في عام 2001م، قامت جماعة «طالبان» بتحطيم بعض تماثيل «بوذا» في أفغانستان، فنصب العلمانيون العرب سرادق عزاء كبيراً بعد مناحة صاخبة، ضد ظلامية المسلمين (وليس «طالبان» وحدها)، وحين عقد وزراء العدو مجلسهم في نفق تحت المسجد الأقصى (21 مايو 2023م) لم ينطق واحد من العلمانيين العرب بكلمة.. لماذا؟!
أولاً: يشكل الشيوعيون العرب الفصيل الأكبر في الأقلية العلمانية العربية التي تتحكم بمصائر البلاد والعباد، وهم صناعة يهودية بامتياز، وصاغ فكرهم اليهودي هنري كورييل، ابن المرابي دانيال كورييل، مؤسس الأحزاب الشيوعية المصرية والعربية، وكان جاسوساً للاحتلال الإنجليزي (الرأسمالي) في مصر؛ ما اضطر فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية قبل سقوط الملكية، إلى طرده من البلاد، لكنه كان على صلة وثيقة بقادة انقلاب عام 1952م (عبدالناصر، وخالد محيي الدين خاصة)، (يمكن مراجعة: جيل جيرو، هنري كورييل: رجل من نسيج خاص، ترجمة: لطيف فرج، شركة الأمل للطباعة، القاهرة ، د.ت- رؤوف عباس، من أوراق هنري كورييل، سينا للنشر، القاهرة، 1988م- إبراهيم فتحي، هنري كورييل ضد الشيوعية العربية في القضية الفلسطينية، دار النديم للصحافة، القاهرة، 1989م- حسين كفافي، هنري كورييل: الأسطورة والوجه الآخر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003م، وغيرهم).
الشيوعيون العرب صناعة يهودية بامتياز وهم الفصيل الأكبر في الأقلية العلمانية العربية
خزي وعار!
ثانياً: كان موقف الشيوعيين مخزياً ويمثل عاراً بكل المقاييس، حين أصدروا بياناً خائناً عشية حرب عام 1948م يؤيد السفاح المجرم ديفيد بن جوريون، رئيس حزب العمال الصهيوني، قائد العصابات اليهودية الدموية، بحجة وحدة القوى العاملة في العالم، ويستنكرون تصدي الجيوش العربية لهذه العصابات! وقد تحالفوا عملياً مع العلمانيين الآخرين الرافضين للإسلام، لتمييع الموقف من القضية الفلسطينية، وتجاهل العدوان اليهودي على المقدسات الإسلامية في الخليل والقدس و«الأقصى»، واختزال فكرة المقاومة إلى أفكار هامشية بائسة، مثل التفاوض مع ما يسمى القوى التقدمية أو اليسارية في الكيان الصهيوني، والتهليل لبعض الشخصيات اليهودية في الخارج أو الداخل الفلسطيني المحتل التي ترفض الممارسات الدموية لليهود، مثل نعوم تشومسكي، وآفي شلايم (المؤرخون الجدد)، ولأن القرآن الكريم علمنا أنهم (لَيْسُواْ سَوَاء) (آل عمران: 113)، فهؤلاء يمثلون أقلية ضئيلة غير مؤثرة.
ثالثاً: يتبنى العلمانيون العرب -وفي مقدمتهم الشيوعيون- مواقف بعض الأشخاص العرب الذين يطلقون بعض التصريحات الصادمة، حول وضع المقدسات الإسلامية، أو عبثية المقاومة ضد العدو، وسنعرض بعضها بعد قليل.
رابعاً: ثبت على مدى سبعين عاماً أن المقاومة الحقيقية هي الطريق لحماية المقدسات الإسلامية، وتحرير الوطن الفلسطيني المغتصب، وإن طال المدى، وقد أثبتت غزة صحة هذا التصور.
والآن نقرأ نموذجين لتشجيع العلمانيين العرب للعدو على استباحة فلسطين ومقدسات المسلمين، وتيئيس المقاومة من مواجهة العدو.
المسجد الأقصى
النموذج الأول شهير، طرح أكاذيب عديدة حول مكان المقدسات الإسلامية، والتشكيك في حدوث بعض المعجزات الإلهية المتعلقة بها، فقد قال يوسف زيدان، في تصريحات عبر برنامج «كل يوم»، على فضائية «أون»، (الأحد 24 ديسمبر 2018م): إن المسجد الموجود في القدس ليس المسجد الأقصى، وإن القدس ليست مكاناً مقدساً، واتهم الحكام العرب والصهاينة باستغلال القدس لإثارة حروب سقط فيها مئات الآلاف من الضحايا.
