: تعالَ غداً بعد صلاة المغرب، وكان الوالد قد نسي أنه ترك تلك الأموال أمانة عند صديقه حمد المديرس، فذهب مسرعاً إلى أحد التجار الكويتيين المعروفين، وقال له: أريد أن تقرضني مبلغ ألف ريال فرنسي على أن أستلمها منك غداً قبل المغرب، فوافق ذلك التاجر المعروف ولكن بشرط أن يكون المبلغ مقابل رهن بيت الوالد وليس على سبيل السلف ليضمن جدية السداد، فوافق الوالد على ذلك بدون تردد، وكتب ذلك التاجر كلمة قصيرة في وثيقة البيت تفيد برهنه تحسباً للحياة والممات وحفظاً للحقوق، واحتفظ بالوثيقة عنده في علبة حفظ الوثائق المهمة، وألصق عليها ورقة من الخارج تفيد أن بها وثيقة رهن البيت، وجهز المبلغ لعبدالعزيز الراشد الذي أخذه بدوره وسلمه لصاحبه، فعلى الرغم من أنه لم يتذكر المبلغ ولا يوجد مع صاحب المبلغ دليل على أنه تركه كأمانة عنده فإنه كان حريصاً على شراء سمعته وتوفير المبلغ حتى لو على حساب رهن بيته.
وعقب ثلاثة أشهر من تلك الواقعة جاء حمد المديرس إلى عبدالعزيز الراشد وقال له: لماذا لم تأخذ أمانتك يا أبا سعود، المعصب بالتجوري كما تركته عندنا من العام الماضي، حينها تعجب عبدالعزيز الراشد ورد عليه متعجباً: أي أمانة وأي معصب؟! فقال المديرس: فلوسك التي تركتها أمانة منذ عام، وطلبت منا حفظها لك، حينها تذكر الوالد تلك الأمانة، وذلك المبلغ الذي تركه عنده ذلك البدوي، فأخذ المال وذهب مسرعاً إلى التاجر المعروف ونسي أن يطلب منه فك الرهن على البيت، وشكره على مؤازرته وصبره على ذلك المبلغ.
ولكن القصة لم تنتهِ بعد، فعندما جاء دور بيت الوالد عبدالعزيز الراشد في التثمين، وكان من المعلوم عدم تثمين البيوت المرهونة، فلم يكن التاجر المعروف قد ألغى الرهن من وثيقة التثمين، فلما ذهب الوالد ليوثقها لإثبات أنه دفع مبلغ الرهن، وأن بيته خالص وملكه وليس عليه رهن، فوجئ بأن عبارة الرهن كما هي، ولم يتم إزالتها من الوثيقة، وبالبحث في دفاتر التاجر المعروف ثبت بالفعل أنه استلم المبلغ منذ فترة طويلة، ولكن للثقة المتبادلة وحسن النية عند الوالد لم يطلع على الوثيقة للتأكد من إزالة الرهن منها، وبمجرد مراجعة الحسابات والدفاتر مراجعة سريعة، ثبتت صحة ما يقوله عبدالعزيز الراشد، وأن بيته ليس مرهوناً فقام التاجر بإزالة الرهن بسرعة وانسيابية، وبناءً عليه تمت عملية التثمين بكل سهولة ويسر، وهذا جانب مؤثر آخر لتلك القصة الرائعة، يوضح ما كان عليه هؤلاء التجار من ثقة متبادلة، ودقة في التعامل.
WWW.ajkharafi.com