سيدي القاضي، نقف أمامكم نحن الأطفال؛ ذكوراً وإناثاً، باسم أطفال العالم، في يوم ما يسمى بـ»عيد الأم»، كلنا أمل أن تسمع قصصنا وشكوانا لتحكم بإنصاف وعدل، عن هذا العيد وعن تلكم الأم، هل هي حقاً مناسبة للاحتفال أم لمعرفة الاختلال؟
سيدي القاضي، نحن لا ننكر أن الغالبية العظمى للأمهات فضليات يستحققن أوسمة الشرف وشكر العطاء والاحتفال اليومي لا السنوي، ولكننا أمامك سيدي القاضي لنثبت للعالم الوجه الآخر لمعاناة بعض أولاد الأم!
1- المجهَضون:
نحن سيدي القاضي لم نرَ نور الحياة، قتلتنا أمهاتنا في أرحامهن! سواء إجهاضاً بلا ضرورة، أو إجهاضاً لنوع الجنس، مثلاً في الهند يتم إجهاض الأجنة الإناث (700 ألف سنوياً)، منا لم يرَ وجه أمه(1)!
وفي الفترة ما بين عامي 2010 و2014م تمت سنوياً 56 مليون حالة إجهاض كما نسميها وليس سقوطاً للجنين(2).
كم منا -سيدي القاضي- قُتل في أعمار جنينية مختلفة قبل أن يرى أعياداً للأم التي قتلتنا من غير ضرورة، ألقتنا دماً وقطع لحم وتخلصت منا لتنعم هي بالحياة والاحتفال!
2- المرضى:
نحن -سيدي القاضي- أطفال مرضى بالإيدز عن طريق أمهاتنا المصابات خلال الحمل أو الوضع أو الرضاعة، مليونان منا تحت عمر 15 سنة مصاب، في عام 2017م أصيب منا يومياً 180 ألفاً(3)، كيف نحتفل بها وقد أهدتنا مرضاً مميتاً قد أصيبت به سواء من العلاقات المحرمة أو حقن المخدرات أو نتيجة إهمال الدول في نقل الدم الملوث؟!
3- التخلي:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من
هَمّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلْقى له
أمّاً تخلّت أو أباً مشغولاً
سيدي القاضي، ما أصدق الشاعر! نحن أطفال لنا أُمّ لكنها تعيش لنفسها ظناً منها أنها تعيش لنا، تقوم بإيقاظنا مبكراً لنغادر فراشنا الدافئ لتتركنا من الصباح إلى المساء عند الحاضنة، والحاضنة نفسها تخلّت عن ولدها فلا تستطيع أن تقوم بدور الأمومة، تعمل أمهاتنا لتكسب المال وتخسر الأمومة، وتأتي متعبة من العمل فلا وقت لنا خاصة.
الأبحاث تدل على أن المرأة العاملة دواماً كاملاً تقضي 3.2 ساعة أو أقل أسبوعياً مع أولادها، فنكون أكثر عرضة في سن 7 – 11 عاماً 2.6 مرة أن نصاب بالسمنة ومشكلاتها(4).
في دراسة لألفي أسرة بريطانية، وجد أن ساعات العمل الممتدة والطريق الطويل للعمل يجعل الأب أو الأم يرجعان غاية في الإنهاك والتعب، وتخيل سيدي القاضي أن متوسط الوقت المتاح المباشر لنا كأطفال (بدون أن نُلهى بالأجهزة الإلكترونية) يومياً فقط 34 دقيقة(5)!
4- أحادية العائل:
نحن -سيدي القاضي- نعيش في أسرة مبتورة، أسرة من عائل واحد، الأم في أغلب الأحيان، نحن لسنا أقلية، نحن 320 مليون طفل نعيش في أسرة من عائل واحد(6).
نحن بؤساء محرومون -سيدي القاضي- مالياً وعاطفياً، العناية والرعاية أقل، نفتقد النصف الثاني من العائلة، في الماضي كان موت أحد الوالدين هو السبب، وكانت الأم تبذل كل ما لديها لتربية أولادها تربية حسنة، والآن الأسباب مختلفة؛ منها الحرة البلهاء لبعض النساء بعدم التقيد بأي قيد من الرجال، وكذلك الطلاق والانفصال والتخلي والترك والنظرة السلبية للزواج، وكذلك الحمل غير المخطط له والعلاقات غير المشروعة.
نحن -سيدي القاضي- نعاني من أجل ذلك الفقر وعدم الاستمرار في الدراسة، ولدينا مشكلات عاطفية واجتماعية ونفسية وسلوكية بالمقارنة بالأطفال في الأسرة الكاملة.
نحن لا نتهم الأم فقط في هذه الأحوال، وإن كان المجتمع ونظام الأسرة والتشريع الوضعي متهمين، فالأم كذلك لها نصيب؛ حيث اختارت هذا الطريق لنا ولم تحاول تصحيحه قبل فوات الأوان.