السفارة الصهيونية بالقاهرة قدمت الشكر لزيدان على تصريحاته بشأن القدس و«الأقصى»
وأذاعت وكالة «سما» الفلسطينية، في 27 ديسمبر 2018م، أن سفارة العدو في القاهرة قدمت الشكر لزيدان على تصريحاته بشأن القدس و«الأقصى»، وعبرت عن سعادتها لسماع أقواله، ووصفه للعلاقات الحميدة بين اليهود والعرب حتى قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى أيامنا هذه، مشيراً إلى أن جذور الحروب بين الطرفين تعود إلى المتطرفين، ودعا إلى ضرورة نبذ ثقافة الكراهية بين الطرفين، وهي رسالة مهمة في نظرنا -كما تقول السفارة- وأن التعاون بين اليهود والمسلمين من شأنه أن يعود بالفائدة على المصريين والصهاينة على حد سواء، وكانت صحيفة «معاريف» العبرية، في 21 ديسمبر 2015م، قد أشادت بالمذكور من قبل، وقالت: «مفكر مصري يعطي المسجد الأقصى لإسرائيل»!
ثقافة الكراهية
أسعدت أكاذيب زيدان اليهود الغزاة التي بنوا عليها أكاذيب أخرى بأن الحروب بين العرب واليهود تعود إلى المتطرفين (أي المسلمين)، وأن ثقافة الكراهية سبب المشكلات بين الطرفين، وتناسى زيدان واليهود أن السبب الرئيس هو الاحتلال النازي اليهودي لفلسطين، وطرد شعبها، وقتل من بقي في الأرض المحتلة على مدار الساعة، ومعاملة الحيّ بوصفه كائناً من الدرجة العاشرة، فضلاً عن التدخل في شؤون البلاد العربية، وتخطيط المؤامرات وتدبير الانقلابات، وتجنيد العملاء والنخب.
دعاوى العقل
لم يتوقف زيدان عند هذا الحد، بل استأنف من جديد إثارة الجدل والغضب في منصات التواصل الاجتماعي، بتصريحاته لجريدة «الوطن» المصرية (17 مايو 2021م) حول فلسطين والمسجد الأقصى؛ حيث قال: إن القضية الفلسطينية لم ولن تُحل بالعنف والكراهية المتبادلة بين الطرفين، ولكن بدعاوى العقل، (كأن أصحاب الأرض مجانين!) مؤكداً أنه لا يمانع من تخصيص جزء صغير من باحة المسجد الأقصى لبناء هيكل سليمان، باعتبار أن اليهودية ديانة يعترف بها الإسلام.
زيدان أعلن أنه لا يمانع من تخصيص جزء من باحة «الأقصى» لبناء «هيكل سليمان»!
ودعا إلى أن تظل القدس وحدة واحدة لجميع الأديان التي كانت بالمنطقة، وليس فقط للديانات الإبراهيمية(!)، وللديانات الوثنية الرومانية أيضاً(!)، زاعماً أن تاريخ المدينة الإسلامي ليس إسلامياً خالصاً، ومدعياً أن مقولة اليهود يسعون لهدم المسجد الأقصى للبحث عن الهيكل وهْمٌ مستقر في البلاد العربية.
وفي تصريحات غريبة، رأى المذكور أن المدينة محتلة من اليهود من وجهة نظر المسلمين، أما من وجهة نظر المسيحيين فهي محتلة من قبل المسلمين، وأن المدينة ارتبطت بالموروث المسيحي مثلما ارتبطت بالموروث الوثني الروماني، والموروث العبراني القديم، ثم بالمسلمين، فكل طرف يرى أنها محتلة من قبل الطرف الآخر(!)، وهكذا ينزع زيدان هوية القدس الإسلامية، ويمنحها للآخرين، مع أنه يعلم أن ذلك ليس صحيحاً تاريخياً ولا واقعياً، وهو ما جعل منتقديه يؤكدون أنه يغازل الغرب والصهيونية على أمل الفوز بجائزة «نوبل»!
