يُعدّ تعليم المرأة ركيزة أساسية لتقدم المجتمع اليمني وازدهاره، وعنصرًا محوريًا في مسيرة النهضة والتحديث التي تسعى إليها الدولة اليمنية العريقة، إلا أنّ هذا المسار واجه العديد من التحديات التي عرقلت مشاركة المرأة الفاعلة في مختلف مجالات الحياة.
وتُشير إحصائيات الأمم المتحدة لعام 2023م إلى أنّ واقع تعليم المرأة في اليمن لا يزال دون المستوى المطلوب، حيث تبلغ نسبة حصول النساء والفتيات على التعليم 35%، بينما تنخفض هذه النسبة بشكل كبير عند الحديث عن فرص العمل المدفوعة الأجر، لتصل إلى 6% فقط، كما أنّ تمثيل المرأة في مراكز صنع القرار لا يتجاوز 4.1% من المناصب الإدارية وصنع القرار في اليمن.
وتعكس هذه الإحصائيات واقعًا مُحزنًا يُشير إلى حرمان شريحة واسعة من اليمنيات من حقهنّ الأصيل في التعليم، ممّا يُعيق تقدمهنّ ويُحدّ من قدرتهنّ على المساهمة في بناء مجتمعهنّ، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ حرمان المرأة من التعليم يُفقد المجتمع طاقات هائلة مُبدعة وقادرة على دفع عجلة التنمية في مختلف المجالات.
ويواجه تعليم المرأة في اليمن العديد من التحديات، منها ما هو موروث قديم قائم على المعتقدات والأعراف، ومنها من يرجع إلى فهم خاطئ للدين بزعم أن الإسلام يُفضل أن تبقى المرأة في بيتها، ومنها ما يمكن رده إلى حالة ضعف الدولة اقتصادياً واجتماعياً.
ويُلقي النزاع الدائر في اليمن منذ عام 2015م بظلاله القاتمة على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك قطاع التعليم، الذي يتعرض لانهيار كارثي يهدد بتضييع مستقبل جيل بأكمله، ويُعدّ تعليم الفتيات إحدى أكثر الفئات تضررًا من هذه الأزمة، حيث تواجه الفتيات تحديات هائلة في مواصلة تعليمهنّ، ممّا يُعيق تقدمهنّ وتمكينهنّ في المجتمع.
نسب متدنية وانعدام في المناطق الريفية
تشير إحصائيات حديثة صادرة عن وزارة التربية والتعليم اليمنية، بالتعاون مع البنك الدولي، إلى أنّ نسبة التحاق الفتيات بالتعليم العالي في اليمن متدنية للغاية، حيث تبلغ 5.7% فقط، مقابل 18% للذكور، وتزداد هذه الفجوة اتّساعًا كلما ارتفع المستوى التعليمي، ففي التعليم الأساسي تبلغ نسبة التحاق الفتيات 42% مقابل 84% للذكور، بينما تنخفض إلى 23% في المرحلة الثانوية مقابل 43% للذكور.
ويعد انعدام فرص التعليم للفتيات في المناطق الريفية كارثة إنسانية، حيث تُشير بعض الدراسات إلى أنّ نسبة التحاق الفتيات بالتعليم في هذه المناطق تكاد تكون لا تذكر.
ولا تشكل القوانين اليمنية عائقًا أمام تعليم الفتيات، حيث يكفل القانون العام للتربية والتعليم رقم (45) لسنة 1992 حق التعليم لجميع أفراد اليمن دون تمييز، ولكن تكمن جذور المشكلة في تقيّد المجتمع بالتقاليد والعادات القبلية التي تحصر دور الفتاة في أدوارٍ محددة، مما يقلل من قيمة تعليمها.
وتضاف إلى هذه العوامل الثقافية التحديات الاقتصادية التي تواجهها الأسر اليمنية، خاصةً الأسر الفقيرة أو محدودة الدخل، فقد أدى فشل سوق العمل على استيعاب النساء إلى عزوف بعض الأسر عن تعليم بناتهنّ، وذلك لاعتبارهنّ أن ذلك يمثّل عبئًا اقتصاديًا إضافيًا.
