يستخدم سيف الأدب في تونس بالصراع السياسي والأزمة السياسية القائمة في البلاد بين الرئيس قيس سعيّد ومنتقديه من السياسيين وفقهاء القانون الدستوري، وكانت البداية من الرئيس قيس سعيّد الذي استحضر “زقفونة” من “رسالة الغفران” للمعري ليرد عليه أكثر من فقيه دستوري باللزوميات للمعري نفسه (كما سيأتي).
وقال أستاذ القانون الدستوري عبداللطيف دربالة: قيس سعيّد حفظ ونسي اللزوميّات للمعرّي.
لزوم ما لا يلزم
وكتب دربالة في صفحته على “فيسبوك”: فرض أداء اليمين للوزراء الجدد أمام رئيس الجمهوريّة هو لزوم ما لا يلزم دستورياً.
وتابع: لا وجود لنصّ دستوري يفرض أداء الوزراء الجدد اليمين فرادى، والفصل (89) من الدستور هو فصل خاصّ يتعلّق بتكوين الحكومة الجديدة بعد الانتخابات وأداء رئيس الحكومة وأعضائها اليمين برمّته.
وأردف: رئيس الجمهوريّة يؤدّي بمفرده ووحده اليمين الدستوريّة بعد انتخابه، ووزراء الرئاسة لا يفرض الدستور أداءهم اليمين تماماً، وقياساً على ذلك؛ فإنّ رئيس الحكومة يؤدّي اليمين مع حكومته بعد المصادقة على تعيينه من مجلس نواب الشعب، ووزراؤه المعيّنون لاحقاً لا نصّ دستورياً يلزمهم باليمين.
وأضاف متحدثاً عن سعيّد: في “حذلقته” اللغوية الأخيرة، قدّم رئيس الجمهوريّة إحالة إلى كتاب “رسالة الغفران” لأبي العلاء المعرّي في جوابه على ابن القارح، وتلك العبارة الشهيرة: “ستّ إن أعياك أمري فاحمليني زقفونة”، في محاولة من الرئيس لنقد الفتاوى الدستوريّة التي تخالف رأيه وتأويله الشخصي للدستور التونسي، متشبّثاً بكون أدائه اليمين على احترام الدستور يخوّل له الامتناع عن قبول الوزراء المعيّنين من رئيس الحكومة لأداء اليمين (!)؛ وبالتالي إعطاء نفسه بنفسه ودون أيّ سند دستوري حقّ ممارسة سلطة رقابة عُليا لم يمنحها له الدستور الذي أقسم عليه.
وبرغم أنّ تلك الرقابة التي يطالب بها الرئيس سعيّد تتعارض تماماً وبصراحة ووضوح مع الفصل (95) من الدستور الذي أقسم سعيّد على احترامه كما يذكر دائماً، والذي ينصّ على ما يلي حرفيّاً: “الحكومة مسؤولة أمام مجلس نواب الشعب”.
وهو ما يعني ببساطة، وفق دربالة، أنّه لا حقّ رقابة، ولا حقّ “فيتو” أو اعتراض لرئيس الجمهوريّة على الحكومة أو أعضائها أو أعمالها، وأنّها غير مسؤولة أمامه بأيّ شكل، وأنّها في المقابل مسؤولة فقط وحصريّاً أمام مجلس نواب الشعب طبق الدستور.
غير أنّ ما غاب على رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد وهو يتحذلق برائعة المعرّي “رسالة الغفران”، هو عنوان ديوان شعره العبقريّ الآخر “اللزوميّات”.
وديوان شعر أبو علاء المعرّي “اللزوميّات” يعدّ أشهر مؤلفاته في الشعر، ويحوي الكثير من أوجه حياة وآراء وحكم ونظريّات الشاعر في الحياة، مكتوبة في شكل أبيات شعر وقصائد رائعة معنًى ولغة.
ويكمن الإبداع اللغوي للمعرّي في انتهاجه على نطاق واسع أحد فنون الشعر القديمة، حيث لا يكتفي الشاعر بنفس القافية في جميع أبيات القصيدة، وإنّما يتعدّى ذلك إلى الإتيان بحرف قبل حرف القافية الذي يجب الالتزام به.
وتشرح بعض المصادر ذلك بالقول: أن يلتزم الشاعر قبل الحرف الأخير من أبيات قصيدته أو سجعاته ما لا يلزمه، كأنْ يكون الحرفانِ الأخيرانِ متماثلينِ في كلّ القوافي أو الثلاثة الأخيرة، أو تكون الكلماتُ معَ ذلك متماثلة الوزن، إلى غير ذلك من التزام ما ليس بلازم في نظام القوافي.
رسالة الغفران
وفي إطار “رسالة الغفران” والمصنفة بشكل من أشكال الكوميديا السوداء، دعا رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف المختصين في علم النفس لتفسير تصرفات الرئيس سعيد، معتبراً أن ما يحصل أشبه ما يكون بالكوميديا السوداء.
وطالب مخلوف، على صفحته بموقع “فيسبوك”، بتفسير حالة الارتداد الدائم نحو الماضي أو ما تسمّى بـ”النوستالجيا” المرضيّة وعدم قدرة الرئيس على التأقلم مع الحاضر وازدراء المستقبل تماماً.
وقال مخلوف: الرجل حسب ما هو معلوم لا يتعامل مع التلفزيون ولا مع الإنترنت وليس له حساب “فيسبوك” ولا “تويتر” ويكره الطائرة ولا يعترف بالأحزاب ولا بالسلطات الأخرى، ويتكلّم بلهجة الأفلام التاريخية، ولا يفوت فرصة ليلقي على سامعيه دروساً نظرية في تاريخ الرئاسة والحكومات والمجالس المنتخبة وحتى في تاريخ مجلس الوزراء.
وتابع: واليوم اكتشفنا بأنه يكتب رسائله بالريشة والدواة على ورق شبيه بورق البردي ويرسلها عبر صاحب البريد ويوصيه ويستوصيه ألا يعود، إلا بما يفيد التسلّم بعد التسليم.