بمجرد أن استيقظت “أم حسون” من نومها حتى سمعت ابنها الأكبر “حسون” يطلب منها أن تعد أكلة المقلوبة على مائدة الإفطار فهو يحب تناولها كثيراً، وذكَّرها بالحلويات التي يتلذذ بتناولها، وقبل أن ينتهي حتى أخذ ابنها الأصغر خالد يطلب قائمة جديدة من الطعام لذات اليوم من مائدة الإفطار تتمثل في أكلته المفضلة المسخن الذي يستغرق إعداده ساعات طويلة، وقبل أن تقول حاضر ذكرها بإعداد كعكة الشكولاتة اللذيذة.
وبينما هي تدون ذلك في دفترها الصغير حتى لا تنسى، كانت بالقرب منها ابنتها “ديما” التي كانت تتكلم بصوتها المتكسر بالحروف ما بين اللغة العربية والإنجليزية، فهي تجد أنها كلما كانت متقنة للكلمات الإنجليزية ستكون فتاة راقية ومحل إعجاب الجميع، أريد اليوم على الإفطار فطائر السبانخ والرز بالزبيب والخضار، وحلوى التشيز كيك وووووو.
أما “سوزي”، فهي تهتم برشاقتها، لذلك لها قائمة خاصة من وجبات الطعام التي طلبتها من والدتها بأن تعدها لها بمعايير ومقاييس غريبة عجيبة! أما الحلوى فكانت بمواصفات أكثر غرابة لدرجة أن والدتها لم تسمع بها من قبل ذلك لكن أخبرتها بألا تقلق نظراً لأنها سوف تبحث عن كل طرق إعداد طعام وحلويات “الدايت” من الإنترنت.
بدأت علامات التعب واضحة على “أم حسون”، رغم أنها لم تبدأ بعمل شيء، فكان مجرد تفكيرها بكمية الطعام والحلويات وأنواعها المُختلفة إضافة إلى السلطات والمقبلات المختلفة والعصائر الحامضة والحلوة كان يزيد من طول القائمة والشعور بالإرهاق.
ورغم ذلك، فإن “أم حسون” لا تقول لأولادها: “لا” أو “هذا كثير”، فهي ترى أن أولادها صائمون وهم بحاجة لكثير من الطعام.
وقبل أن تجهز مواد إعداد الطعام والحلويات كان قد ارتفع صوت أذان الظهر، ومع ذلك لم تسرع لأداء الصلاة، فكانت تردد: ما زال هنالك وقت، سوف أصلي بعد قليل، فلدي الكثير من الأعمال.
وهكذا تمر عقارب الساعة حتى أذان العصر الذي لم تسمعه؛ نظراً لأن صوت جهاز خلاط العصائر كان عالياً.
ويمر الوقت سريعاً ويدها تارة لإعداد المقلوبة وتارة لإعداد فطائر السبانخ وتارة لإعداد طبق الحلوى، وقبل أن يأتي موعد الإفطار بربع ساعة تنبهت بأنه قد فاتتها الصلاة، فأخذت مسرعة جداً بالوضوء والصلاة بسرعة قد تكون فاقت سرعة البرق حيث كانت الصلاة خالية من الطمأنينة والخشوع.
مهلاً يا “أم حسون”، شهر رمضان المبارك هو شهر العبادة والتزود بالطاعات وليس شهر التزود بالطعام والشراب بأكثر بكثير من الحاجة، فلماذا هذا التبذير؟! ألم تسمعي بقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ (الإسراء: 27).
فلا يعقل أن تمضي رمضان بالمطبخ بعيداً عن القرآن والصلاة والدعاء، اشفقي على نفسك، ألم تسمعي بقول الحبيب المصطفى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.
واشفقي على إرهاق زوجك بهذه المصاريف الكثيرة، فهو يقضي ساعات طويلة بالعمل رغم حرارة الصيف المرتفعة حتى يستطيع شراء احتياجات البيت، وحبك لأولادك هو أن تحثيهم على الطاعات لا على المأكولات التي تكفي عائلات وليس عائلة واحدة، خاصة أن أغلب هذا الطعام لن يُؤكل وسيكون موضعه في سلة القمامة بالوقت الذي لا يجد الكثير من الفقراء جزءاً بسيطاً من هذا الطعام.
أعطي نفسك وقتاً للصلاة وتلاوة القرآن، اجتمعي بأولادك وزوجك بترديد الأذكار والتسبيح والاستغفار، علميهم معنى الصدقة ومساعدة الفقراء، علميهم القناعة والرضا.