تحدثنا فيما سبق وذكرنا بعض التعريفات وتحديد الأطر التي تخص العلمانية، بقصد توضيح هدفها الذي تطرحه بألوانها المتعددة حسب الجمهور، أو المجتمع الذي ستبدأ العمل نخراً فيه وتدميراً.
تقول العلمانية قولاً أصولياً بالنسبة لها: “ما لا تراه العين لا يصدقه العقل، فلا يؤمن به القلب”.
هذه المقولة التعريفية فيها كل ما يخطر على البال؛ من حرب على دين الإسلام وأصوله وعقيدته، وهذا القول أبشع الأقوال إلا أنهم يطرحونه بفنية متلونة، لا ينخدع بها إلا جاهل أو راغب باتباع هواه، أو هش التربية والعقيدة (إمعة)!
كيف؟
ما لا تراه العين لا يصدقه العقل، وطبيعي أن الله تعالى لا يمكن أن تراه العين في الدنيا، إذاً النتيجة مرفوض عقلاً وجود الله بالنسبة لهم، وطبيعي سيكون الإيمان به منفياً قلباً، وبما أنه مرفوض عقلاً، إذاً كتابه القرآن ليس كتابه! وبما أن كتابه ليس كتابه؛ إذاً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس نبياً، فهو أحد اثنين؛ وكما ذكر ذلك الكثير من العلمانيين السفهاء في كتاباتهم المنحطة عياذاً بالله كأبي زيد وأمثاله؛ حيث قالوا: “فيه صرع”، أو يعاني اجتماعياً فألف الكتاب، أو “كاذب” فألف هذا الكتاب، ومن ثم ادعى أنه كتاب الله تعالى، أو كما تقول سيدتهم وولية نعمتهم وأمرهم الماسونية الصهيونية: “إن الذي علم محمداً صلى الله عليه وسلم الكتاب هو الراهب الماسوني بحيرى، كما يزعمون كذباً على الراهب المؤمن بحيرى أنه من الماسون، وهم الكذبة.
هذه هي المحصلة من قولهم شاء من شاء وأبى من أبى، بأبي وأمي والنفس والولد يا رسول الله صلوات الله عليك وسلامه.
أيضاً، هذا قول لا يختلف عن أقوال فلاسفة الدهرية ودعاة الطبيعة، والشيوعية الملحدة، والزنادقة الباطنيين بأي شكل من الأشكال، إلا أن فنيّته التمويهية عالية، ومدروسة بدقة، وغير مدببة المواجهة بآلياتها لعدم استفزاز المقابل.
وحسب قولها أعلاه (العلمانية)، الله تعالى لا يمكن رؤيته في الحياة الدنيا وهي حقيقة؛ إذاً الأصل والعقل والمنطق العلماني يجب ألا يصدق بوجوده تعالى، ولا ينبغي لقلب وعقل منطقي وعقلاني علماني أن يصدق بوجوده وقدراته سبحانه، وهيمنته وخلقه للأكوان، وهذا من الطبيعي يؤدي إلى الدهرية وقدم العالم! وفي الوقت نفسه، نجد قولهم هذا ينفي الأصول الثلاثة؛ الأصل العلمي المادي الذي يؤمنون به كما يزعمون، وهو الأصل المحوري لدعوتهم وأفكارهم الهدامة الملحدة، والأصل العلمي النقلي الاعتقادي المعتمد لدى المسلمين، وهو مربط الفرس، والأصل العاطفي الوجداني الناتج منطقاً عن هارمونية النقل والعقل انسجاماً وتوافقاً.
أما نفي الأصل العلمي المادي، يظهر بهذا الفهم والمعتقد، نفي كل ما لا تراه العين قلباً ووجداناً، وهنا ينبغي له ألا يعتمد النواظر والشواهد والدلالات العقلية والنتائج أيضاً! وعلى أثر ذلك، لا ينبغي لهذا العلماني السفيه المتعالم أيضاً أن يقبل بوجود الشحنات الكهربائية في الجو، وأيضاً يجب أن ينفي وجود الموجات الصوتية والضوئية، حسب قوله، لعدم رؤيتهم لها بالعين، وعليه أن يكذب الشواهد والنواظر والنتائج الصادرة من كل مصدر التي تدلل عليه بما أنه لا يرى الأصل السببي، أما وإن وافق الاعتماد على النتائج والشواهد والنواظر في هذه الأمور العلمية، فمن باب أولى أن يعتمد خلق الله أصلاً دليلاً لوجود الواجد سبحانه وتعالى.
وهذا دليل قاطع على كذبهم وتلاعبهم أو قلة عقولهم وسفاهتها، ودليل على أن منطلقهم كفري شديد التمويه وليس علمياً، بل ليس له أي علاقة بالعلم، إنما هو منطلَق كذب وحقد وحسد، كما انطلق شيطانهم الرجيم، الذي يعبده ساداتهم وقاداتهم النورانيون!
أما رؤية الأشياء من خلال الأجهزة المتطورة، فهذه حجة على عقولهم الناقصة لا لهم، فعدم رؤيتك للأشياء لا يعني نفيها، فحينما ترى ظل الرجل وهو خلف الحائط، أي ترى ظله الممتد، ولكن هو متخفٍّ خلف الحائط، فالعقل والمنطق يقول: إن سبب هذا الظل وجود رجل خلف الحائط رأيت ظله وما رأيته، النتيجة أن هناك رجلاً بالتأكيد، ونفيه جنون أو حقد وسفه، أو استهتار بعقل المقابل.
نعم عدم رؤيتك للأشياء لا تعني نفيها، وتطور العلم الحديث كفيل ودليل قوي على صحة وتقدم النقل الشرعي الاعتقادي على العقلي والتجريبي، وأن العلم النقلي الاعتقادي قد سبق كل العلوم بمسافات كبيرة أكبر مما نتصور.
فها هي الشمس تجري لمستقر لها، وما اكتشف العلم حركتها وسيرها هذا إلا بعد ألف سنة أو أكثر، وهذا لا يعني عدم سيرها قبل الاكتشاف، وهناك الكثير والكثير في علوم النقل تم الإيمان بها تسليماً، وما اكتشف حقيقة ماديتها أو حقيقتها إلا بعد ألف سنة أو أكثر.
تكلمت العلوم النقلية العقدية بداية عن السماوات ومساحاتها المتسعة الهائلة، وجاء العلم الحديث اليوم ليكتشف للعالم حتى الآن فقط أكثر من 240 مليون مجرة، مجرتنا “درب التبانة” من أصغرها، فهل قبل اكتشافها كانت عدماً؟! هذا كلام لا ينطق به حتى المجانين.
إذاً، قول العلمانيين أعلاه بداية يناقض العقل، والمسيرة العلمية للإنسان والمنطق؛ لأنه حتى الهواء نتنفسه ولا نراه، ولكن نحسه ونشعر به وبأثره بوجوده أو فقدانه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العلمانية حتى العلم الذي تدعي احترامه وتقديسها له، هي الكذوب بذلك، واحترامها له ضرب من الخيال وتمويه لتضحك به على صغار العقول.
يتبع..
______________
إعلامي كويتي.