يبدو أن الأزمة بين أمريكا وتركيا بخصوص شراء صفقات سلاح روسية تتكرر مع مصر، بعدما هددت أمريكا نظام السيسي بقطع المعونات العسكرية السنوية (مليار دولار) إذا اشترى طائرات “سوخوي-35” الروسية، بيد أن الفارق هنا هو قدرة تركيا على المناورة كدولة مستقلة تنتج سلاحها، بينما القاهرة ترضخ لقيود أمريكية منذ سنوات، ويدين السيسي ببقائه في الحكم لدعم أمريكي قوي.
وسبق أن وقعت تركيا وروسيا اتفاقًا، نهاية ديسمبر 2017، يمدّ أنقرة بمنظومة دفاع روسية من صواريخ «أرض-جو» من طراز «إس-400»، بنحو 2.5 مليار دولار، وهو ما اعترضت عليه واشنطن مهددة أنقرة، في مارس الماضي، بـ«عواقب خطيرة على علاقاتها معها بشكل عام وعلى علاقتهما العسكرية بشكل خاص».
إلا أن تركيا لا تزال متمسكة بالنظام الدفاعي الروسي، في حين أوقفت الولايات المتحدة، هذا العام تسليمها مقاتلاتها من طراز «إف 35» لتركيا.
تفاصيل الأزمة
تعرضت مصر لتهديدات أمريكية مباشرة بعقوبات بسبب صفقة الطائرات المحتملة مع روسيا، وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال”: إنها اطلعت على معلومات رسمية تؤكد عزم الولايات المتحدة فرض عقوبات على مصر بسبب صفقة شراء الطائرات بينها وبين روسيا مقابل ملياري دولار.
وقالت “وول ستريت جورنال”: إن أمريكا رفضت أيضاً بيع 20 طائرة “إف 35” (حصلت عليها “إسرائيل”) للسيسي، الأمر الذي ربما يكون عقاباً له على صفقة شراء طائرات روسية، أو بسبب السياسة الأمريكية المعتادة المتعلقة بعدم السماح بتفوق أي دولة عربية على “إسرائيل” في الجو.
وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ووزير الدفاع مارك إسبر، قالا: إن صفقات الأسلحة الجديدة الكبرى مع روسيا من شأنها -على الأقل– تعقيد صفقات الدفاع الأمريكية المستقبلية مع مصر ومساعدتها الأمنية.
وقالت الصحيفة الأمريكية: إنها اطلعت على رسالة وزيري الدفاع مارك إسبر، والخارجية مايك بومبيو، اللذين حذرا فيها وزير الدفاع المصري محمد زكي من إكمال صفقة شراء طائرات من نوع «سوخوي-35».
وبحسب «وول ستريت جورنال»، فإن تهديد إسبر، وبومبيو أُرسل لوزير الدفاع المصري في توقيت متزامن مع زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو للقاهرة.
وأشارت الرسالة أيضًا إلى تبعات إبرام صفقات أسلحة «جديدة وكبيرة» مع موسكو على التعاون المستقبلي بين واشنطن والقاهرة، وتأثير ذلك أيضًا على المساعدات الأمريكية: المعونتين العسكرية والاقتصادية.
وبحسب الرسالة التي نشرت «وول ستريت جرنال» فحواها، فإن الوزيرين الأمريكيين لوَّحا بأن مصر قد تتعرض لـ«عقوبات» وفقًا لقانون أمريكي يمنع شراء المعدات العسكرية الروسية.
وجاء هذا التحذير بعد اللقاء الأخير بين وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، ورئيس النظام المصري الحالي عبدالفتاح السيسي بالقاهرة لبحث تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين، الذي يعتقد أنه نوقشت فيه تفاصيل صفقة “السوخوي”.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن إداريين أمريكيين أن مصر طلبت، في عام 2018، التعاقد لشراء 20 مُقاتلة من طراز «إف-35»، وهو ما وعد بتنفيذه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب خلال لقاء قبل عامين مع عبدالفتاح السيسي، لكن هذا الوعد لم يُنفذ.
كما أوضحت «وول ستريت جورنال» أن مسؤولين مصريين طالبوا أمريكا مرارًا بتنفيذ التزام رئيسها دون استجابة، وهو ما دفع مصر للمضي قُدُمًا في تنفيذ صفقة شراء «سوخوي-35» الروسية.
عقوبات أمريكية سابقة
كانت الولايات المتحدة أعلنت في أغسطس 2017 حجب 95.7 مليون دولار مساعدات وتأخير مساعدات عسكرية أخرى بقيمة 195 مليون دولار بسبب مخاوف تتعلق بوضع حقوق الإنسان في مصر.
ورأى المحللون في ذلك الوقت، أن تلك الخطوة تهدف إلى كبح العلاقات المزعومة بين مصر وكوريا الشمالية، خاصة بعد تحسن العلاقات بين مصر وأمريكا بعد فوز دونالد ترمب بالانتخابات، وما قيل عن شراء مصر أسلحة كورية شمالية.
وعادت الحكومة الأمريكية وقررت في يوليو 2018 الإفراج عن المساعدات المحجوبة بقيمة 195 مليون دولار، بعد أن اتخذت مصر خطوات نسبية استجابة للمخاوف الأمريكية، التي تبين أن من بينها إطلاق سراح أمريكيين من أصل مصري معتقلين، وإلغاء حكم بإدانة منظمات أجنبية كانت تعمل في مصر بدعاوى تلقيها تمويلاً أجنبياً.
ولم ترد القاهرة رسمياً على التهديد الأمريكي، لكن صحفاً مصرية نقلت عن “مسؤول مصري رفيع المستوى” أن صفقات التسليح المصرية مسألة سيادية ولا تخضع للتدخل أو الرأي العام الأجنبي، مؤكداً أن الصفقة ستستمر ولن يتم إيقافها تحت أي ظروف.
كما انتقدت روسيا التهديدات الأمريكية لمصر، وقال أندريه كراسوف، نائب رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما الروسي (مجلس النواب): إن تهديد واشنطن لمصر بفرض عقوبات إذا قامت بشراء مقاتلات “سو-35” محاولة غير عادلة للمنافسة في سوق السلاح.
وأشار البرلماني الروسي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تمارس سياسة العقوبات ضد البلدان التي لديها سياسة خارجية مستقلة، وهدفها من ذلك تعزيز مصالح واشنطن الاقتصادية والجيوسياسية.
أيضاً قال أليكسي كوندراتيف، عضو اللجنة الدولية بمجلس الاتحاد الروسي (مجلس الشيوخ): إن التصريحات الأمريكية حول العقوبات المحتملة ضد مصر فيما يتعلق بقرار القاهرة شراء مقاتلات “سو-35” الروسية يتعارض مع القواعد الدولية لتجارة الأسلحة.
وأكد كوندراتيف أن واشنطن ليس لها الحق في التدخل في المعاملات التجارية، “فهذا غير مسموح به”، مشيراً إلى أن هناك منافسة عالية في سوق السلاح، والجانب الأمريكي كالعادة يحاول استخدام الضغط.
قصة الصفقة الروسية
يوم 18 مارس 2019، كشفت صحيفة “إنترفاكس” الروسية، وخبراء عسكريون مصريون أن القوات الجوية المصرية تعاقدت على 24 مقاتلة جوية روسية الصنع من طراز “Su-35” بصفقة تقدر قيمتها بحوالي ملياري دولار شاملة المقاتلات وباقي التجهيزات الخاصة بها.
ونقلت الصحيفة الروسية عن صحيفة “كوميرسانت” قول اثنين من كبار مديري شركات الصناعات الدفاعية الروسية: إن القوات الجوية المصرية تعاقدت بالفعل على 24 مقاتلة “سوخوي” من الطراز “Su 35″، وأن الصفقة دخلت حيز التنفيذ في نهاية عام 2018، ومن الممكن أن يتم البدء في تسليم المقاتلات خلال الفترة 2020-2021.
إعلان القاهرة وموسكو عزم مصر شراء المقاتلة الروسية “سو-35″، وهي من الجيل الرابع (الجيل 4 + فائقة الحداثة)، أثار أزمة بين القاهرة وواشنطن -المزوِّد الرئيس لمصر بالسلاح والمعونة العسكرية- منذ توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”.
حيث أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، حينئذ أن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات على مصر حال شرائها مقاتلات روسية من “سو-35” وذلك على هامش جلسة استماع للجنة مجلس الشيوخ الأمريكي المختصة بميزانية العام 2020.
