المشهد الأول: العودة إلى الله:
– الرئيس الأمريكي «دونالد ترمب» يدعو، عبر «تويتر»، إلى جعل الأحد 15 مارس يوماً وطنياً للصلاة من أجل «كورونا»!
المشهد الثاني: حقوق الإنسان تتهاوى:
– «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) تنشر خبراً عن وزيرة الدفاع الإسبانية «مارجريتا روبلز» تؤكد فيه العثور على كبار السن في إحدى دور الرعاية الذين تُركوا مُهمَلِين تماماً إلى أن ماتوا في أسرّتهم بسبب «كورونا»!
المشهد الثالث: سرقات وقرصنة:
– مجلة «دير شبيجل» الألمانية تؤكد اختفاء شحنة تحوي 6 ملايين قناع للحماية من العدوى بفيروس «كورونا» المستجد، كانت في طريقها إلى ألمانيا!
– وسائل إعلام ألمانية تعلن، على لسان مسؤولين حكوميين، عن سرقة 50 ألف كمامة من مخازن مستشفيات مدينة كولن!
– وسائل إعلام غربية: التشيك تستولي على شحنة مساعدات مرسلة من الصين إلى إيطاليا!
– وزير التجارة التونسي محمد المسيليني يقول: إن باخرة كانت محمَّلة بالكحول الطبي تعرضت للسرقة في عرض البحر، خلال توجهها إلى الساحل التونسي!
تلك مجموعة من المشاهد حدثت وعايشها العالم كله في ظل أزمة «كورونا»، وهي تؤشر على أمور غاية في الأهمية؛ لعل أهمها هو ما يمكن تسميته بضعف منظومات القيم الوضعية التي تم تأسيسها بناء على مرجعيات بشرية، وهي ما جعلها تتهاوى سريعاً مع أول أزمة حقيقية تواجهها تلك المجتمعات.
وهنا يثور التساؤل: كيف يمكن لدعاة الإسلام أن ينْفُذُوا من خلال هذه الأزمة إلى قلوب وعقول الجماهير لإعادة عرض الإسلام بمنظومته القيمية مرة أخرى؟
كان المفكر الإسلامي مراد هوفمان قد تحدث عن أن محمد أسد تنبأ قبل الحرب العالمية الثانية بزيادة عدد الداخلين في الإسلام، معللاً ذلك بأن هذه الأزمات وأشباهها تترك في النفوس والعقول حيرة واضطراباً وقلقاً؛ ومن ثم يكثر الحديث عن الحاجة إلى البحث عن منقذ وهادٍ لهذه الحيرة، والإسلام هو المرشح الأول بمنظومته القيمية المؤسَّسة على هدايات الوحي السماوي.
ونحن في «المجتمع» نسأل بدورنا: هل يمكن لما خلفته «كورونا» من تداعيات أن تؤسس لمرحلة جديدة من النظر إلى الإسلام والتعامل معه من غير المسلمين خاصة في المجتمعات الغربية؟ وهل يمكن لدعاة الإسلام استثمار الحدث في إعادة عرض منظومة القيم الإسلامية بعد أن أصابها التشويه زمناً طويلاً؟ وما الوسائل والمهارات الدعوية التي يجب أن يكتسبها الداعية ويمكنها أن تفي بغرض كهذا؟ وهل يمكن التفكير في موضوع كهذا على مستوى دعوي فردي، أم أنه يحتاج إلى جهد مؤسسي؟
أسئلة كثيرة عن أزمة «كورونا» ومستقبل الدعوة الإسلامية تطرحها «المجتمع» على نخبة من أساتذة الدعوة وعلماء الاجتماع وناشطين دينيين في المجتمع الأوروبي.
بداية، يؤكد د. عماد محمد المختار المهدي، إمام المركز الإسلامي بمدينة بيليفيلد بمقاطعة شمال الراين بألمانيا، أن العمل الدعوي في الغرب يجعلنا نفكر بطريقة مختلفة عن نوع المقاربة التي يمكننا من خلالها استثمار جائحة «كورونا» في إعادة عرض الإسلام مرة أخرى.
