منذ صدور قرارات حكومية مصرية بنزع ملكية جزيرة الوراق التي يسكنها قرابة 90 ألفاً من الأسر الفقيرة وسط نهر النيل والحديث عن بيعها لمستثمرين عرب، ولا تمر عدة أشهر إلا وتحدث مصادمات في الجزيرة مع قوات الأمن.
بعد مصادمات شهيرة وقعت في يوليو 2017، ونتج عنها مقتل مواطن وإصابة العشرات واعتقال 35 وتقديمهم للمحاكمة لاعتراض الأهالي على مغادرة منازلهم وأراضيهم الزراعية، عادت المصادمات يومي 15 و16 أغسطس الجاري في الجزيرة.
هذه المرة استخدمت قوات الأمن للمرة الأولى طائرات مسيرة (درون) خلال اقتحامها الجزيرة دون معرفة الأسباب، لكن الأهالي رجحوا أنها لتصوير معارضي اقتحامها واعتقالهم لاحقاً.
ويخوض أهالي الجزيرة منذ سنوات معارك مستمرة مع السلطة لمنع تهجيرهم بالقوة رغم سندات الملكية الحكومية التي معهم، لكن دون جدوى؛ لأن هناك قراراً صدر ببيعها لمستثمرين خليجيين غير معلنين، كما يقول أهالي الجزيرة.
محاولات الحكومة هذه المرة لإخلاء السكان دخلت مرحلة هدم مكاتب الخدمات في الجزيرة (بريد، مدارس، مستشفى، مركز شباب) وغلق إحدى معديات الوصول إليها مع بناء عدة أبراج سكنية لتكديس السكان بها بعد إبعادهم عن منازلهم الأصلية.
وقال بعض الأهالي: إن الأمن الوطني تواصل مع عدد من الأهالي لحضور اجتماع يجمع الطرفين مع أعضاء لجنة الـ15، التي تضم ممثلين عن 15 عائلة من عائلات الجزيرة، التي تأسست عام 2019 لاحتواء التوترات المتكررة بين الأهالي والجهات الأمنية، لكن الاجتماع لم يتم بسبب اشتباكات قوات الأمن مع الأهالي، لرفضهم قيام مهندسين برفع مقايسات منازلهم تمهيداً لهدمها.
قصة أبراج “حورس” ومرفأ اليخوت
عام 2017، نشر مكتب استشارات أجنبي “آر إس بي”، له فروع في دبي وأوروبا، الشكل أو المخطط الذي ستصبح عليه الجزيرة، في صورة أبراج ومراكز تجارية ومراسي يخوت على طريقة دبي.
لكن في 26 يوليو 2022م، عاودت الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية نشر نفس المخطط على صفحتها على “فيسبوك” لمدينة تسمي “حورس” على أنقاض “جزيرة الوراق سابقاً”.
ويقول الأهالي: إن إعلان مخطط الجزيرة الجديد “حورس” هو تمهيد واضح لإنهاء وجود الأهالي في الجزيرة بأي طريقة بسبب ضغوط من مستثمرين عرب لتسليم الجزيرة لهم.
وهذا المخطط سبق أن نشر عام 2017، وفيه يظهر تحويل الجزيرة إلى منطقة خدمات مالية، على غرار جزيرة “مانهاتن” في مدينة نيويورك الأمريكية.
وأوضحت هيئة الاستعلامات أن المخطط هو إنشاء مدينة “حورس” (الوراق سابقاً) بعد تهجير السكان، و8 مناطق استثمارية، وفنادق وأبراج سكنية إلى جانب مارينا لليخوت 1 و2.
وكان لافتاً أن ما نشرته هيئة الاستعلامات مطابق أيضاً لخطة سابقة لم تنفذ باسم “حورس” في الوراق، كان يسعى وراءها نجل الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك (جمال)، لكن هذه المرة تم بيعها لخليجيين وفق أهالي الجزيرة.
وتبلغ مساحة جزيرة الوراق 1400 فدان؛ تعادل 5.8 ملايين متر مربع، وهناك تقديرات بوصول سعر المتر لألفي دولار حالياً في ظل غلاء أسعار السكن وتميز أراضي الجزيرة؛ ما يعني أنها ستضخ أكثر من 10 مليارات دولار في جيب السلطة.
وبدأت قصة تحويل الجزيرة إلى مشروع استثماري عام 1998م، بقرار من مجلس الوزراء برقم (1969)، ينص على “إنشاء محمية طبيعية بجزيرة الوراق”، إلا أن سكان الجزيرة رفضوا تنفيذ القرار، وطالبون بتعديله أو إلغائه.
وفي عهد حكومة عاطف عبيد (أكتوبر 1999 – يوليو 2004)، صدر قرار آخر بتحويل جزيرة الوراق إلى منافع عامة، وهو ما قابله الأهالي برفع دعوى قضائية في مجلس الدولة، قضت بأحقيتهم عام 2002 في ملكية أراضي الجزيرة.
ثم طلبت الحكومة عن طريق لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم (تم حله عقب ثورة 2011) من شركة “آر إس بي” ومقرها دبي عمل رسومات وماكيتات مقترحة للمشروع.
وقد انتهت الشركة من تصميم المشروع في 31 مارس 2013 في عهد الرئيس محمد مرسي عقب انهيار حكم مبارك وسجن نجله جمال، لكنه لم ينفذ.
وفي 7 يونيو 2017، أثيرت القضية من جديد في مؤتمر للرئيس عبدالفتاح السيسي بعنوان “إزالة التعديات على أملاك الدولة”، فقال: إنه لن يسمح لأهالي أي جزر على النيل بالبقاء فيها “لازم يتشال”، ودعا لإخراجهم منها.
وعقب تصريحات السيسي بـ3 أيام، قالت مصادر حكومية رفيعة المستوى: إن رئاسة الجمهورية كلفت وزارة الإسكان وهيئة التخطيط العمراني بإعادة إحياء مخطط تطوير الجزر النيلية الذي تم إعداده عام 2010، على أن تكون البداية جزيرة الوراق بالجيزة، بحيث تصبح مركزاً كبيراً للمال والأعمال، ضمن مخطط تطوير كورنيش النيل والجزر النيلية، وأضافت أن هيئة التخطيط العمراني بصدد إعداد تصور لمخطط كامل للجزيرة لعرضه على رئاسة الجمهورية قريباً، متوقعة تقنين أوضاع المقيمين على الجزيرة بشكل قانوني يحفظ للدولة حقها، وبناء بعض التجمعات السكنية للمواطنين وتوصيل المرافق الأساسية من صرف صحي ومياه بالشكل الملائم، حسب “المصري اليوم”، في 10 يونيو 2017.