تعرضت السُّنة النبوية الشريفة؛ وهي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد كتاب الله العزيز، لتهجمات، وانتقاضات منذ زمن بعيد.
وفي العصر الحديث، تلقف المبشرون والمستشرقون كرة هذه اللعبة الشيطانية الخبيثة، وطفقوا يقذفونها في كل اتجاه دون إصابة الهدف منها، ثم توقف دورهم بعد طول يأس.
وانتقلت «اللعبة الماكرة» إلى أيدي فريق من المسلمين، واقتحموا «الخطوط الحمراء»، ورددوا شبهات المبشرين والمستشرقين، منهم من يكتفي بالمقالات السيارة، ومنهم من يؤلف كتباً، يظهرون في «الملعب» واحداً إثر آخر.
وعلى الرغم من زيف أعيرتهم الطائشة في غير وازع من دين أو خلق، وعلى كثرة ما اطلعت عليه من محاولاتهم البئيسة في هدم السُّنة، أو التقليل من شأنها، فإنه لم يتفق لي بعد كتاب «أضواء على السُّنة المحمدية» لأبي رية أن اطلعت على مشروع تعسفي ضخم لهدم السُّنة النبوية والتهجم على علماء الحديث وأئمة الفقه وأصوله وبعض الصحابة من هذا المشروع الذي نتعرض له -هنا- وقد أطلق عليه واضعه اسم «تبصير الأمة بحقيقة السُّنة».
هذا المشروع التعسفي الضخم له هدف واحد؛ وهو عزل سُنة صاحب الدعوة عن الواقع العملي في حياة الأمة، وإبعاد صاحب الدعوة -نفسه- عن أي دور عملي في إطار الرسالة، فهو أشبه ما يكون -في هذا المشروع- بآلة صماء تحمي ما يقال، إنه مجرد «مبلغ»، أما أقواله، وأفعاله، وتقريراته، فهي هوامش مزورة مفتراة، وتسجيلها في كتب الحديث أول نكبة حلت بالأمة، فضلت بعد هدى، وانحرفت بعد استقامة، وتفرقت بعد اجتماع، وضعفت بعد قوة.
وصاحب المشروع التعسفي الضخم أوتي قوة هائلة على الجدل التحكمي، والحجاج العضلي، والإسهاب العليل، والإسراف في رمي سلف الأمة الصالح بالجهل والغفلة، والكذب والخيانة، وهذا قوله بالحرف الواحد: «إن الأصل في رواية الحديث كان الكذب والخيانة، وإن الاستثناء من ذلك كان الصدق والأمانة»!
وقال في وصف الحديث النبوي الذي اهتم السلف الصالح بجمعه وحفظه: «وصار للحديث كيان تفصيلي جديد، وإن كان هشاً، حتى دخل في حياة المسلمين كأنه من أساسيات الدين»، وهذا المشروع دعوة إلى أن ترفع الأمة «سُنة خاتم النبيين»، وتضع مكانها هذا «المشروع التعسفي الضخم»، وتحرق كتب الحديث كلها لتذروها الرياح؛ لأنها كتبت بغير إذن من الشرع، ولأن الذين كتبوها غاب عنهم المنهج العلمي الصحيح؛ فكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخفوا عقول الأمة!
وقد آن الأوان بعد أربعة عشر قرناً عاشتها الأمة الإسلامية في ضلال أن يبصرها رجل واحد اهتدى إلى المنهج العلمي الصحيح، الذي غاب طوال هذه المدة عن مليون عالم من المحدثين، والمفسرين، والأصوليين، والفقهاء!
هذه هي خلاصة ما يدعو إليه صاحب هذا المشروع «العميل»!
وقد وصفنا هذا المشروع بأنه «ضخم» لأن الذي بين أيدينا الجزء الأول من ثلاثة أجزاء وعد المؤلف بإنجازها، وقد تجاوزت صفحات الجزء الأول ستمائة صفحة من القطع الكبير، أي أن هذا المشروع من المتوقع أن يبلغ ألفي صفحة أو تزيد، وهذا الكم الهائل من الصفحات لم يعرف له مثيل في موضوعه.
أما أنه تعسفي، فإن منهج المؤلف فيه منهج عضلي هجومي، قائم على الأخطاء الفاحشة، والأوهام الطائشة والأكاذيب الماكرة.
وأكاد أجزم أن كل صفحة لا تخلو من خطأ أو وهم.
وليأذن لي القارئ الكريم في إغفال اسم المؤلف، والاكتفاء بكشف ما في مشروعه من أخطاء وأوهام، وجرأة غير محمودة على تسفيه علماء الأمة، وبخاصة علماء الحديث، رضي الله عنهم، حيث لم يسلم من تسفيه أحد منهم، لا البخاري، ولا مسلم، ولا غيرهما.
أما السُّنة النبوية فهي المقصودة بالهدم الكامل، إلا طائفة من الأحاديث تفضل صاحب المشروع التعسفي بالرضا عنها، والسماح لها بالوجود، ولكنه رضا «زي قلته» -كما يقول المثل العامي المعروف- لأن صاحب المشروع يسمح لها بالوجود لفظاً؛ أما أن يكون لها دور في حياة المسلم فلا، بل وألف لا!
وتسأله عن السبب في هدم السُّنة فيجيبك على الفور، ومرات متعددة، ويقول: «القرآن وحده يكفي! ولسنا في حاجة إلى أي شيء غيره؛ لا في عقائد، ولا في عبادات، ولا في معاملات، ولا في أي شيء كان»!
ووصفنا هذا العمل بأنه «مشروع تعسفي ضخم»؛ لأن صاحبه يدعو الأمة إلى العمل به وطرح ما عداه ليكون لها مصدر تشريعي واحد، هو القرآن! ويصف «المؤلف» علماء الأمة بالسفة والغفلة؛ لأنهم كتبوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول: «لو أنهم التزموا منهاج نبيهم صلى الله عليه وسلم بعدم كتابة الحديث النبوي بأي سبيل»، هذا كلامه -بالحرف الواحد- وهو يدل دلالة قاطعة على مراد مؤلف هذا المشروع، وهو:
أولاً: هدم السنُّة النبوية من الأساس.
ثانياً: تسفيه علماء الأمة؛ وفي مقدمتهم علماء الحديث، والفقه «الذين اعتمدوا تلك الصياغة المزيفة» -في نظر صاحب المشروع- «واتخذوها مصدراً ثانياً للتشريع، فحدث للأمة -بسببها- ما حدث من نكبات»!
وبجانب هذا الهدف الأم من المشروع فتح المؤلف جبهات متعددة، وأطلق صوبها أعيرة صوتية طائشة.
وقد نبهني بعض الغيورين على الدين إلى وجود هذا المشروع، وأن بعضاً من أئمة المساجد ضعيفي التكوين علمياً، قد تأثروا به، وصدقوا ما فيه من ادعاءات، وهذا ما حملنا على مواجهته، وكشف زيفه؛ تطويقاً للفتنة، مع العلم أننا في هذه المواجهة سنكتفي بما يظهر للناس أوهام هذا المشروع، وزيفه، وأباطيله، أما أن نتصدى لكل ما فيه، فهذا يحتاج إلى صفحات أضعاف ما كتب هو؛ لأن في كل صفحة من المشروع باطلاً يرد عليه.
____________________________________
(*) من كتاب «أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السُّنة».