ويدلل المهدي على ذلك قائلاً: كثيراً ما تحدثنا عن ضرورة الاندماج في مجتمعاتنا الغربية بلا ذوبان كامل، بحيث يكون اندماجاً يحفظ لنا هويتنا الحضارية، ويؤسس لكوننا مواطنين داخل تلك المجتمعات نحافظ عليها ونتعاون من أجل رفعتها، وفي ظل «كورونا» تجلى ذلك كإحدى أهم أدوات مواجهة خطاب الكراهية الذي كان سائداً تجاه الإسلام والمسلمين، حيث استطاعت مؤسستنا، مثلاً، كسب ثقة الدولة؛ من خلال العمل سوياً في الحفاظ على النظام العام، وحماية أرواح الناس بالالتزام بإغلاق المساجد، والتعاون في كل ما من شأنه أن يحافظ على الأرواح.
ويستطرد: وهذا ما جعل الدولة، في سابقة لم تحدث من قبل، توافق على إقامة صلاة العيد، مثلاً، لمؤسستنا في أكبر ملاعب المدينة، وتثمن دورها في تنظيم صلاة الجمعة عن طريق التسجيل المسبق، ووجود مسافة بين المصلين، وغيرها من الإجراءات الاحترازية.
وأكد المهدي أن خطاب الكراهية الذي كان قد انتشر في ألمانيا بشكل عام، ومنطقة بيليفيلد بشكل خاص، قد توقف تماماً أثناء الأزمة؛ نظراً لما ابتكره المسلمون من وسائل أثبتوا بها اندماجهم الإيجابي في المجتمع، ودلل على ذلك بأن المؤسسة التي يعمل إماماً لأحد مراكزها في بيليفيلد ابتكرت هذا العام طريقة جديدة للإفطار في رمضان، فلم يعد في المسجد، وإنما أصبح عن طريق وجبات جاهزة توزع على المسلمين وغيرهم، لافتاً إلى أن كثيراً من المواطنين الألمان من غير المسلمين الذين يحتاجون إلى هذه الوجبات لظروف خاصة بهم أصبحوا يترددون على المسجد ليأخذوا وجبتهم، مرددين بعض الشعارات الإسلامية كتحية الإسلام إظهاراً للتودد والتقرب من المسلمين.
ويعلق المهدي: معرفة مفاتيح المجتمع الذي تمارس معه الدعوة إلى الله من أهم الأدوات التي يجب على الداعية تحصيلها؛ ليستطيع الوصول إلى قلوب المدعوين، بعيداً عن القوالب النمطية الجاهزة التي نفرت الناس كثيراً من الإسلام وبعض دعاته.
المهارات الدعوية للأزمة
من جانبه، قال د. عادل هندي، أستاذ الدعوة بجامعة الأزهر: إن التعامل الدعوي مع الأزمات ينبغي أن ينطلق من معرفة أركان عملية الدعوة ذاتها؛ وذلك لخلق حالة دعوية تناسب الأزمة وتستثمر تبعاتها، موضحاً أن الأركان التي يقصدها هي الداعي والمدعو والجمهور والوسائل المستخدمة، وفي النهاية قياس الأثر المرتبط بالرسالة الدعوية.
وفيما يتعلق بالداعي نفسه، لفت د. هندي إلى أنه في ظل هذه الأزمة يجب على الداعي ألا يكون روتينياً يرتبط بشكل معين، أو لا يستخدم إلا أسلوب «الكُتَّاب» الذي لا هَمَّ له سوى تلقين الناس دينهم، أو يتعامل مع الإسلام وكأنه محصور في القُطر الإسلامي، دون النظر إلى رسالة الإسلام الشاملة العالمية.
ولذلك طالب هندي الدعاة في الغرب ومؤسسات الدعوة فيه بتطوير مهاراتهم في التعامل مع الأزمات، مشدداً على ضرورة امتلاك الداعية شيئاً من الحكمة وحسن الإدارة يؤهله للتعامل مع الأزمات وتوظيفها توظيفاً جيداً.
