حين أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الابن) قبل 20 عاماً، في سبتمبر 2001م، نهاية حقبة حركة “طالبان”، ربط بين معركته في أفغانستان والحرب الصليبية.
وعندما نعود لخطابات جورج بوش عن الحرب الصليبية والأسباب الحقيقية لاحتلال أفغانستان والعراق ودعم الأنظمة المستبدة ووضع العالم الإسلامي تحت السيطرة، توضح لنا سر غضب وهلع العالم الغربي مما حدث في أفغانستان أخيراً بعد عودة “طالبان” وانتصارها.
فقد شكل انتصار “طالبان” هزيمة لنبوءة بوش وكل ما قاله عن مبررات “الحرب الصليبية”، وكشف الموقف الأمريكي والغربي اللاحق من “الربيع العربي”، خاصة بعدما أتت الانتخابات الحرة بالتيار الإسلامي للحكم.
في الأسابيع التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001م على نيويورك وواشنطن، خرج بوش ليقول للصحفيين: “هذه الحملة الصليبية.. هذه الحرب على الإرهاب ستستغرق فترة من الوقت”.
مع أن وصف بوش الحرب على الإرهاب بأنها “حرب صليبية” أثار استياء الشعوب الإسلامية عامة والمواطنين الأمريكيين المسلمين خاصة، بسبب ألفاظه العنصرية الصريحة ضد المسلمين، حاول أنصاره الزعم أنه يقصد بالصليبية أي “الممتدة”!
لكنه عاد ليستخدم هذا المصطلح مجدداً عام 2004 وفي خطبه حول انتهاء حقبة “طالبان”، حتى إنه تورط بالقول: “إن تركنا الإسلاميين يسيطرون على دولة واحدة، فإن هذا سيستقطب جموع المسلمين مما سيترتب عليه الإطاحة بجميع الأنظمة التابعة لنا في المنطقة”!
وأضاف: “سيتبع ذلك إقامة إمبراطورية إسلامية من إندونيسيا إلى إسبانيا”.
https://twitter.com/amansouraja/status/1427186408175853574
عقب هجمات 11 سبتمبر، أطلقت الإدارة الأمريكية خططها تحت مسمى “الإسلام الراديكالي”، و”الإرهاب الإسلامي”، و”مكافحة الإرهاب”؛ لاحتلال الأراضي الإسلامية.
بعد يوم واحد من الهجوم، تم عرض زعيم “القاعدة” أسامة بن لادن والأسماء المقربين منه على جدول الأعمال، وتم إظهارهم في وسائل الإعلام على أنهم منفذو الهجمات.
طلب جورج دبليو بوش من الحكومة الأفغانية (طالبان) تسليم أسامة بن لادن إلى بلاده، وعندما رفضت الحكومة الأفغانية قبول هذا الطلب، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا الضربة الجوية الأولى، في 7 أكتوبر 2001م، لاحتلال أفغانستان.
وتم قصف العاصمة كابل ومطار قندهار خلال هذا الهجوم، وخلال البيان الذي أدلى به الرئيس الأمريكي بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، عقب الهجوم، حاولا إخفاء احتلالهما بأكاذيب وهمية.
أزاحت أحداث 11 سبتمبر الغطاء عن مكنون القلوب لدى زعماء غربيين تصرفوا بمنطق الحروب الصليبية، وأحيوا مقولات الداعين لتلك الحروب والمتمثلة في “مواجهة خطر المسلمين”.
سيلفيو برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، أعلن بدوره بعد أيام من أحداث 11 سبتمبر أن “الإسلام دين لا يحترم حقوق الإنسان ومبادئ التعددية والتسامح والحرية الدينية، وأن الحضارة الغربية تعلو على حضارة الإسلام”!
تزامن مع حملة بوش الصليبية حملات شيطنة عالمية موازية للدين الإسلامي الذي وصف بأنه معادٍ للقيم الغربية وعلى رأسها الديمقراطية.