بيد أن خبراء روسا -بينهم المصمم السابق لشركة “سوخوي” الروسية فاديم لوكاشيفيتش- قللوا في تصريحات لصحيفة “كومسومولسكايا برافدا” من التهديدات الأمريكية لمصر بشأن العقوبات عليها، ورجحوا استمرار الصفقة، وأن مصر ستقاتل من أجل هذه الصفقة، وتحدث خبراء عسكريون عن أن الأمر نتاج صراع ومنافسة روسية أمريكية علي بيع السلاح، وانخفاض سعر “سو-35” مقارنة بغيرها الأمريكية، التي لا تبيعها أمريكا للقاهرة أيضا بسهولة.
وحذر معهد “ستراتفور” الأمريكي للدراسات الأمنية والسياسية من أن اتفاق صفقة “سوخوي 35” قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين القاهرة وواشنطن، إذ هددت الأخيرة بفرض عقوبات على الدول المتعاملة مع شركات الأسلحة الروسية.
وقد انعكست الأزمة في انقلاب الاحتفاء بالسيسي في واشنطن خلال زيارته في أبريل 2019، إلى تهديدات وتحذيرات وانتقادات، ووجد نفسه إزاء أزمة جديدة في ملفات خارجية حساسة؛ لأن الصفقة أعادت طرح تساؤلات حول أفق العلاقات المصرية الأمريكية ودور صفقات السلاح المصرية في هندسة طبيعة العلاقات العسكرية المصرية مع روسيا وأمريكا.
فالهدف الرئيس من وراء المعونة العسكرية الأمريكية التي تقررت لمصر عقب اتفاقية السلام مع “إسرائيل” عام 1979، كان ربط العسكرية المصرية بالأهداف الأمريكية، بينما صفقات السلاح المصرية الأخيرة مع روسيا تطرح تساؤلات حول تعارض هذه الصفقات مع “العقيدة العسكرية” التي تسعي واشنطن لدفع الجيش المصري لاتباعها، إضافة لأسباب تتعلق بسعي واشنطن للتفوق الكمي والنوعي لـ”إسرائيل” على مصر ودول المنطقة.
وتلقّى عبدالفتاح السيسي تحذيرات رسمية أمريكية من شرائه مقاتلات «سو 35» الروسية، وهذه التحذيرات كانت جزءاً من مناقشات السيسي وترمب في الجلسة الموسعة التي جمعت وفدَي البلدين، وشارك فيها مدير «المخابرات العامة»، اللواء عباس كامل، ومدير مكتب السيسي اللواء محسن عبدالنبي، إلى حدّ لوح فيه الأمريكيون بإيقاف المساعدات العسكرية ومنع قطع الغيار عن المعدات، بحسب الصحف الأمريكية.
كما أعرب أعضاء مجلس الشيوخ عن قلقهم إزاء التقارب المصري الروسي وصفقة شراء مصر 24 طائرة “سوخوي 35″، وحثوا في رسالتهم بومبيو على الطلب من السيسي إعادة النظر بقراراته ذات الصلة.
وتعهد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أمام الكونجرس، بأن بلاده ستفرض عقوبات على مصر في حال شرائها المقاتلات الروسية، قائلاً في جلسة استماع للجنة مجلس الشيوخ المختصة بميزانية 2020: أكدنا بوضوح أن شراء مثل هذه المنظومات سيتسبب في تطبيق عقوبات بالتوافق مع قانون التصدي لأعداء الولايات المتحدة.. تلقينا تأكيدات منهم أنهم يفهمون هذا الأمر جيداً، وآمل جداً أن يقرروا عدم المضي في إتمام هذه الصفقات.
ورغم تسرب أنباء عن مصادر مصرية بأن المناقشات حول الصفقة الروسية سوف يعاد النظر فيها، في ظل التحذيرات الأمريكية ترى “بوابة الدفاع المصرية” -القريبة من الجيش المصري- أنه من المستبعد أن تفرض واشنطن على القاهرة أي عقوبات؛ نظراً للمصالح الإستراتيجية التي تربطهما معاً.
وطرح خبراء تساؤلات حول: لماذا يشتري السيسي أسلحة الجيل الرابع لا الخامس؟ حيث اشترت مصر من فرنسا وروسيا طائرات وأسلحة تنتمي للجيل الرابع مثل طائرة “رافال” الفرنسية، بينما حصلت تل أبيب على «إف-35» الأمريكية ثاني طائرات الجيل الخامس الأمريكية.