رصد عدد من الحقوقيين والسياسيين ما تعرضت له مصر من انتهاكات وقمع على أكثر من صعيد خلال السنوات الثماني الماضية، على المستوى الحقوقي والسياسي والإعلامي؛ وهو ما طال كافة فئات المجتمع المصري، وكل من أراد أن يعبر عن وجهة نظر تجاه ممارسات ما بعد الثالث من يوليو 2013م.
وأكدوا، في تصريحات لـ”المجتمع”، رفض هذه الممارسات وضرورة وضع حد لها وتدخل المجتمع الدولي لوقف تنفيذ أحكام الإعدام والإفراج عن المعتقلين، وكذلك إطلاق حرية التعبير، ومنح الأحزاب مساحة من العمل السياسي في الشارع المصري.
انتهاكات مستمرة
فلو تناولنا سجل الانتهاكات على مدار السنوات الثماني بشيء من التفاصيل، فسوف نكتشف حجم هذه الانتهاكات، وما تعرض له الشعب المصري خاصة معارضي النظام الحالي من انتهاكات؛ حتى الذين أيدوه في البداية.
ففي سياق هذا النهج وطبقاً للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات وفي ملف أحكام الإعدام تحديداً؛ فقد بلغ عدد من تم تنفيذ حكم الإعدام بهم 93 شخصاً، أما أحكام الإعدام النهائية للتنفيذ فبلغت حتى الآن 62 حكماً، فضلاً عن عشرات الأحكام الأخرى المنتظرة لحكم محكمة النقض.
وكانت المحاكم المصرية أصدرت أحكام إعدام بالمئات، وأشهرها الحكم بإعدام أكثر من 500 شخص بمحافظة المنيا، وأكثر من 300 بقضية كرداسة بالجيزة، وتم الاستئناف على هذه الأحكام وتخفيضها بعد ضغوط دولية كبيرة.
وبالنسبة للإخفاء القسري، ذكرت التنسيقية أن هناك ما بين 4 و6 آلاف حالة منذ عام 2017م، وهناك 6 آلاف عام 2013م، لتكون المحصلة آلاف المختفين قسرياً، بالإضافة لأكثر من 100 ألف اعتقال وإفراج، والعدد المتبقي بالسجون يقارب 60 ألف معتقل.
انتهاكات صحفية غير مسبوقة
وعلى صعيد الصحافة وحرية التعبير، أكد المرصد العربي لحرية الإعلام، في أحدث تقاريره، أن هناك نحو 70 صحفياً ومصوراً يقضي بعضهم أحكاماً بالحبس تصل إلى المؤبد، بينما يقضي غالبيتهم حبساً احتياطياً على ذمة اتهامات، ولم يتم إحالتهم إلى المحاكم، وقد قضى غالبية هؤلاء الفترات القصوى للحبس الاحتياطي التي ينص عليها القانون (سنتين) ولم يتم إخلاء سبيلهم؛ بل تم إعادة حبسهم باتهامات جديدة؛ ليصبح الحبس الاحتياطي الذي هو مجرد إجراء احترازي عقوبة سالبة للحرية طويلة المدى بدون حكم قضائي.
وأكد المرصد، عبر تقاريره وبياناته السابقة، أن هؤلاء الصحفيين والمصورين المحبوسين لم يرتكبوا أي جرائم إرهابية، وكل جريمتهم هي العمل الصحفي، أو ممارسة حقهم في التعبير السلمي عن آرائهم، وهو الحق الذي كفله لهم الدستور والقوانين المصرية؛ بل إن الدستور المصري في المادة (71) يمنع تماماً الحبس في قضايا النشر الصحفي، كما يمنع إغلاق الصحف.
لا صوت يعلو فوق السلطة
وعلى الصعيد السياسي والحزبي، شهدت مصر خلال السنوات الثماني تراجعاً كبيراً، بداية من مصادرة وإغلاق عدد من الأحزاب السياسية مثل الحرية والعدالة والبناء والتنمية، فضلاً عن اعتقال رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح، وسجنه منذ عامين هو ونائبه محمد القصاص.