سعت أمريكا حينئذ لحملة سميت خلق “الإسلام المعتدل” القائم على ممارسة الشعائر (من صلاة وصوم وحج)، ولكن دون الالتزام بالشريعة الإسلامية، بما يعني مصاحبة الفتيات دون زواج، والسفور، والرقص، وتعاطي الخمور!
أصبحت الأحزاب اليمينية الأوروبية التي كانت لا تجرؤ على قول رأيها صراحة فيما يتعلق بالوجود الإسلامي أكثر عدائية للمسلمين، متحججة بضرورة حفظ مجتمعاتها من خطر الإرهاب.
مشيئة الرب
كانت مقولة “Deus lo vult”، أو “God Willing”؛ أي: “الرب يريد ذلك”، أو “هذه مشيئة الرب”، أو “هكذا أراد الرب”، هي شعار وصيحة “الحرب الصليبية” الأولى التي أطلقها البابا أوربان الثاني في مؤتمر (مجمع) كلير مون، عام 1095م، وما تلاها من حروب صليبية وصلت إلى 9 حروب، امتدت حتى عام 1291م.
وحين تولى رؤساء أمريكيون جمهوريون إنجيليون متطرفون أمثال رونالد ريجان، وجورج بوش (الأب، والابن)، وترمب، كانوا يكررون نفس هذه العبارات لتبرير حروبهم ضد العالم العربي والإسلامي.
جورج بوش الأب، والابن، بررا حروبهما في العراق وأفغانستان وغيرها على أنها “حرب أرادها الله”، أو “God Willing”.
كانت تكلفة الحرب في أفغانستان على مدار 20 عاماً، وفقاً للصحف الأمريكية، قتل 47 ألفاً و245 أفغانياً مدنياً، و66 ألفاً من القوات الأفغانية، و3846 عدد قتلى أمريكا، وقتل 72 صحفياً، و1144 من جنود “الناتو”، و50 ألفاً من “طالبان”.
أنتوني سيلدون، كاتب السيرة الذاتية لتوني بلير وغيره، قال لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية، في 7 يوليو 2016م: إن “العناد والعقيدة المسيحية لتوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، كانا وراء قراره بغزو العراق مع بوش في عام 2003م”.
بعد 5 سنوات من غزو أفغانستان، عاد بلير ليعلن، في 2 أغسطس 2006م، أن الحملة العسكرية في أفغانستان والعراق “استهدفت تغيير القيم وليس مجرد إزاحة نظامي “طالبان” في أفغانستان، وصدام في العراق.
ودعا إلى تغيير جذري في الإستراتيجية المعتمدة للقضاء على التطرف في العالم، و”تغيير القيم وعدم السماح بقيام نظام “طالبان” أو صدام حسين آخر”.
وقال أمام اجتماع في مجلس لوس أنجلوس للقضايا الدولية: إن القضاء على التطرف يتم من خلال اللجوء إلى القوة العسكرية إضافة إلى وسائل أخرى أكثر ليونة.
من أيزنهاور إلى ترمب، كانت خطابات الرؤساء الأمريكيين خصوصاً الجمهوريين (يضم الحزب الجمهوري يمينيين إنجيليين متطرفين) عن الإسلام تبدو معادية تارة ومخاطبة لود المسلمين تارة أخرى.
برغم الحملة العدائية ضد الإسلام بدعاوى محاربة المتطرفين، تسببت حملة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في استفزاز قطاع عريض في الغرب لدراسة الدين الإسلامي (عدوهم كما صوره زعماؤهم)، وحدثت نتيجة عكسية، كما تؤكد دراسات غربية، حيث زاد الإقبال على دراسة القرآن واللغة العربية بمعدل 3 أضعاف، وزاد معدل تحول غربيين للإسلام بعدما تعرفوا عليه عن قرب واكتشفوا أكاذيب وزيف مقولات زعمائهم.
جاء انتصار “طالبان” مبشراً لكثير من المسلمين في العالم الإسلامي، حيث اعتبروه انتصاراً على نبوءة بوش وحربه الصليبية.