وشدد على أن تحصيل ذلك كله لا يأتي إلا من خلال القراءة المستنيرة، ومخالطة العلماء، ومتابعة الجهود الدعوية المبذولة في ظل هذه الأزمة، كل ذلك إنما يساعد على تطوير ذاتية الداعية، سواء الفرد أو المؤسسة الدعوية كلها.
وطالب هندي، كذلك، الدعاة والمؤسسات أن يطوّروا وسائلهم، مؤكداً أن من إيجابيات تلك الأزمة أن كثيراً من الدعاة استطاعوا اقتحام الوسائل التكنولوجية الحديثة، لافتاً إلى أنه كداعية بدأ استخدام التطبيقات الإلكترونية، مثل «زوم»، و»تليجرام».. إلخ، مع أنها موجودة قديماً، ولكننا لم نكن نسمع عنها، فنحن كدعاة -إلكترونيين- أو علماء، أو أساتذة جامعات، علينا اكتساب القدرة التي تساعدنا على استخدام هذه الوسائل.
وفي إشارة إلى القوالب التي يمكن للداعية من خلالها استثمار الأزمة، قال هندي: على الدعاة ومؤسسات الدعوة في الغرب تحديداً أن تطور في قوالبها الدعوية، لافتاً إلى أن الدعوة الحقيقية لا تقتصر على الكلام، وإنما تكون بالدعوة التطبيقية العملية، فالإسلام انتشر أساساً في تلك البلدان وغيرها بأفعال الدعاة وأخلاق التجار.
وبالتالي، يستطرد د. هندي، يجب على الداعي أن يُسوّق دعوة الإسلام؛ قولاً وسلوكاً، كوقوفه بجوار المهموم، وسعيه في حوائج الناس وغير ذلك، مؤكداً أن هذه الواجبات تكون أكثر تأكيداً في حالة المؤسسات الإسلامية التي ينبغي أن تضع خططاً محكمة للاندماج المجتمعي وتحقيق أثر الدعوة على الأرض عملياً، بعيداً عن القوالب الروتينية.
وفي النهاية، شدد أستاذ الدعوة على ضرورة الوعي الكامل بطبائع المدعوين في المجتمعات الغربية، لافتاً إلى أنها تمنح الداعية القدرة على تسويق دعوته، فيخرجها مناسبة لعقول مخاطبيه وأفهامهم، وأكد أن الوعي المنشود بطبائع الجمهور المُستهدف –وليكن الجمهور الغربي- هو أهم عامل في تحديد نتائج دعوتهم، قائلاً: حينما يسألني أحدهم ويطلب مني تعليقاً على حال الغرب في تعاملهم مع الأزمة، أو مع المرضى في المستشفيات، حتى أستطيع أن أجيبَه، يجب أن أكون على دراية بطبائع المجتمع، فنظرتي محلية أو إقليمية، لا نظرة شاملة عامة تنظر إلى الغرب بمنظور الإنسانية.
ظلال اجتماعية
وعن التجليات الاجتماعية للأزمة وكيفية استثمارها دعوياً، قال د. خالد عبدالحميد، أستاذ علم الاجتماع: إن الأزمة عبارة عن حالة استثنائية يمر بها الإنسان، فإما يتعامل معها إيجابياً، وإما يتخلّى عن قيمه وإنسانيته، لافتاً إلى أن «كورونا» فضحت بعض البلدان والأقطار، في معاملتها مع المرضى والمصابين والأموات الذين ماتوا بها، كما أنها أظهرت لنا شيئاً من أنانية بعض البشر.
وأكد د. عبدالحميد أن ما حدث في الأزمة، وما زال يحدث، سيُلقي بظلاله الاجتماعية على المجتمعات الأوروبية كثيراً، ولذلك فإن العالم بعد أزمة «كورونا» لن يكون كما كان قبلها على المستوى الاجتماعي، مشيراً إلى أن كثيرين داخل المجتمعات الأوروبية فقدوا ثقتهم في اللحمة الاجتماعية التي انكشف عوارها بسبب أنانية القيم الرأسمالية، مدللاً بترك إحدى الحكومات الأوروبية داراً كاملة للمسنين دون متابعة؛ ما أدى لوفاة كثيرين! وأيضاً ما أثير عن عزم بعض الدول التفكير في علاج أعمار معينة وترك أخرى بسبب ضغط الأزمة!
