يصف أستاذ الصحافة السياسية في جامعة كولومبيا، توماس إدسال، الولايات المتحدة بأنها منغمسة في عالم يموج بمتغيرات موازية خبيثة من المشاكل البنيوية نفسها؛ مثل الحماسة المعادية للمهاجرين والقبلية السياسية والعنصرية والتوتر العرقي والاستبداد وعدم المساواة، التي أدت إلى سيطرة يمينية على الحكومة الفدرالية بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب.
ويرى إدسال في مقاله بصحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) أن الخصائص الأميركية الغريبة لسنوات حكم ترامب، قد أعمت البلاد عن انتشار هذا الاضطراب المتطرف في جميع أنحاء العالم، حتى عندما رأى بعض العلماء والمحللين ذوي البصيرة الروابط طوال الوقت، وحاولوا توعية الجمهور بها.
وينقل الكاتب عن عالمي الاجتماع في جامعة ستانفورد ميشيل جاكسون وديفد غروسكي أن هناك خيطا مشتركا بين هذه التطورات التي تبدو متباينة، وهو ما يسميانه “انتشار الخسارة في كل مكان”، وهي حالة يصفها الباحثان على أنها “تجربة صناعية متأخرة، وباختصار، حالة متزايدة من الخسارة والانحدار في كل مكان”.
ويقول الباحثان في بحثهما “نظرية ما بعد الليبرالية في التقسيم الطبقي” إن خسارة مثل هذه يمكن أن يستشعرها الأطفال كانخفاض حاد في فرصهم لتحقيق مستوى معيشي مرتفع مثل مستوى آبائهم. وهذا الانخفاض الحاد يستشعره الرجال كانخفاض في فجوة الأجور بين الجنسين والفصل المهني وأنواع أخرى من الخسارة مقارنة بالنساء. ويستشعرها عمال المصانع كخسارة حادة في عدد الوظائف النقابية عالية الأجر. وتعاني منها أسر ما يعرف بـ”حزام الصدأ”، وهي خسارة الحزام الاقتصادي في الوسط الغربي للوظائف والأرباح لصالح الصين ودول أخرى.
الخصائص الأميركية الغريبة لسنوات حكم ترامب قد أعمت البلاد عن انتشار هذا الاضطراب المتطرف في جميع أنحاء العالم
وعلق الكاتب بأن قواسم الخسارة المشتركة هذه عززت ظهور السياسيين والإستراتيجيين السياسيين المهتمين بتغيير الأعراف الاجتماعية أمثال ترامب وستيفن بانون ومارين لوبان ونيجل فاراج، الذين يسيسون الخسارة من خلال تمثيل الفئات الأخرى على أنها تستفيد منها.
وأضاف الكاتب أن سياسات الخسارة هذه مكنت بدورها اليمين الشعبوي من خلال تشجيع الرأي القائل بأن الفئات المحرومة قد استفادت بشكل غير عادل من الحماية القانونية والحركات الاجتماعية المتساوية والمساعدات الحكومية والخيرية. وبدلا من ذلك ينظر إلى هذه المبادرات على أنها تجاوزت الهدف ووفرت ميزة غير عادلة؛ مما يؤدي إلى “حقبة جديدة من مظالم كبيرة وصراع شديد وأيديولوجية متطرفة”.
وانتهى إدسال بعد عرض الكثير من آراء الباحثين إلى أنه في بعض الديمقراطيات الغربية أدث عدم ثقة الجمهور في قدرات وسياسات الأحزاب والنخب الراسخة، فضلا عن القلق بشأن الاضطرابات الاقتصادية وانقلاب الأوضاع والهجرة، إلى تأجيج صعود القادة غير الليبراليين الذين يقوضون الأعراف والمؤسسات الديمقراطية والحريات المدنية.
إذا فشل بايدن في سياسته الخارجية، فليساعدنا الرب، سنعود إلى عالم الثلاثينيات مع استقطاب سياسي حاد وكراهية وتطهير عرقي ومشاعر قوية مناهضة للهجرة ونشر الفاشية
وأشار إلى أنه في الديمقراطيات الأحدث، التي انتقلت من الحكم الاستبدادي في الثمانينات والتسعينيات، أدى مزيج من العوامل إلى الركود الديمقراطي أو التراجع، بما في ذلك قدرة الدولة وسيادة القانون الهشة والتقاليد الهشة للتسامح مع المعارضة وعدم المساواة العالية والفساد والجيوش مع دور قوي في السياسة.
وأضاف أن الأنظمة الاستبدادية وغير الليبرالية في جميع أنحاء العالم ستستغل بشكل متزايد الأدوات الرقمية لمراقبة مواطنيها، والتحكم في حرية التعبير، والرقابة على المعلومات، والتلاعب بها للحفاظ على سيطرتها على سكانها. وتقوم مثل هذه الأنظمة بشكل متزايد بعمليات اقتحام إلكترونية تؤثر على المواطنين خارج حدودها؛ مثل اختراق الصحفيين والأقليات الدينية، أو مهاجمة الأدوات التي تسمح بحرية التعبير على الإنترنت، كجزء من جهودها الأوسع نطاقا لمراقبة السكان الأجانب والتأثير عليهم.
واختتم مقاله بكلمة جاك غولدستون، أستاذ السياسة العامة في جامعة جورج ماسون، “إذا فشل بايدن في سياسته الخارجية، فليساعدنا الرب، سنعود إلى عالم الثلاثينيات مع استقطاب سياسي حاد وكراهية وتطهير عرقي ومشاعر قوية مناهضة للهجرة ونشر الفاشية”.