ونال حزب الاستقلال “العمل سابقاً” النصيب الأكبر من حملة القمع الحزبي؛ حيث تم اعتقال رئيسه مجدي حسين لمدة 7 سنوات قبل الإفراج عنه مؤخراً، وفي العام الماضي تم إغلاق الحزب بعد اقتحامه واعتقال أكثر من 20 شخصاً من قيادته العليا، من ببنهم الأمين العام وأمين تنظيم الحزب.
كما لم تنجُ الأحزاب المدنية من التضييق والقمع، فضلاً عن اعتقال من فكر خوض الانتخابات البرلمانية، كما حدث مع ما سمي بـ”خلية الأمل” واعتقال أعضائها وهم صحفيون وبرلمانيون سابقون.
إعدامات بالجملة
من جانبها، قالت المديرة التنفيذية للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات هبة حسن: إنه خلال 8 سنوات تدهور ملف حقوق الإنسان في مصر بشكل مرعب ما بين إعدامات بالجملة والاعتقال والإخفاء والتعذيب، وكذلك بعد اعتقال الرجال تطور الأمر ليشمل اعتقال أطفال ونساء.
وأضافت، في حديثها لـ”المجتمع”: النظام رفع مستوى التنكيل ليتحول لانتقام ممنهج يقضي به، ليس فقط على من ادعى أنهم خصومه ومعارضوه؛ بل طال كذلك حتى داعميه، ومن ساندوه لسنوات إذا اختلفت رؤاهم، وليطال الشعب المطحون إذا ما فكر فقط في المطالبة بمقومات حياته من مسكن أو علاج ضد جائحة عالمية، أو حق إنساني في التعليم.
وطالبت الحقوقية المصرية بضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف تنفيذ أحكام الإعدام والإفراج عن المعتقلين.
تجريف الحياة السياسية في مصر
وفي سياق تعليقه، قال القيادي بجبهة الإنقاذ سابقاً والناشط السياسي مجدي حمدان: إن الفترة الماضية تعطيك دلالة على كيفية التعامل الحزبي بمصر خلال السنوات الثماني الماضية، وأن النظام لا يرى أن هناك حياة سياسية أو أحزاباً، وهذا ما عكسته الأحداث الأخيرة؛ حيث لا يتم أخذ رأي الأحزاب في أي قضايا حتى القومية منها مثل “سد النهضة” وخلافه.
وأوضح، في حديثه لـ”المجتمع”، أن النظام لم يجتمع مع الأحزاب منذ 4 سنوات، وهو لا يرى للأحزاب دوراً، ويعتمد على مجموعات كونتها السلطة مؤخراً، ويتم تبنيها، وهذه الكيانات التي لا علاقة لها بالسياسة، لكن يتم التعامل معها باعتبارها ظهيراً سياسياً للسلطة.
كما عبر عن يأسه من إمكانية وجود أي انفراجة سياسية في الفترة القادمة، مستدلاً بما حدث بقضية “الأمل” ومرشحي الرئاسة من حبس وتنكيل، وهو ما يشكل تجريفاً للحياة السياسية بمصر.
مشهد قاتم للصحافة
أما مدير المركز العربي لحرية الإعلام قطب العربي، فأكد أن المشهد الصحفي خلال السنوات الثماني الماضية شهد أسوأ أيامه؛ حيث تم قمع الحريات، وقتل روح المنافسة، والهيمنة السلطوية على الإعلام الخاص، إلى جانب الإعلام القومي؛ لتصبح منظومة للصوت الواحد، وبالتالي فقد الإعلام سواء قنوات أم صحفاً أم مواقع أهميتها وقيمتها وجاذبيتها؛ حيث تخرج جميعها بصوت واحد ومانشيتات موحدة تأتي من جهاز “السامسونج” الذي يحمله ضابط المخابرات المختص بمتابعة الإعلام!
وعبر عن تشاؤمه بشأن حرية الصحافة في عهد النظام الحالي، مؤكداً، في حديثه لـ”المجتمع”، أنه لا يرى هناك انفراجة ستحدث قريباً في المشهد الإعلامي، موضحاً أن الإفراج عن عدد محدود من الصحفيين السجناء ليس مؤشراً لانفراجة؛ حيث هناك أكثر من 70 صحفياً وإعلامياً لا يزالون في السجون، لافتاً إلى ضعف موقف نقابة الصحفيين ونقيبها، وتراجع قدرتها في التأثير على نظام السيسي للإفراج عن باقي الصحفيين المعتقلين.