بهجة وفرحة واطمئنان وحب للخيرات ورغبة بالطاعات واستعداد يتنامى في القلوب للسعي لنفوز بحب الله ورضاه.
هكذا نشعر في رمضان ونود جعله بداية موفقة نحو إيمان يقترب من إيمان الأولين الذين نعموا بصحبة رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وفازوا بحبه ورضاه عليهم وبُشر بعضهم بالجنة.
احتياج وإتقان
إذا أردنا صحبته ورؤية الله عز وجل وسبحانه راض عنا فلنكن مثلهم ولا نصوم وكأنه عادة ولنسعد بما يقربنا لله؛ فسبحانه الغني ولا يحتاج لتعبدنا ونحن المحتاجون للعبادة، وكلما أتقناها وأخلصنا فيها ارتفعت إنسانيتنا وزاد سمونا البشري وتضاعف رصيدنا الإيماني ونجاحنا الدنيوي وحصلنا على رزق المؤمن، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من خير وبركة وسكينة وهناء لا يعرفه إلا من أنار الله قلبه بالإيمان الحقيقي وحسن إسلامه وجدد اختياره للإسلام ليس برمضان فقط ولكن دائماً وجعل كل تعاملاته الدنيوية وسيلة للتقرب للرحمن؛ فيتميز بعمله ويحسن لأهله وللجميع ويقتدي برسولنا الحبيب الذي كان خلقه القرآن؛ كما أخبرتنا السيدة عائشة رضي الله عنها.
للنصر أسباب
بذا، نصبح مثل أجدادنا الذين استطاعوا خلال 80 عاماً تكوين دولة إسلامية عظيمة لأنهم لم يتعاملوا بطريقتين بالحياة، فلم تكن لديهم إلا مرجعية الإسلام الذي جعلوه قائدهم بكل أمور الدين والدنيا فتمكنوا من نشر الدين ومن السيادة أيضاً.
كان الرجل حين يدخل في الإسلام يتخلى عن كل ماضيه بالجاهلية ويبدأ إنسانًا جديدًا منفصلًا كليًا عن حياته السابقة.
فلنطرد في رمضان كل ما يخالف ديننا الجميل وتغييره إلى ما يتفق مع ديننا من الأقوال والأفعال والتدرب عليه خلال رمضان لإتقانه ووضعه بأهم أولوياتنا بالحياة والتي نكره تركها.
لست رقماً
قد يرى البعض ذلك صعبًا؛ ونؤكد أنه ليس صعبًا إذا أيقنا بالمكاسب الهائلة التي ستعود علينا عندما نحسن إيماننا ونبايع رسولنا الحبيب لنكون كما يحب ويرضى لنستحق شرف الانتماء الحقيقي لأمته ولا نكون مجرد رقم بتعداد المسلمين ونجاهد أنفسنا لنكون كجيل الصحابة.
ولا ننتظر أن يشاركنا أحد ونبدأ بأنفسنا ونغلق كل أبواب التأجيل أو الاعتماد على تشجيع الغير، فأفضل العون هو عون النفس بعد الاستعانة بالله بالطبع، وهو ما فعله أجدادنا العظام فلم يضيع أحدهم وقته للحصول على موافقة من حوله ليختار الإيمان بعد اقتناعه به بعقله وقلبه، ولذا فازوا بخيري الدين والدنيا.
فلم تعرف البشرية جيلًا كجيل الصحابة لأنهم تربوا على القرآن وعملوا به واستمدوا القوة من الله، ولم يبتغوا إلا رضاه؛ فاندفع المسلمون للبلدان يفتحونها ويحكمونها بالعدل، وامتدت سلطاتهم من جبال بيرينية -الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا- لجدار الصين، مع قلة عدتهم وعددهم في مدة لا تتجاوز ثمانين سنة، بما يعد من المعجزات، وهذا ليس غريباً، فالمؤمن يستمد قوته من إيمانه فلا يقلق ولا يخاف إلا من غضب الله، فهو يعلم أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وأمام عينيه دائما الآية الكريمة: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51).
بداية السباق
“من اشتاق الجنة سارع إلى الخيرات”، هذا ما قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفعله الصحابة عندما بايعوا رسولنا الحبيب فلنفعله جميعاً منذ الآن ولآخر لحظة بأعمارنا ولنتسابق بكل قوانا للفوز بأفضل مكانة في الإيمان ونكره أي تراجع ونطرده.
لنغمض أعيننا ونسترخِ ذهنيًا وجسديًا ونتخيل بلطف بالغ نورًا رائعًا، ليس كمثله نور، ونتقدم باحترام بالغ نحوه ونمد أيدينا برغبة متنامية وإحساس شفاف وجميل بأن نفوز بقبول رسولنا الحبيب لمبايعتنا له.
