تحدثنا في مقال سابق في موضوع الأخوة والحب في الله تعالى، واليوم نتحدث في الشطر الآخر من هذا الأمر؛ وهو البغض في الله تعالى.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ “.
ويقول ايضا صلى الله عليه وسلم: ” من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان “.
البغض في الله والحب في الله هو أوثق عرى الإسلام.
نعم.. وهذا الحديث السالف هو مطابق لمعنى قوله تعالى: ” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ “.
الحب في الله أيها القارئ الكريم؛ أن تنصح المسلمين، ومقابله تفارق المشركين، وكما ذكر ذلك في مبايعة بعض الصحابة رضوان الله عليهم على الحب والبغض في الله تعالى كما بين ذلك في روايات عديدة؛ منها كما قال أحد الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أبسط يدك لأبايعك واشترط عليّ فانت اعلم، فقال: ” أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين “.. وهذا الصحابي اظنه سيدنا جرير رضي الله عنه.
آخر هذه الرواية أعلاه هو مربط الفرس كما نقول، ” تناصح المسلمين وتفارق المشركين ” أي تفارق المشركين بعقلك وقلبك وعواطفك وتصرفاتك، والمفارقة بالجسد أيضاً مجلساً وصحبة إلا للضرورة المؤقتة كما استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشرك كدليل في هجرته إلى المدينة.
نعم أيها القارئ الكريم؛ كما هناك وجوب الحب في الله؛ أيضاً وجوب البغض في الله ولله تعالى.
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ” الناس إذا تعاونوا على الإثم والعدوان أبغض بعضهم بعضاً، وإن كانوا فعلوا ذلك بتراضيهم “.
يعني وان تفاهموا على ذلك، وهذه الحياة التي اشار اليها ابن تيمية؛ نراها ونعايشها على مستوى الافراد والكتل والجماعات وحتى الدول، يجتمعون على الفسق والفساد؛ ومن ثم يتعادون وكل منهم يفضح الاخر سواء افرادا كانوا ام كتلا ودول!
حينما نمعن النظر في الروايات حول الموضوع واقوال العلماء فيه، يتضح لنا ان الحب في الله والبغض فيه متلازمان، وهما امر وجداني عاطفي موقعه القلب.
نعم أيها القارئ الكريم.. محله القلب، والبغض كذلك محله القلب، والقلب كما هو معلوم مقر الإيمان لا شك، والجوارح تؤكد تمكينه من القلب عملاً، وكذلك أيها القارئ الكريم؛ الحب والبغض لله وفي الله موطنه القلب، والجوارح تؤكد بعملها انصياع القلب وتأثيره على هذه الجوارح عملاً. وفي نفس الوقت أخي في الله لا تستغرب إذا كان هناك إنسان يبغض إنساناً ويحبه في نفس الوقت.
نعم يحبه لأنه يصلى الخمس في المسجد فأنت تحبه لذلك؛ وتبغضه لأنه قاطع رحم مثلاً؛ أي.. تبغض فيه هذه الخصلة التي تراها لا تنسجم مع الحب في الله تعالى. وهذا الأمر لم آتِ به من بنات أفكاري ولكن له أصل في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
نعم.. ذاك الصحابي الذي كثيراً ما يقف أمام القضاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ليقام عليه حد شارب الخمر، وفي أحد الايام حيث يقام عليه الحد؛ أحد الصحابة قال: ” لعنه الله ” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تلعنه؛ اما علمت انه يحب الله ورسوله ” او كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
نعم أيها القارئ الكريم.. ولقد قدم الله تعالى في كتابه الكريم البراءة من عابد الوثن قدم البراءة منه على عين الوثن قال تعالى: ” إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ” حتى لا يعذر أحد أنه تبرأ من الوثن ولا دخل له بعابد الوثن بذلك!!
لو تأملنا هذا الأمر البغض في الله نجده هو الشطر المكمل والمقابل للحب في الله تعالى كما أسلفنا، ومن يتابع أوضاع أمة الإسلام اليوم، يجد أن الأمة ومع الأسف ضيعت هذه الخصال ” الحب والبغض في الله تعالى “. البعض أصل ميزان الحب والبغض على أساس المصالح الشخصية، والبعض يرى الولاء القبلي أو الوطني والجغرافي، والبعض يعشق أحياناً من هو أخس الخلق لا لشيء؛ إلا لأنه عدو لعدوه، أو كما يتوهم أنه عدو له، بل نجد اليوم من يتظافر من أجل اذعان عدوه مع كل عدو لله تعالى، ويستسهل التعامل ومشاركته في المشاريع ورسم المستقبل من أجل القضاء على عدوه، والذي أحياناً يكون عدوه هذا من لحمه ودمه ودينه نسأل الله السلامة والعفو والعافية، وهذا قمة ضياع الميزان حيث نجد الرجل فيهم يتودد لكل متردية ونطيحة، ولا يظهر لإخوانه إلا القسوة والتشدد والتنفير، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ـــــــــــــــ
(*) إعلامي كويتي.