دق استطلاع للرأي أنجزته المجموعة المسلمة في حزب العمال البريطاني ناقوس التحذير من التعويل كثيرا على أصوات المسلمين في الانتخابات المقبلة؛ إذ أظهرت نتائج الاستطلاع تراجعا في تأييد الحزب في صفوف الأقلية المسلمة.
هذه النتائج تحمل دلالة عميقة باعتبارها الأولى من نوعها التي تكشف امتعاض المسلمين من سياسة زعيم الحزب كير ستارمر، وتؤشر إلى تغير في موقف الكتلة الناخبة المسلمة بعد سنوات من الدعم شبه المطلق لحزب العمال في عهد زعيمه السابق جيرمي كوربن.
وتحمل هذه النتائج أخبارا غير سارة لقيادة الحزب التي تستعد لانتخابات جزئية جديدة -بداية الشهر المقبل- في منطقة “باتلي أند سبين” بالشمال، أو ما يعرف بالجدار الأحمر، حيث يحظى حزب العمال بدعم مطلق في تلك المناطق.
إلا أنه منذ سنة 2019 بدأ حزب العمال يفقد العديد من مقاعده التاريخية في الشمال.
تراجع الثقة
حسب استطلاع الرأي الذي أنجزته المجموعة المسلمة في حزب العمال بالتعاون مع مؤسسة “سرفايشن” (Survation)؛ فإن 72% من المسلمين يعتبرون أنهم يجدون أنفسهم في حزب العمال، وهو ما يعني تراجعا بنسبة 11% مقارنة بما قبل سنة 2019.
ويفسر استطلاع الرأي الأسباب التي جعلت الحزب المعارض لا يحقق النتائج المتوقعة خلال الانتخابات التي جرت في شهر مايو/أيار الماضي، حيث تراجعت أعداد المسلمين المصوتين له بنسبة 11% أيضا، كما أن نسبة المسلمين الذين أكدوا أن نظرتهم للحزب أصبحت سلبية وصلت إلى 37%؛ مما يعني تقريبا ثلث الكتلة الناخبة.
انهيار الجدار
تلقى حزب العمال في الانتخابات الجزئية -التي تمت في شهر مايو/أيار الماضي- ضربة موجعة بخسارته مقعد منطقة “هارتل بول”، الذي ظل مقعدا عماليا لأزيد من نصف قرن، مما أحدث شرخا جديدا في “الجدار الأحمر”.
والمميز في منطقة “باتلي أند سبين” أنها منطقة يؤثر فيها صوت الأقليات، ومن ضمنها الأقلية المسلمة، وهذه الأخيرة غير راضية عن سياسة القيادة الجديدة لحزب العمال في التعامل مع المسلمين. وفي حال خسارتها فإن حزب المحافظين سيقوي من حضوره في البرلمان ويجد له موطئ قدم في الشمال الذي ظل في جزء كبير منه وفيا لحزب العمال على امتداد سنوات.
ويأتي ذلك رغم علم حزب العمال أن سياسة الاستثمار في الأقليات التي أقرها كوربن هي التي منحته الكثير من المقاعد، ذلك أن دراسة للمجلس الإسلامي البريطاني أظهرت أن أصوات المسلمين قادرة على حسم 31 مقعدا.
علاقة مرتبكة
نجح كوربن في التخلص مما يمكن تسميته بعقدة غزو العراق، ذلك أن الأقلية المسلمة وصلت لحد القطيعة مع الحزب بعد قرار زعيمه حينها توني بلير المشاركة في ذلك الغزو.
لكن كوربن تمكن تدريجيا من كسب ثقة الأقليات المسلمة؛ أولا بالانتقاد العلني لقرار المشاركة في غزو العراق، ومنح ممثلي الأقليات -بما فيها الأقلية المسلمة- الفرصة للترقي داخل الحزب وتشكيل كتلة عربية أيضا، والأهم هو الدعم الكبير الذي كان يعبر عنه كوربن للقضية الفلسطينية.
ويعتبر كوربن أول زعيم سياسي يرفع العلم الفلسطيني في المؤتمر العام للحزب، ووعد بالاعتراف بدولة فلسطين حين وصوله لرئاسة الحكومة، وكل هذا جعل من حزب العمال الحزب المفضل للمسلمين، حيث أكد أكثر من 70% منهم أنهم يصوتون له.
وبدخول الحزب المعارض مرحلة جديدة بعد رحيل كوربن، ووصول الزعيم الجديد كير ستارمر، ابتعد الأخير عن الملف الفلسطيني، وأصبح أكثر قربا من الرواية الإسرائيلية، بل إنه قام بتوظيف موظف سابق في المخابرات الإسرائيلية في مكتبه.
ووجّه عدد من المسلمين في الحزب انتقادات لقيادة الحزب بكونها تصم آذانها عن مطالبهم، ومن بينهم عمدة منطقة “إيزلنتون” التي صرحت في وقت سابق للجزيرة أنه يتم تجاهلها من طرف قيادة الحزب وأن هناك محاولات لإبعادها عن المشهد السياسي.
مركزية فلسطين
لا يظهر عمر إسماعيل -الرئيس السابق للكتلة العربية في حزب العمال- أي استغراب من تراجع شعبية حزب العمال في صفوف المسلمين، مفسرا ذلك بسياسة القيادة الجديدة في التعامل مع الكثير من الملفات التي تهم الأقلية المسلمة، وفي القلب منها الملف الفلسطيني.
ويؤكد عمر إسماعيل -الذي سبق وشغل منصب سكرتير انتخابي للحزب- أن “فلسطين كانت هي كلمة السر في اجتماع المسلمين -عربا وغير عرب- على دعم حزب العمال”، مشيرا إلى أن المسلمين من أصول باكستانية يشكلون كتلة ناخبة مهمة، و”هؤلاء أيضا غير راضين عن تخلي كير ستارمر عن الملف الفلسطيني وأيضا عن موقفه من قضية كشمير”.
ومن خلال تجربته الشخصية أكد إسماعيل وجود ما يصفه بـ”تفضيل الأسماء البيضاء على الأقليات”، قائلا إنه “بات يظهر جليا في الوقت الحالي كيف أن هناك سعيا لتقليص دور الأقليات والإجهاز على المكتسبات التي حققتها في عهد جيرمي كوربن”.
وتوقع عمر إسماعيل أن يتضرر الحزب في الاستحقاقات الانتخابية من سياساته الجديدة “لأنه لو فقد ثقة المسلمين والأقليات فهذا يعني فقدان الكثير من المقاعد”.