وعلق عبدالحميد قائلاً: هذه الأحداث وغيرها ستجعل كثيرين يتجاوبون مع بدائل حضارية ينشدون فيها الأمن الاجتماعي والروحي الذي خلفته تلك الأزمة، مشدداً على أن الإسلام كدين وشريعة ومنهج حياة يأتي في مقدمة المرشحين لملء هذا الفراغ في عقول وقلوب هؤلاء.
من هنا، يتابع د. عبدالحميد، يستطيع دعاة الإسلام النفاذ لعقول الجماهير قبل قلوبهم في إعادة عرض المنهج الإسلامي العادل الكامل الشامل العالمي، إسلام يجمع بين الفضل والعدل، بين الجلال والجمال والكمال، إسلام يساوي بين البشر جميعاً؛ فلا قدسية لشخص على شخص، وليس هناك دم مقدس يجري في عروق إنسان دون آخرين، ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
ويتابع: يجب على الدعاة الآن أن يدركوا خطورة خطابهم؛ فيعرضوا الإسلام الذي يملأ قلوب أتباعه حُباً للغير من إنسان أو حيوان أو جماد؛ الإسلام الحضاري الذي يجعلُ الإنسان هو ركن الحضارة، وبالتالي يؤكد أنه لا تقدّم ولا حضارة ولا نهضة إلا بتكريم هذا الركن (الإنسان) والقيام بحقه، لافتاً إلى أن عرض الإسلام بهذه الطريقة هو مفتاح الوصول إلى قلوب الذين طبعتهم الأزمة بطابع الحيرة.
واختتم أستاذ علم الاجتماع قائلاً: إن الأزمة في العالم الغربي الآن بعد «كورونا» ليست طبية بقدر ما هي أزمة إنسانية وأخلاقية وقيميّة، وعلى دعاة الإسلام ومؤسساته هناك أن تبادر بالتعامل مع الأزمة من خلال تلك المنطلقات لتكسب أرضاً جديدة داخل تلك المجتمعات.
معرفة الواقع
أما د. أيمن فايز، أستاذ الدعوة والإعلام بجامعة الأزهر، فأكد ضرورة معرفة الأزمة وما خلفته معرفة صحيحة؛ حتى يمكن للداعية ولمؤسسات الدعوة أن تتعامل معها، لافتاً إلى أن جائحة «كورونا» كشفت، من جانب، عن أمراض العالم الحقيقية، وأبانت عن عظمة الإسلام في علاجه لتلك الأمراض، من جانب آخر، محدداً ثلاثة أدواء رئيسة عكسها نمط التعامل مع تلك المحنة، وهي: الغرور العلمي، والنفاق الحضاري، والشقاء الروحي، حسب تعبيره.
وتابع فايز: فلو بدأنا من الأمن الروحي الذي هو أول ما يجعل الإنسان في حالة من الاطمئنان الدائم، وانعدامه يعني معاناة نفسية، وعذاباً وجدانياً؛ سنجد سببين كان لكل منهما نصيبه من حرمان البشرية الرضا، وسلبها السكينة، وعلى الدعاة ومؤسسات الدعوة أن تنتبه لهذا جيداً، وأن تعمل عليه من خلال مشاريع دعوية متقنة.
والسببان، من وجهة د. فايز، هما المادية الطاغية، والتنكُّر للدين والخروج على أحكامه، مشيراً إلى أن آثار هذين العاملين على النفس تجلت بإصابتها بالإحباط واليأس في مواجهتها ذلك الوباء العالمي، ورأينا تبعاً لذلك استسلاماً ساخطاً يقطع رجاء الناس في الحياة، حتى لقد تنادى البعض بضرورة أن يودع كل منهم قريبه وحبيبه بعد أن ينتظر يائساً مصيره المجهول.