إنكار المعراج
أضف إلى ذلك؛ أن زيدان ومعه بعض مرتزقة الصحافة والدعاية مثل أحمد عيد، وإبراهيم عيسى، وهشام كمال عبدالحميد، وسعد الدين الهلالي، رددوا المزاعم ذاتها، وأنكروا المعراج، وقالوا: إن الإسراء تم إلى مكان آخر في الطائف (الجعرانة)، وفسر بعضهم الشام بأنه شمال اليمن، وقالوا عن أماكن أخرى مثل ثنية التنعيم: إنها جنوب مكة، إلى آخر هذه الهلوسات التي لا تستند إلى وثائق أو حقائق، ومصدرها وثيقة صاغتها «رابطة الدفاع اليهودية» ونشرتها مجلة «الأهرام العربي»، بتاريخ 18 أبريل 1999م.
وقد رددها اليهودي موردخاي كيدار، الأستاذ في جامعة «باريلان» الصهيونية، وأعلنها بالكنيست اليهودي، في يوليو 2009م، حين قال: «إن القدس يهودية، وعلى المسلمين أن يحملوا أحجار قبة الصخرة إلى مكة؛ لأن المسجد الأقصى مكانه «الجعرانة» بين مكة والطائف»، وكل هذه المزاعم أطلقها المستشرقون اليهود من قبله، أمثال المجري اليهودي جولــد تســيهر، واليهودي جويتاين.
غزة غير مدنية!
النموذج الآخر يتمثل في تعليق أحد العلمانيين على الحرب الثانية ضد أهل جنين (يوليو 2023م)، حيث أشار إلى أن مثيلات هذه الحرب سوف تجري في غزة وجنين اللتين تعوقان الاستيطان اليهودي، ولكن الفارق بين غزة والضفة الغربية، كما يرى، أن غزة تمثل وجهاً غير مدني (مسلم)، وهو وجه غير مقبول من الدول العربية والعالم، كما أنها تاريخياً لم تكن واقعة ضمن الأحلام الصهيونية(!)، وربما يكمن فيها «حل القضية الفلسطينية» بإقامة الدولة الفلسطينية في غزة، وليس غيرها.
العلمانيون العرب يقودون القضية الفلسطينية بتصورهم الاستسلامي الرافض للإسلام رغم عدم تقدمهم خطوة واحدة
أما الأخرى (جنين) فاليمين السلفي التوراتي الصهيوني يرى فيها ظهيراً ضرورياً لضمان ضم القدس لتكون عاصمة موحدة للكيان اليهودي إلى الأبد، وربما تكون هي المُعجِّل، الذي يقدم حل الدولة الواحدة على طبق من فضة للمطالبين بالسلام في العالم، والمنادين بالوفاق في المنطقة (عبدالمنعم سعيد، «المصري اليوم»، 11 يوليو 2023م).
وهذا التحليل يكشف عن الخلط الذي يحكم آراء العلمانيين العرب؛ فصاحبه كان واحداً ممن مهّدوا لما يسمى باتفاقية «أوسلو» عام 1993م، مع آخرين من قادة العلمانية (مراد وهبة، ولطفي الخولي، وزعماء «فتح»، و«الشعبية»، و«الديمقراطية»)، وهي اتفاقية اعترف فيها قادة الفلسطينيين العلمانيون بالكيان النازي الغاصب على مساحة 78% من أرض فلسطين التاريخية، والتزموا بوقف المقاومة، لكن ضربت النازية اليهودية عرض الحائط بالاتفاق، حيث لم يتحقق أي بند من بنوده لصالح الشعب الفلسطيني، ولم يتحقق الحكم الذاتي الانتقالي المفترض بعد 5 سنوات من توقيع الاتفاق، وقام الغزاة اليهود بتدمير مطار غزة، وإغلاق مينائها، وحصارها، ولم يبق إلا ما يسمى التنسيق الأمني بين القيادة الفلسطينية العلمانية والعدو، ويعني عملياً تسليم المقاومين إلى قواته! ويلاحظ أن المعلق يرى أن غزة المسلمة كيان غير مدني (المشكلة لديه في الإسلام) ولذا لا يقبلها العرب ولا العالم!
رفض الإسلام
ما زال العلمانيون العرب يقودون القضية الفلسطينية بتصورهم الاستسلامي الرافض للإسلام، وللأسف لم يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام على مدى سبعين عاماً، بل منحوا العدو في حروبهم الهزلية بقية فلسطين والقدس والجولان، وما زالت سيناء محكومة بقيود «كامب ديفيد»، مع أن العدو حظي بالاعتراف والمرور في المياه الإقليمية والدولية، وافتتح سفارات في عواصم عربية، وطائراته تعبر أجواءها، وبضائعه تغمر كثيراً من أحيائها، وكل ذلك دون مقابل.
العلمانيون المستسلمون لشايلوك يفرطون في المقدسات، ويقودون العرب إلى الهاوية!