كاتب المدونة: طارق خليل
لا يلتفت الكثير لهاتين المؤسستين (صندوق النقد والبنك الدوليين) في مد أطناب الشركات متعددة الجنسيات وتذليل الصعاب أمامها للتوغل في اقتصادات البلدان المخذولة والسطو على خيراتها، فبعد أن أفاق الغرب من غشية الحرب الكونية الثانية، جدت مؤسساته تناوئ الولايات المتحدة وشركاتها التي سطت على أسواق العالم وسخرته لمصلحتها.
عرف العالم جدوى التعدين للصناعة الدولية، وتجلت أهميته في الحروب الكونية وما أعقبها من سباق تسلح وحروب إقليمية متناثرة، فنجم تنافس شديد بين الدول المتقدمة على أسواق المعادن العالمية، لا سيما أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وهي دول تُعرف بجدب أرضها من العلماء والتقنية وحاجتها المستمرة للغرب في جلب الثروة.
قوّى التنافس من شوكة الدول المضيفة، وشهدت الستينيات مواقف جلية لبضع دول، فأتمر القوم بينهم، وعزموا إيكال المعضلة على البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، فاستطاعا في غفلة طويلة أن ينظما السوق المعدني عبر العالم لصالح الغرب:
1- خففا من وطأة المنافسة، فنزعا شأفة المساومة للدول الضعيفة.
2- راكما قوى الدول المتقدمة إزاء كل دولة على حدة، فناءت الدول الضعيفة بثقلها وأذعنت جلها آخر الأمر.
3- قسما سوق المعادن العالمية، وحجبا السيطرة الكاملة لطرف على حساب آخر، فقسمت الغنيمة بين الناس.
تتجلى مقولة العالم الرأسمالي هنا في جدوى الاستعمال الأمثل للثروات، وتتذرع به الدول الأوتوقراطية المتخلفة، فتحويل الثروة إلى طرف خارجي يفيد البلاد والعباد ويرفع من فائض الميزانية! وهنا، أشير إلى فائض تشعر به الحكومة أو صاحب السلطة ولا يمس حياة المواطنين إن وجد، يقال: إن رئيس البرازيل سُئل في الستينيات عن ميزانية البلد، فقال: ممتازة للحكومة، لكن المواطن لا يشعر بها!
بلغت الشركات المتعددة الجنسيات شأوًا كبيرًا في مجال التقنية والتنظيم، وغدت حكوماتها مدافعة لها تأتمر بأمرها، بل وترسم سياسات البلد طبقًا لمصالحها، وكذلك فعلت المؤسستان الآنفتان؛ إذ تقسمان العمل على الدول الفقيرة بين الدول الغنية.
ولّدت القناعات تلك طبقات حاكمة في جل الدول التابعة للغرب تؤمن بالتجارة الدولية (مبدأ ريكاردو الشهير بأن «لكل دولة شيء مميز تبيعه») فزهدت بالعلوم والتقنية وأناطت بأعبائها على مؤسسات دولية تعمل لها، ونسيت تعاظم القيمة الناجم عن العلوم، حيث تحول مادة بخسة إلى سلعة نافقة السوق وغالية الثمن، مع قدرة العلوم على توسيع الاقتصاد ودك حصون التخلف، وقدح زناد التجربة، في إزاء دول رخية اللبب مطمئنة للدهر فتّحت أشداق الأعداء وطوّلت أعناق الأصدقاء.
يقال في المثل العربي: «سقط العشاء به على سرحان»؛ كناية عن رجل طلب الكلأ والملأ، فخرج هائمًا على وجهه، فوقع عليه ذئب، فأكله، العلم بصر وبصيرة تمنعان.