والمبايعة هي تعهد بالالتزام التام بتنفيذ ما سنبايع عليه.
عرض رسولنا الحبيب صلوات الله وسلامه على الأولين مبادئ الإسلام التي تدعو لإقامة العدل والمساواة بين النّاس وتوحيد اللّه عزَّ وجلّ، فأعلنوا إسلامهم، وبايعوه على “ألا يشركوا باللّه شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصونه في معروف”.
فطاعة الرسول طاعة لله الذي أرسله؛ ومبايعة الرسول مبايعة لله؛ فقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) (الفتح: 10)، فأصل الطاعة لله عز وجل، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تابعة لطاعة الله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تبايعوني على الإسلام؟ وهو ما يجب علينا فعله وعدم الاكتفاء بالتعامل مع الإسلام كتدين بالوراثة أو مجموعة من العبادات لا رابط بينها لتنتهي علاقتنا بالدين بعد أدائها.
بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل من السمع والطاعة والنفقة باليسر والعسر والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبيل الله ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن الإسلام عقيدة تسكن قلوبهم فقط، بل دعوة وحركة وجهادًا وتضحية بالأموال والأنفس.
يمكننا الفوز
نثق أن بإمكاننا التغيير للأفضل، فهذا أول سلاح لننتصر، ونستعن بالله ونتذكر الآية الكريمة: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: 69)، والحديث الشريف: “إِنَّما العلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وإِنَّما الحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، ومن يتصبر يصبره الله”، ونتذكر مكاسبنا ونضعها أمام أعيننا ونفرح بأي تقدم ونحتفل به ليمنحنا مزيداً من الطاقات الجبارة لتحقيق المزيد وسنصل بمشيئة الله للهدف كما نرغب.
ونبدأ في رمضان حيث يضاعف ثواب الأعمال الصالحة أضعافًا كثيرةً، وقد رحمنا الله عز وجل في رمضان من الشياطين التي تغوينا لنقع بالمعاصي، فقيدها بالسلاسل، ولنبتعد عن شياطين الإنس، الذين يلاحقوننا لإفساد صيامنا، وكذلك النفس الأمارة بالسوء ولنلح بالدعاء بطلب الهداية لنا ولكل المسلمين بكل زمان ومكان.
فأبوابَ الجنة تُفتح وأبوابَ النار تُغلق، وتتزين الجنة وتطلُب سكانًا، فلنجتهد لنكون من سكانها ولنسعَ بالفوز بالفردوس الأعلى؛ وهو أعلى درجات الجنة ولنتسابق بتنفيذ بيعتنا لرسولنا الحبيب وننصر إخواننا المجاهدين بالمال والتوعية والدعم فالآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) (الأنفال: 72).
ولنتأمل هذه الآية الكريمة ثم نختار الإيمان بملء عقولنا وقلوبنا: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: 24).
نقطة تحول
نتمنى نتذكر الآية الكريمة: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)؛ فرمضان سيكون لنا أو علينا، فندخل السرور على أهلنا ونقضي أوقاتاً لطيفة معهم ونحسن التعامل مع من يشاركوننا الحياة، ونجعل من رمضان نقطة تحول للأحسن بكل أمور ديننا ودنيانا وتعاملاتنا اليومية الصغيرة والكبيرة ونراجع أنفسنا دائماً عند أي تصرف لنعرف هل يتفق هذا مع بيعتنا مع رسولنا الحبيب أم لا؟
فإذا اتفق سارعنا بتنفيذه وكافأنا أنفسنا عليه معنويًا وماديًا، وإذا تعارض تراجعنا وكافأنا أنفسنا لحرمان الشيطان الرجيم من إفساد بيعتنا.
ولنتدرب على مراجعة النفس برمضان وفيه تسلسل الشياطين ونكون أكثر قدرة على تطويع النفس الأمارة بالسوء وتأديبها لتطيعنا دوماً؛ فنحرص على البر ونصل أرحامنا ونتقن أعمالنا ونتصدق ونساعد الفقراء والمساكين ونقدم الأعمال التطوعية بسعادة ورضا ونبتعد عما يغضب ربنا العظيم من أقوال أو أفعال.
ونجعل رمضان معسكرًا تربويًا نخلص فيه في تنفيذ بيعتنا بحسن الإيمان والطاعة فيما أمر والبعد عما نهى عنه؛ وهو فرصة للفوز بالخير الوفير فالصيام في اللغة هو الإمساك وفي الشرع إمساك مخصوص عما يبطل الصيام ولنتعلم ونتقن الإمساك عن كل ما لا يحبه الله من قول أو فعل في رمضان وبعده لنكون دوماً من الفائزين.