رغم نفاق مفتي سوريا المنتمي للطائفة السنية لحكام دمشق المنتمين للأسرة العلوية على مدار سنوات، استغل الرئيس بشار الأسد فتاواه النفاقية الأخيرة للنيل من نفوذ الأغلبية السنية بإلغاء منصبه وسحب الفتوى بالتالي من السنة.
آخر وصلات نفاق المفتي أحمد بدر الدين حسون لحكم الأسد والتي زعم فيها أن خريطة سوريا مذكورة في سورة التين بالقرآن الكريم، وأن من يُولد فيها (سوريا) يُخلق في أحسن تقويم، وإن غادرها رُدّ إلى أسفل سافلين، أدت به لأسفل سافلين.
استغل الأسد هذه السقطة التي أثارت انتقادات في سوريا ضد المفتي ليعلن رسمياً إلغاء منصب مفتي الجمهورية، وتعزيز صلاحيات المجلس العلمي الفقهي متعدد الطوائف في وزارة الأوقاف فيما يعد استهدافاً للهُوية السنية السورية.
بعدما هاجم “المجلس العلمي الفقهي” التابع لوزارة الأوقاف تصريحات المفتي حسون، واعتبر ذلك تحريفاً لآيات القرآن الكريم بدافع الأهواء والمصالح الشخصية، سعى الأسد لاستثمار أخطائه في إلغاء منصب الإفتاء في 15 نوفمبر 2021.
منصب المفتي كان حكرا على رجال الدين السنة على مدار تاريخ سوريا، وكان هذا مؤشرا على التمثيل الديني لأكثرية سوريا السنة؛ لذلك يبدو إلغاء منصب المفتي في سوريا خطوة جديدة في إعادة هيكلة المجال الديني لصالح الشيعة أو الطائفة العلوية.
ويُعرَف وزير الأوقاف عبد الستار السيد الذي أسندت لوزارته مهمة الإفتاء بأنه أحد رجالات إيران في سوريا منذ توليه منصبه في عام 2008، و”المجلس العلمي الفقهي” ابتُدع حديثا على يد “السيّد” نفسه عام 2008.
وهو يضم رجال دين من كافة المذاهب الإسلامية، إضافة إلى ممثلين من طوائف مسيحية، وكان الغرض من إنشائه تلافي الانقسام المذهبي والطائفي في المجتمع.
لكن إسناد الفتوى لهذا المجلس معناها إلغاء رمزية المفتي السني بإلغاء منصبه، ونقل الفتوى للفيف من رجال دين ذوي مشارب ومذاهب وأديان مختلفة.
لهذا قال المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي السوري مطيع البطين: “إنّ إلغاء منصب الإفتاء في سورية هو الخطوة الأخطر سيراً بسوريا نحو مخطط الولي الفقيه، وهو مضيّ في تغيير العناوين المعبّرة عن هويّة سوريا وانتمائها.. إنه -بمنتهى الوضوح- استمرار في إضعاف المسلمين السُّنَّة وتحويلهم إلى أقلية مهمّشة ضعيفة الحضور في المشاهد والمواقع كافة.“..
تبعات القرار
وقد أثيرت المخاوف من تبعات القرار، بناءً على تركيبة المجلس العلمي الفقهي التي تتألف من رجال الدين الممثلين لمختلف الطوائف السورية، من سُنَّة ومرجعيات شيعية وعَلَوية ودروز وغيرهم.
بذلك لن يكون المذهب السني المرجعية الوحيدة والأولى للفتاوى الشرعية وقوانين الأحوال الشخصية؛ لأن قرار الأسد سيفرض بذلك شراكة في صياغة الفتوى.
وبناءً على ذلك فإن إبعاد المفتي المنحدر من الأغلبية السُّنية من مركز المشهد الديني، هو مقدمة لزعزعة الهوية السنية التي تتميز بها سوريا، واستهداف مباشر للأغلبية السنية بما يساهم في مزيد من عزلها وانزوائها، حسب آراء خبراء ومحللين.