ويستدرك فايز قائلاً: ينبغي للدعاة، أمام هذه المشاعر السلبية، أن يعيدوا عرض الإسلام بطريقة تبث في النفس المعذبة معاني التفاؤل والرضا، وتدعو الناس على لسان رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم إلى السعي في طلب العلاج، والأخذ بأسباب التداوي الذي وعدهم بإمكانه ولو كره اليائسون، بقوله: «تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ».
ويتابع أستاذ الدعوة والإعلام: عليهم أن يعرضوا الإسلام الذي يبث في النفس معاني الرضا، وما يثيره فيها من الوفاء بمتطلبات الإيمان بالقضاء والقدر، وكذلك بما يحييها به من برد اليقين بالله والإيمان بلقائه، الإسلام بهذا كله يعطي النفس بلسمها الذي تعالج به ما عساه أن يعرض لها من تلك المشاعر السلبية، ويمنحها بديلاً عن ذلك انشراحاً وفرحة يعوضانها عن كل فائت.
وعما أسماه النفاق الحضاري قال د. فايز: إن جائحة «كورونا» عرَّت نفاق الحضارة المعاصرة، وكشفت عن كذبها؛ فالحضارة التي أوسعت الناس كلاماً عن الإخاء الإنساني، ومراعاة المصالح المشتركة، وأهمية التعاون الدولي، إلى آخر تلك الشعارات، تجلى أنها حضارة أنانية في أقوى معانيها، حضارة تتحكم فيها عوامل القوة لا عواطف الرحمة، أوحت إلى الإنسان أنه لا سبيل لكسبه إلا إذا خسر الآخرون، وقد تجلت تلك الأنانية في أسلوب القرصنة الذي احترفته بعض العصابات الدولية، حتى شملت تلك القرصنة المجالات الاقتصادية، والسياسية، بل والعلمية، ووصلت إلى القرصنة على الأدوية، وكمامات الوقاية، والأردية الطبية، وهي في طريقها لبعض البلاد المنكوبة!
وتابع: كما ظهرت أمارات الأنانية الحضارية المعاصرة كذلك في محاولة احتكار الدول الكبرى ما توصّلت إليه من سُبلٍ لمقاومة ذلك الفيروس، وحَجْبها ما يتعلق بمقاومته من معلومات.
ولذلك يرى د. فايز أن الدعاة ينبغي لهم طرح الإسلام بمنظومته التي تعالج تلك الأدواء وعرضه بالطريقة الصحيحة، ويبتعدون عن الطرق التقليدية، ويعرضون الحضارة التي تردّ الناس كلهم لرحم إنسانية مشتركة، وهي تنادي فيهم: «كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح»، كما تدعوهم صباح مساء: «وكونوا عباد الله إخواناً»، الحضارة التي تسد منافذ الطمع على البشرية بدعوتها أن يكون الناس كلهم شركاء في الاقتصاد، وإخوة في الاجتماع، الحضارة التي تستقبح كتمان العلم، وتعيب احتكار المعرفة، حتى ليقول رسولها صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
بل ويحض على التكافل العلمي، ويحبب إلى الناس تبادل الخبرات، وتداول المعلومات، فيقول، وقد سئل عن أفضل الأعمال: «تُعِينُ ضَايِعاً، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ»، والأخرق هو من ليس لديه علم ولا خبرة وهو في طريقة للبحث عن جلب منفعة، أو دفع مضرة.
حضارة تتأبى على استغلال حاجة المحتاجين، وكرب المكروبين، إذ هي التي تصف أتباعها بقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً) (الإنسان)، والأسير معروف حاله.
ويختم فايز قائلاً: هكذا ينبغي عرض الإسلام بعيداً عن الطريقة التقليدية والانشغال بقضايا هامشية لا وجود لها إلا في عقول مختلقيها؛ ليتم استثمار الأزمة استثماراً صحيحاً لصالح خير البشرية وسعادتها.