سيدي القاضي، نعرض عليكم بعض الأدلة؛ فقد قام بعض الباحثين بالتدقيق في مقارنة الأطفال منا الذين يعيشون في أسرة كاملة من أب وأمّ مع من يعيشون في أسرة أحادية من عائل واحد، الحياة الأسرية مع الأسرة الكاملة غنية متكاملة حتى مع بداية الحمل بنا، حيث يشارك الأب في مسؤوليات الأسرة مع الأم، بعد ذلك كان الاستقرار في حياتنا خاصة في الأسرة المبنية على الزواج والمشاركة الإيجابية في تربيتنا بوقت أكبر ومال أكثر، أما الأسر المبنية على غير الزواج أو بعائل واحد فهي كما تسمى في أحد البحوث «الأسر الهشة»، فنسبة المتخرجين في المدارس العليا أقل مرتين بالمقارنة بالأسر الكاملة.
هذا -سيدي القاضي- مختصر البحث الأمريكي الذي تابع نمو أكثر من 5 آلاف طفل وأسرهم منذ عام 2000م.
أما البحث البريطاني، فقد تابع 19 ألف طفل وأسرهم منذ بداية الألفية الثالثة، وأثبت أن التعليم وأثره في الأسر ذات العائل الواحد أقل بالمقارنة بالأسر الكاملة(7)، كما أثبت أننا عرضة للأمراض النفسية، وكان الأجدر بأمنا أن تبني أسرة سليمة مع زوج ذكر يحفظ كيان الأسرة وتطورها، إننا لا نرى أن تحتفل هذه الأم وقد شاركت في أن نترعرع بلا أب يكفل لنا معها تربية وتعليماً ونفسية صالحة.
5- بيئة شاذة:
حرمنا المجتمع اللاديني –سيدي القاضي- أصلاً من الأم والأمومة، فالآن بعيداً عن الدين والمروءة والأخلاق والفطرة سمحت بعض المجتمعات بزواج الشواذ من الجنس الواحد، ثم جلب أحدنا لنعيش وسط هذا البيت النشاز، لم تقف الأمهات دفاعاً عنا، بل إن بعضهن رضين بالحياة مع إحدى النساء الأخريات كزوجين لم تعرفهما الفطرة ولا التفكير السديد قط.
بل الأغرب من ذلك أننا نُربى مع رجلين شاذين اعتبرا نفسيهما زوجين!
والقصة كما نشرت في صفحة «التلفزيون البريطاني»، أنه عندما أراد رجلان شاذان أن ينجبا –ولا تستغرب أو تعجب سيدي القاضي- حصلا على بويضات من متبرعة مجهولة في أمريكا، وذهبا إلى لاس فيجاس، وأُخذت البويضات وقُسمت إلى مجموعتين خصبت إحداهما بحيوانات منوية من رجل، وخصبت الأخرى بحيوانات صديقه، وجُمعت الأجنة وجُمدت ونقلت لزراعتها في رحم الأم البديلة من كندا التي أجّرت أو تبرعت برحمها(8)، وبذلك -سيدي القاضي- وُلد منا توأمان (ولد وبنت) في رحم واحد من رجلين مختلفين! أي تلاعب -سيدنا القاضي- بنا وبمصيرنا دون اعتبار لحقوقنا؟! هل لهذه الأم في عصر التكنولوجيا والإخصاب اللاأخلاقي أن تحتفل بعيد الأم، وتركنا الآن مع رجلين لا ندري كيف يكون مستقبلنا؟!
6- التعزية:
سيدي القاضي، أمنا ليست موجودة للاحتفال بها، لقد ماتت.. قُتلت.. ضاعت.. تحت الأنقاض.. تمزقت من براميل الموت في سورية وقصف الطائرات في اليمن، وانفجارات العراق، ومن قبل على يد القناصة في البوسنة، وقنابل الفوسفور في غزة، ومجازر الاستبداد، لا توجد لنا أُمّ بعد أن أنهكها المرض من الحصار والجوع من منع الغذاء، وذلك في القرن الحادي والعشرين على مرأى ومسمع من العالم!
إننا نستحق التعزية لا الاحتفال، لقد مات في اليمن ما يقرب من 60 ألف شخص في العامين الماضيين(9)، فيهم أمهات وبنات كن أمهات المستقبل، مات منا -سيدي القاضي- كما جاء في مؤسسة «أنقذوا الأطفال» 85 ألف طفل وطفلة من جراء المجاعة(10)، ومن مات هنا وهناك هن أمهاتنا وأخواتنا رحمهن الله، كان الأجدر أن يُحتفل بهن في حياتهن فينعمن بالحياة الطيبة الآمنة ويقمن على تربيتنا نحن اليتامى الضائعين المهمشين، كيف نحتفل وقد ألجمتنا المأساة ونزعت منا كل شيء جميل؟!
الحياة مظلمة، والمستقبل حالك، وليس لنا إلا الله، فأنّى لنا أن نحتفل؟! وكيف يحتفل هؤلاء الذين قصفونا وجوّعونا وقتلوا أمهاتنا؟!