ولم ينص المرسوم الجديد صراحة على عزل مفتي النظام أحمد حسون من منصبه، ولكن مضامين المرسوم تؤكد إلغاء منصب المفتي العام والمفتين في المحافظات ونقل مهامهم إلى المجلس؛ إذ ألغى المرسوم الجديد فصلاً من القانون رقم 31 كان ينصَّ على: “تسمية مفتي الجمهورية وتحديد مهامه واختصاصاته بمرسوم بناء على اقتراح الوزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد”، كما ألغى فقرة كانت تنص على: “يتولى الوزير تسمية مفتين في المحافظات عند الحاجة، وتكليف أرباب الشعائر الدينية والقائمين على أماكن العبادة ومحاسبة المقصرين منهم، وفرض العقوبات التأديبية بحق من تثبت مخالفته منهم وفق أحكام هذا القانون والأنظمة الصادرة وفقاً له“.
تغيرت هوية سوريا السنية
باحثون وناشطون سوريون كتبوا على مواقع التواصل أن إقالة حسون الذي عُرف بتملقه للسلطة مقصود بها استهداف الهوية السورية السنية، لكن استغل بشار الأسد الهجوم علي المفتي ليبدو كمن يستجيب لإرادة الشعب، ضمن خطط تعزيز نفوذ الأقلية العلوية.
وقالوا إن المسلمون السنة يشكلون بحدود ما بين 70 و80% من سكان سوريا وبالتالي فإلغاء مركز مفتي الجمهورية السورية رغم رمزيته، خلال عقود من تشكل الدولة السورية الحديثة، هو مرسوم عنصري بحق غالبية سكان سوريا واستكمال لجرائم الأسد بالقضاء على الوجود السني في سوريا لصالح العلويين وإيران.
ويرى الكاتب المتخصص بقضايا التيارات والمدارس الإسلامية، محمد خير موسى، أن “عزل المفتي الذي يمثل المذهب السني يعني أنه لم يعد مرجعية شرعية للدولة السورية، وبالتالي فالسنّة لم يعودوا في نظر النظام أكثرية، بل تحولوا إلى طائفة من الطوائف للإفتاء“.
ويقول في تصريحات لموقع “الحرة”: “الإشكالات التي حصلت مؤخرا والمتعلقة بتفسيرات حسون لسورة التين هي مجرد استثمار لما يريده النظام“.
واعتبر أن المفتي السابق أحمد حسون كان قد هُمّش بالفعل منذ أكثر من 3 سنوات، ولم يعد له أي وجود على الخارطة الدينية، في العامين الماضيين.
وقال مطيع البطين، المتحدث باسم “المجلس الإسلامي السوري” الذي يضم علماء معارضين للنظام ومقره إسطنبول، إن ما أثاره مرسوم الأسد “لا يتعلق بأحمد حسون وسلوكه والتخريف الذي وقع به”؛ لأن حسون موغل في دماء السوريين من خلال فتاويه منذ انطلاق الثورة عام 2011 ويسمّيه السوريون “مفتي البراميل”.
وأضاف في تصريحات صحفية أن “المرسوم الجديد يلغي منصب المفتي ويتدخّل في مسألة القضاء الشرعي والأحوال الشخصية”، ولأن غالبية السوريين على مذهب أهل السنّة والجماعة، والمرسوم سيلغي هذه الحقيقة استكمالاً لسياسة التغيير الديموغرافي التي يتّبعها النظام على مدى أكثر من عشر سنوات.
وبحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية كانت نسبة المسلمين السنة في سوريا تبلغ 77%، لكن بعد 10 سنوات من نشوبها غيّرت الحرب في سوريا طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، ولم يعد العرب السنة يمثلون سوى نصف السكان يعد أن كانوا الأغلبية بحسب تقارير أجنبية وعربية.
وبعد 51 عاما من حكم آل الأسد تتحدث بيانات الأمم المتحدة عن 13.3 مليون لاجئ ونازح غالبيهم من السنة، و13 مليونا بحاجة لمساعدات، و80% تحت خط الفقر و6 ملايين في حال فقر مدقع، و2.5 مليون طفل خارج التعليم، و1.5 مليونا مهددون بفقدان التعليم.