تحكي قائلة: دخلت مجموعة تهتم بالنساء والأسرة تجاذبوا الحديث عن الطلاق، الجميع يتكلم عن أنها مجرمة أفسدت دنياها وآخرتها، طالبين منها ألا تذرف الدموع على ما كانت هي سبباً فيه، لم أملك إلا أن أكتب كلمات مدافعة عن نفسي ومن معي في نفس الخندق، فجاء الرد سريعاً: «خاص لو سمحت»، ومن وقتها ووابل من رسائل ليل نهار صباح مساء، كلام لم أسمعه في حياتي، أدخلني الجنة بكلماته المعسولة، بحار من لبن وعسل مصفى، عشت معه الوهم بكل تفاصيله، أوشكت أن أقع في حباله، لولا لحظة انتبهت لنفسي وأخذت بمشورة صديقتي لضعت وضاع ديني.
وأخرى تقول: منذ أن بدأ حديثه معي وهو يتكلم عن معاناته التي لا تنتهي مع زوجته، نكد وإهمال وتعاسة، يصور نفسه على أنه ضحية لزوجته المتسلطة، لا تعطيه أياً من حقوقه الزوجية، وظل الحديث هكذا، حتى ساقني القدر على غير موعد أن قابلت زوجته في حفل عرس إحدى الصديقات، وتعرفت عليها، فوجدتها صالحة طيبة واكتشفت كذبه وخداعه.
مئات، بل آلاف القصص لمطلقات تعرضن ويتعرض للابتزاز واللعب بعواطفهن على مواقع التواصل الاجتماعي، ذئب في ثياب بيضاء يضع صورة جميلة على صفحته، يرسم للمطلقة لوحة جميلة للحياة لا علاقة لها بواقعه، يلعب بعواطفها، يشعرها أنه الأمان في زمن الذئاب، مستغلاً حالتها النفسية والعاطفية والفراغ الكبير والوحشة التي تعيشها، غير مهتم بتدميرها وتحطيمها، فالأهم شهوته وغريزته، يبدأ الحديث بكلمات كلها أدب وذوق وشهامة، وفي الطريق يكشر عن أنيابه بعدما وقعت الضحية في فخاخه.
الواقع النبوي
وخلاف هذا الواقع المرير، نجد الإسلام يرفع شأن المطلقات، ويقدم لهن كل الاحتواء والتقدير، يحافظ على شعورهن وإنسانيتهن، دون خدش لحيائهن.
النبي صلى الله عليه وسلم ما تزوج بكراً إلا السيدة عائشة رضي الله عنها، وأمامنا صحابيات كثيرات تطلقن، فحافظ عليهن المجتمع بالعفاف والزواج، منهن أسماء بنت عميس رضي الله عنها التي تزوجت من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وأنجبت له البنين، ثم بعد استشهاده كان زواجها من خليفة رسول الله أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأنجبت له، ثم تزوجت من علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي كان يرعى ويلاعب أبناءها من أزواجها السابقين، بل يسمعها متحدثة عنهم بكلام كله أدب وذوق؛ فيبتسم قائلاً: لو تكلّمت فيهم بغير هذا لزجرتك.
وهذه عاتكة بنت أبي طالب، الملقبة بـ«زوجة الشهداء»، تزوّجها عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما، وكانت تحبّه ويحبّها حُبّاً لا يوصف، ثم مات عنها شهيداً، فبادر بالزواج منها الفاروق عمر رضي الله عنه، ثم مات عنها شهيداً، فبادر بإكرامها والزواج منها حواريّ النبي صلّى الله عليه وسلم الزّبير بين العوام رضي الله عنه، فقُتل شهيداً.
وهذه حال الجيل القرآني؛ ما أن وُجدت بينهم مطلقة حتى يسارعون إلى الزواج منها، طالبين رعايتها ورعاية أطفالها والسعي في قضاء حاجتها، وابتغاء المثوبة والرضوان؛ تكافلاً وتراحماً، وحفاظاً على نساء المجتمع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى» (رواه مسلم).
واجب الأسرة والمجتمع
وبعد كل هذا نقول: إن للمطلقة واجباً على أسرتها والمجتمع، أمام تجربة الانفصال التي أضرتها نفسياً ومالياً، بل جسدياً، قد تشعرها أنها فاشلة غير مرغوب بها، ولذا فعلى أسرتها واجب الاحتضان والاحتواء والعمل على إكسابها ثقة في نفسها، وإشباعها بكلمات الحب والحنان حتى لا تقع فريسة لجوعها وضعفها.
ونعني بالاحتواء والدعم دفعها لتحقيق ذاتها وبناء ثقتها بنفسها، ونسيان التجربة السابقة، والبحث عن نجاح جديد في أفق الدنيا الواسعة مع التخلص من ألم التجربة السابقة، لا منعها من الخروج ووضع القيود المبالغ فيها أمامها وأمام حركتها.
كما أنه واجب على أسرتها التي تعيش بينهم تذكيرها بربها، والرّضا بقضائه وقدره، وأنه لا يحمل إلا الخير مهما بدا غير ذلك، واستنهاض ثقتها بنفسها، وتوجيهها للاهتمام بتربية أولادها، الذين يمثلون الرّصيد الأكبر لها في الدنيا والآخرة.
ومن الرائع أن يتكاتف المجتمع على إنشاء الجمعيات التنموية التي تسعى لتحسين أوضاع المطلّقات ورعايتهن، مع تقديم البرامج التوعية والأنشطة الهادفة التي تسعى لتعزيز قدراتهن الإنتاجية في مجالات الحياة.
ويقع أيضاً على المجتمع مسؤولية تغيير نظرته للمرأة المطلقة والوقوف معها ومساندتها لإخراج طاقتها الكامنة، والمساهمة في استقرارها وكفالتها المالية والمعنوية.
____________________________
(*) رئيس أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية.