بين وطن أُخرجوا منه لا يحملون سوى أرواحهم المثقلة بالجروح، حفاة تتثاقل أقدامهم في رحلة الهروب تذل حيناً فوق الحصى وأحياناً في وحل النهر، وبين شتات ضاق على ألمه فأبى إلا أن يغيبهم مرة أخرى إلى جزيرة نائية فتكون عزلة من الوطن وعزلة في الشتات، في هذا الواقع المرير تمتد معاناة المسلمين الروهنجيا، فلا استغاثة تلقى صدى، أو صرخة توقف المعاناة، فما قصتهم التاريخية؟
الروهنجيا، العرقية المسلمة التي تشكل السكان الأصليين لمملكة آراكان، التي أصبحت لاحقاً إحدى ولايات بورما، وكان الروهنجيا يمثلون العرقية الثانية في البلاد من حيث العدد قبل تصفية وجودهم.
آراكان، ولاية في غرب ميانمار، كانت مملكة مستقلة احتلتها بورما، تطل على خليج البنغال وتجاور بنجلاديش من الشمال الغربي بحدود طولها 150 كيلومتراً، يفصل بينهما نهر ناف، بينما تفصلها عن بقية ولايات ميانمار جبال «أركان يوما».
«أكياب» أهم مدن آراكان أصبحت «سيتوي» ضمن موجة التغيير الديموغرافي وحالياً أغلبها بوذيون
ميانمار (بورما)، تقع جنوب شرقي آسيا، تتكون من حوالي 145 عرقية، عرفت بهذا الاسم منذ عام 1989م بعد تغيير اسم الدولة من بورما إلى ميانمار.
تنتهج ميانمار سياسة محو الأثر، فمدينة «أكياب» أهم مدن آراكان أصبح اسمها «سيتوي» ضمن موجة التغيير الديموغرافي، وحالياً أغلب سكانها من البوذيين، إلى جانب حرق قرى الروهنجيا والمجيء بالبوذيين لتوطينهم محل الروهنجيا.
سكان آراكان كانوا نحو 4 ملايين نسمة، غالبيتهم من مسلمي الروهنجيا، تناقصوا بفعل عمليات التهجير القسري المتكرر، وبقي منهم أقل من نصف مليون، لك أن تتخيل أن نحو 740 ألفاً فروا فقط بعد الهجمة العسكرية، في 25 أغسطس 2017م، بحسب تقارير أممية.
آراكان التاريخية تكونت من مقاطعتي «تشيتاجونج» جنوب بنجلاديش حالياً، وولاية «راخين» غرب ميانمار، غير أن الأولى انتزعت منها بعد غزو المغول لها عام 1666م، وآراكان غنية بالموارد الطبيعية والأراضي الخصبة؛ ما جعلها مطمعاً لجيرانها، حتى احتلتها بورما عام 1784م.
في عام 1942م تعرضوا لمذبحة ذهب ضحيتها 100 ألف بدعم من اليابانيين
دخول الإسلام:
يقال: إن آراكان عرفت الإسلام في عهد هارون الرشيد عام 172هـ، ورواية تقول: إنه ما بين عامي 788 و810م تحطمت سفن تجار مسلمين أثناء توجههم إلى جنوب شرقي آسيا، فلجأ من نجا منهم إلى جزيرة «راهمبري» بخليج البنغال قرب آراكان، فاختار بعضهم العيش بالجزيرة من خلال التزاوج مع السكان المحليين، ودعوهم إلى الإسلام، وساهموا في التجارة البحرية لآراكان ما وفر لهم تسهيلات ومكانة بين أهلها، وفي عام 1430م دفع السلطان البنجالي بجيش قوامه 70 ألفاً لطرد المون والبورمان من آراكان، استجابة لاستغاثة ملكها، بقي بعضهم مع أسرهم في آراكان لحمايتها، وهذه كانت أكبر موجة لدخول الإسلام إلى آراكان، وبمرور الوقت تمت أسلمة آراكان على يد الملك سليمان شاه.
منذ احتلالها، بدأت بورما تشريد سكان آراكان المسلمين، ففي عام 1942م تعرض الروهنجيا لمذبحة مروعة ذهب ضحيتها قرابة 100 ألف، وذلك بدعم اليابانيين أثناء احتلالهم بورما، وبعد استقلالها عام 1948م بدأت مراحل جديدة من تصفية وتشريد الروهنجيا، وتجريد من المواطنة بموجب قانون الجنسية عام 1982م؛ بحجة أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنجلاديش، ونحو 38 حملة عسكرية لتصفيتهم!