انتهت الانتخابات البلدية واللامركزية التي جرت في الأردن يوم أول أمس الثلاثاء، بمشاركة مليون و302 الف و748 مقترعاً ومقترعة، بنسبة مشاركة بلغت 31.7 في المائة من عدد الذين يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات.
ورغم الاحتفاء الحكومي والإعلامي بـ “النزاهة” غير مسبوقة للانتخابات، إلا أن نسب المشاركة المتدنية في المدن الأردنية الكبرى استطاعت تكدير الأجواء الاحتفالية، فبحسب الأرقام الرسمية التي صدرت عن الهيئة المستقلة للانتخاب بلغت نسبة المشاركة في العاصمة الأردنية عمان نحو 16 في المائة فقط.
أما في الزرقاء التي تعد من المدن الكبرى من حيث الكثافة السكانية، فإن نسبة المشاركة وصلت إلى نحو 20 في المائة، بينما كانت نسب المشاركة في محافظات إربد أفضل كثيراً بنسبة بلغت قرابة ال43 في المائة، أي أن نسب المشاركة في المدن الثلاثة الكبرى لم تتجاوز ال26 في المائة.
وتضم العاصمة عمان أكثر من مليونا ونصف المليون ناخب وناخبة، كما تضم إربد 750 ألف ناخب وناخبة، والزرقاء نحو 580 ألف. أي إن مجمل عدد المقترعين في هذه المحافظات الأكبر، عمان والزرقاء وإربد، يقرب من مليونين و800 الف ناخب وناخبة، ما يعادل ما نسبته 68 في المائة من مجمل أعداد المقترعين على مستوى البلاد.
وقد حيرت هذه النسب المراقبين للشأن الأردني، فرغم مشاركة الإسلاميين في الانتخابات وإنهاء حالة المقاطعة التي استمرت لعشرة أعوام، فإن النسب لم تتحسن كثيراً وبقيت متدنية تحديداً في العاصمة عمان التي تضم العدد الأكبر من الناخبين.
الكاتب الأردني محمد أبورمان تناول هذه الظاهرة في مقالة بعنوان “لماذا كل هذه السلبية؟” والتي نشرتها جريدة “الغد” في يوم الانتخابات وقال: “إن كل الانتخابات ، البلدية والنيابية واللامركزية، التي تجري في الأردن تعاني من معضلة عزوف العَمّانيين، عموماً، عن المشاركة، وبدرجة قريبة منهم، إربد والزرقاء”، مشيراً إلى أنّ الرهان الرسمي ما يزال في رفع نسبة التصويت في الانتخابات ، دائماً ما يعتمد على العامل العشائري.
ويعتقد أبو رمان أن سبب المعضلة “معادلة اجتماعية، تمر – عادةً- من دون طَرْح الأسئلة العميقة الجوهرية عن سبب هذه السلبية الكبيرة، ليس فقط تجاه الشأن السياسي الداخلي (البرلمان)، على فرض أنّ هنالك خيبة أمل من إمكانية إحداث تغييرات سياسية، بل حتى في البلديات، التي ترتبط بالخدمات الأساسية، وبإمكانية تحسين الحياة اليومية”.
وقد أيد الكاتب الأردني فهد الخيطان ما ذهب إليه زميله أبورمان بشأن عزوف العمانيين ، وأشار إلى “أن الأسئلة بهذا الخصوص صعبة ، لكنها موضوعية في ذات الوقت، وينبغي النظر إليها في سياق تاريخي وسياسي، لتفكيك وتحليل سلوك واتجاهات كتلة اجتماعية ضخمة، فلايمكن لأحد أن يشكك بوطنيتها أو انتمائها، لكنها كتلة تأسس وعيها على مفاهيم متشابكة بفعل ظروف تاريخية معقدة، دُرج على وصفها بإشكالية المواطنة في الأردن، وعلاقة المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني بالدولة”.
وتساءل الخيطان في مقالته المنشورة في “الغد”، إذا ما كان هذا العزوف عن المشاركة هو فعل موجّه ضد الدولة، يعود في جذوره إلى سردية تاريخية مستقرة في العقل الباطن لجمهور يرى نفسه خارج كيان الدولة ومؤسساتها، أم فعل احتجاج على ما يصنف بمظلمة الحقوق والواجبات التي تبرز كلما دار نقاش حول مواضيع مثل القبول الجامعي والمكرمات، والوظائف في الدولة خاصة في السلك العسكري والأمني؟”.
من جهته ذهب الكاتب الصحفي ، رومان حداد، في جريدة “الرأي” الحكومية إلى أن نسب الاقتراع الاقتراع المتدنية، “مؤشرعلى أن الأردنيين لم يستوعبوا تماماً فكرة اللامركزية، نتيجة ضعف في تسويق الفكرة من قبل الحكومة، وغياب الدعاية الحكومية أو برامج التوعية والتثقيف الضرورية ليفهم المواطن البعد الحقيقي للامركزية ودورها في إدارة المحافظة”.
وأضاف حداد في مقالته التي نشرت صباح اليوم، أن “غياب الشخصيات ذات الدلالة السياسية عن المشهد أضعف الإقبال على الانتخابات، علاوة على أن ” ضعف الأحزاب وابتعادهم عن التأثير على الشارع، يؤكد أن الحالة السياسية في الأردن تمر بمرحلة خداج حقيقي، ولا بد من القيام بالإجراءات الضرورية لتجاوز المرحلة”. وقد سيطر الحديث عن نسب المشاركة على المقالات التي نشرت في صحف الأردنية خلال اليومين الماضيين، بين من يرى في قلتها دليلاً على حالة اليأس الشعبي التي أضحت تسيطر على المشهد، ومن يحاول تبسيطها بالإشارة إلى ما يسميه ” كسل العمانيين” وعدم رغبتهم في الذهاب إلى التصويت.
ويرى مراقبون أن “عزوف سكان المدن الكبرى عن المشاركة في الانتخابات نتيجة لا ترتكز لسبب محدد أو معين، بل هناك جملة من المشاكل المعقدة التي يجب على الحكومة تجاوزها قبل حل هذه الظاهرة”.
ويعتقد المراقبون أن “غياب المصداقية عن الانتخابات خلال العقود الماضية، إضافة إلى حالة اليأس المتراكمة التي أصابت الناخب الأردني في هذه المدن جعلت الناخب يعزف عن المشاركة في الانتخابات”.
يشار إلى أن بعض استطلاعات الرأي توقعت مشاركة أكثر من نصف الأردنيين بالانتخابات البلدية واللامركزية، لكن نسبة المشاركة العامة لم تتعدى الثلث.