7- البؤساء:
سيدي القاضي، نحن أطفال الشوارع من الأولاد والبنات، بلا مستقبل، بلا تعليم، بلا صحة، ندخن، ندمن المخدرات، عرضة لكل ذئب وثعلب ومجرم ووباء.. كيف نحتفل بـ»عيد الأم» وقد تركتنا ونبذتنا خاصة منا الذي يبقى طول وقته في الشارع ولا يعود لمنزل، فلا عنوان لنا، أهملننا لفقرهن أو حاجتهن أو لأننا نتاج زنا، أو لأن فينا إعاقة، أو قُتلت أُسرنا في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل؛ تجمعات عشوائية.. تسرب من التعليم.. دفْع للعمل والتسول.. نقص للأندية والأبنية.. اتساع مفهوم الحرية الفردية.. بطالة الأسرة.. إدمانها للمخدرات.. تفكك الأسرة.. الخلافات والمشاحنات المستمرة بين الأبوية.. هذه -سيدي القاضي- بعض الأسباب التي أدت بنا إلى الضياع.
نحن أكثر من 150 مليوناً -طبقاً للأمم المتحدة(11)– نبحث في القمامة، نتجول في الأحياء الفقيرة والمدن الملوثة، ننام في الشوارع مختبئين تحت الجسور وفي مجاري المياه ومحطات القطارات، أمَد حياتنا قصير على نحو مرعب، أي قلب هذا الذي تركنا للهاوية أن يُرفع له احتفال أو تقدير؟!
8- متى نأتي؟
سيدي القاضي، نحن نشكو إليك فئة أخرى ظلمتنا ومنعتنا من الظهور، فئة الممتنعين عن الزواج أو المؤجلين للزواج أو الذين تزوجوا ولم يرغبوا في إنجابنا، نطالب من هذا المكان أن يغيّروا هذا النمط الحياتي ليسعدوا بالأبوة والأمومة، وقد يكون لهم الحق حينئذ أن يحتفلوا ولكن بنا، إن لم نظهر فمن أين ستأتون بالأيدي العاملة والعقول المفكرة، مع ارتفاع نسبة الشيخوخة وهبوط النمو الاقتصادي؟ في أوروبا 20% فقط من الأسر تتكون من رجل وامرأة وأطفال، وسن الزواج الأول للمرأة 30 سنة وللرجل 32.4 سنة(12)، متى سيفرح بنا هؤلاء وهم في عز شبابهم؟! متى يتمتعون برؤية أول خطوة وسماع أول كلمة والإحساس الرائع بأول قُبلة؟! هل عملكم أهمّ منا؟ هل أموالكم أفضل منا؟ هل رقيكم في وظيفتكم أعظم منا؟ أسئلة نطرحها لهؤلاء.
9- بلا ميثاق:
للأسف -سيدي القاضي- حوالي نصفنا في أوروبا يولد من غير ميثاق الزواج، هذه الإحصاءات لعام 2016م تقول: إن متوسط نسبة المواليد خارج الزوجية 42.6%، وقد تم 2.2 مليون زيجة وأُنجِب 5.1 مليون طفل(13)، كيف نشجع ونحيي تلك الحرية الخرساء لبعض الأمهات أن تختار أن تكون أو لا تكون ضمن حياة زوجية مستقرة ننعم نحن الأطفال فيها برحمة الأب وحنان الأم، بهداية الأب وتربية الأم؟ كيف يكون «عيد الأم» بلا زوجية وأسرة آمنة مطمئنة؟
أخي القارئ، لو كنتَ القاضي فبمَ تحكم؟ هل نحتفل «بعيد الأم»؟
________________________________
الهوامش
(1) اختيار نوع المولود في الهند يخلّ بالتوازن بين الجنسين
https://aawsat.com/home/article
(2) Induced Abortion Worldwide
GLOBAL INCIDENCE AND TRENDS
https://www.guttmacher.org/fact-sheet/induced-abortion-worldwide
(3) Global HIV/AIDS Overview
https://www.hiv.gov/federal-response/pepfar-global-aids/global-hiv-aids-overview
(4) When Does Time Matter? Maternal Employment, Children›s Time With Parents, and Child Development
Demography. 2014 Oct; 51(5): 1867–1894.
(5) 34 minutes The amount of time the average family gets to spend together each day
(6) 320 Million Children in Single-Parent Families
http://www.globalissues.org/news/2016/10/15/22568
(7) Do children in two-parent families do better?
https://www.bbc.co.uk/news/education-47057787
(8) The twins who have different dads
https://www.bbc.co.uk/news/av/uk-47229517/the-twins-who-have-different-dads
(9) Yemen death toll ‹six times higher› than estimated
The Telegraph 12 December 2018
(10) Yemen: 85,000 Children May Have Died from Starvation Since Start of War
/www.savethechildren.org
(11) أطفال الشوارع
www.unesco.org/new/ar/
(12) Being young in Europe today
https://ec.europa.eu/eurostat/statistics-explained/index.php/Being_young_in_Europe_today
(13) Fertility statistics
https://ec.europa.eu/eurostat/statistics-explained/index.php/Fertility_statistics