من بين ركام الحرب، ونزيف الدم الذي ما زال يعاني منه كل أبناء الشعب اليمني في شماله وجنوبه، وبين جميع فئاته، تجاوز اليمنيون جراحهم، وانفعلوا بمصاب أمتهم العظيمة في غزة، وكأن غزة قد وحَّدتهم في نشيد واحد ضد الإجرام «الإسرائيلي» الذي تجاوز المدى.
وشهدت ربوع اليمن مظاهرات عارمة تساند أبناء الشعب الفلسطيني، وترفض العدوان، كما كان التفاعل الأعظم تلك التضحيات التي قدموها شهداءً دفاعًا عن غزة، حيث كان اليمن سباقًا في إذاقة اليهود طعم الحصار والجوع كما يفعلون بأهلنا غزة، إنها الشهامة اليمنية التي اعتدناها من أصل العرب.
طوفان الغضب اليمني
تجاوز الموقف الاستثنائي لليمن بيانات التنديد ليصبح عملاً فعّالاً، فاختار الشعب اليمني خوض معركة الدعم وتوجيه ضربات لكيان العدو، مؤكدًا تمسكه بمسيرات التضامن والدعوة إلى فتح الحدود نحو غزة والقدس، وكأنهم استلهموا من كلمات قائد المقاومة محمد ضيف، الذي أعلن انطلاق «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر الماضي، أطلقوا هم أيضًا طوفان الغضب اليمني في شوارع صنعاء، والمدن، تعبيرًا عن صدق وإخلاص هذا الشعب لقضية فلسطين، قضية العرب الأولى.
وفي طوفان شعبي عارم، جابت مسيرات التضامن جميع المحافظات اليمنية، حاملة شعارات الدعم والنصرة لغزة، مؤكدة ضرورة تحرير كامل الأراضي الفلسطينية، حيث وحدت المظاهرات الجميع في تضامن فعّال مع الشعب والمقاومة الفلسطينية، معبرين عن موقوفهم القوي إلى جانب القضية المركزية للأمة العربية.
وبينما يستمر اليمن في تحمّل آثار الحرب الأهلية التي أنهكته لأعوام عدة، ولا يزال ينعكس أثرها على الحياة اليومية، يظهر تفاعله مع غزة كمظهر تاريخي للمحبة والتضامن، فلم تثنِ الجراح الناجمة عن الحرب الطويلة هذا الشعب الأصيل عن نصرة غزة، بل هرعوا جميعًا إلى مظاهرات مليونية تعبّر عن الالتحام الجماهيري مع فلسطين، ليعلنوا عن دعمهم بشكل جماعي، لنصرة القضية.
ولم يتوقف تحرك الشعب عند المظاهرات، لكنه قاد حملة مقاطعة لمنتجات الدول الداعمة للعدوان، كانت من بين أنجح الحملات، حيث شكل أبناء الشعب اليمني حملات توعية تبصر الفئات المختلفة بأهمية مقاطعة تلك المنتجات، وهو ما أعطى الحملة زخمًا شعبيًا وتأثيرًا أكبر على الدول المنتجة.
«الحوثي» يهدد
وفي تطور غير متوقع، أعلنت جماعة الحوثي التي تحكم سيطرتها على العاصمة صنعاء، أن البحر الأحمر من خليج العقبة حتى باب المندب محرَّم على الكيان الصهيوني؛ مما يعني منع عبور سفنه وشركاته وحتى السفن التي تمتلكها شخصيات «إسرائيلية»، ردًا على رفض العدو الصهيوني تلبية المطالب الإنسانية الضرورية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث استمر في منع دخول السلع الحيوية كالغذاء والدواء، وتصاعدت الأزمة حتى وصلت إلى حد منع إمداد قطاع غزة بأبسط أسباب الحياة.
وتسببت الخطوة الحوثية في تهديد خطوط الملاحة، وتوقف شركات الشحن العالمية عن رحلاتها إلى الموانئ الصهيونية؛ ما اضطر الولايات المتحدة إلى التحرك للسيطرة على الممر المائي في البحر الأحمر، وزعمت أن الهدف من ذلك هو حماية الملاحة، في حين كان الغرض الحقيقي حماية سفن «إسرائيل» وتأمين وصولها للموانئ بينما يظل قطاع غزة تحت الحصار.
وفي هذا الإطار، قامت الولايات المتحدة بتأسيس تحالف عسكري يضم عدداً من الدول الكبرى بغرض الضغط على الحوثيين وداعميهم، في إشارة إلى إيران، وسط مخاوف دولية من عسكرة البحر الأحمر واتساع نطاق المواجهة في المنطقة.
دعم إنساني
الحرب الحالية في اليمن دمرت اقتصاده، وقصمت الشعب بين لاجئين ونازحين، ومعدمين بحاجة إلى الإغاثة والإعانات الدولية، ولكنهم أصروا على أن يقتسموا مع شعب غزة ما تبقى لهم من لقيمات قليلة، وأبوا إلا أن تكون شحنات مساعداتهم من بين تلك المساعدات التي قدمتها دول كبيرة وغنية.
وفي موقف إنساني مشرف، أعلن اليمن عن إرسال أول شحنة من المساعدات إلى غزة، تلبية لنداء الأشقاء الفلسطينيين الذين يواجهون عدوانًا «إسرائيليًا» غاشمًا وحصارًا جائرًا، تضمنت الشحنة 40 طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى مولدات كهربائية وبطانيات.
وتمت العملية بالتعاون مع اللجنة الشعبية لدعم الصمود العربي في فلسطين ولبنان، حيث تم إرسال الشحنة عبر معبر رفح البري بعد توجيهها إلى ميناء العريش الدولي بمحافظة شمال سيناء المصرية، وقامت جمعية الهلال الأحمر بشمال سيناء بتسليم الشحنة في حضور مندوب السفارة الفلسطينية في القاهرة.
ويعد تقديم اليمن المساعدات الإنسانية إلى أهالي غزة مظهرًا مؤثرًا ومشجعًا للتضامن العربي، حيث يبرز هذا الدعم كنموذج لأقصى أنواع الدعم الإنساني، الذي يقدم الشعب اليمني يد العون للأشقاء في غزة، الذين يواجهون عدوانًا «إسرائيليًا» متواصلًا وحصارًا طويل الأمد.
وأظهر الشعب اليمني بموقفه المشرف من خلال هذا العمل الإنساني استعداده للتضحية وتقديم الدعم حتى في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها داخليًا، فعكست مساعدته لأهالي غزة قيم التضامن والوحدة العربية في مواجهة التحديات الإنسانية الجسيمة.