التأثيرات المدمرة للحرب على التعليم
وفي هذا السياق، أوضح الخبير التربوي عارف ناجي علي، المستشار بوزارة التعليم اليمنية، حجم الكارثة التي لحقت بقطاع التعليم، حيث أدت الحرب إلى:
– تزايد التحديات الاقتصادية: أفرزت الحرب انقطاع رواتب الموظفين وارتفاع تكاليف المعيشة، ممّا جعل التعليم الجامعي عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على الأسر، خاصةً التي لديها فتيات.
– انخفاض مستوى التعليم: أدى مغادرة الكوادر التعليمية الماهرة إلى تدني مستوى التعليم في المدارس، ممّا أثر سلبًا على قدرة الطلاب على مواصلة تعليمهم الجامعي.
– ارتفاع رسوم الجامعات: تُشكل رسوم الجامعات الحكومية والخاصة عبئًا كبيرًا على الأهالي، ممّا يدفع بعضهم إلى التخلي عن تعليم بناتهم.
– نقص المرافق التعليمية: تعرّضت البنية التحتية للمدارس والجامعات للتدمير الكبير، دون وجود صيانة أو بناء مرافق تعليمية جديدة.
– زيادة الفقر: فاقم الفقر الذي نتج عن الحرب من صعوبة حصول الأسر على التعليم، ممّا دفعهم إلى إعطاء الأولوية لتلبية احتياجاتهم الأساسية على حساب تعليم أبنائهم، خاصّةً الفتيات.
– ازدياد أخطار الأمان: تُواجه الفتيات أخطاراً جسيمة في ظل الحرب، ممّا يُثنّي الأهالي عن إرسال بناتهم إلى المدارس والجامعات.
ونتج عن هذه التحديات جملة من التأثيرات السلبية على تعليم الفتيات، حيث ارتفع معدل التسرب من المدارس بسبب الظروف المعيشية الصعبة ونقص المرافق التعليمية الآمنة، إضافة إلى حرمان الفتيات من التعليم الجامعي؛ بسبب التكاليف وانعدام الأمن، وأيضًا اتسعت الفجوة بين معدلات تعليم الفتيات والفتيان بسبب حرمان الفتيات من فرص التعليم.
تحديات ثقافية وحلول مُمكنة
وهناك تيار له وجود فاعل داخل المجتمع اليمني يرفض فتح أبواب التعليم أمام المرأة، ويقيد حريتها في هذا الحق بوازع أن المرأة يجب أن تكون في بيتها، ومن الغربيب أن هذا التيار يستند إلى الدين الإسلامي وفقًا لفهم خاطئ، على الرغم من أن الدين الإسلامي والرسول صلى الله عليه وسلم اهتما لتعليم المرأة.
وسجل التاريخ الإسلامي أسماء عالمات شهيرات، من أبرزهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت من كبار رواة الحديث الشريف، ولم تكن مسؤولة عن رواية ما يربو على ألفي حديث شريف فحسب، وإنما كان كثير من الرجال من معاصريها يستشيرونها في أمور الفقه، فقد كانت رضي الله عنها تتمتع بفهم عميق للإسلام وقدرة فائقة على التفسير والشرح.
ويدعو الإسلام إلى تعليم الجنسين، وتتساوى المرأة مع الرجل في مسؤولية اكتساب المعرفة الضرورية، كل حسب وظيفته، وقد ظهر اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم المرأة، ووفي ضوء أوامر القرآن والسُّنة التي تحض على تطوير المرأة لكافة جوانب شخصيتها، فإن المرأة المسلمة المتعلمة يجب أن يكون لها دور نشط في المجال الأوسع للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
إن مشكلة تعليم المرأة في اليمن، إذاً، ثقافية بالدرجة الأولى، حيث توفر الدولة التشريعات القانونية التي تساوي بين الجنسين في الحق في التعليم، كما لا يوجد أي عوائق في المدارس تحد من تعليم المرأة، ولكن الموروث الاجتماعي والثقافي وخاصة في الأرياف والمناطق النائية هو الذي يقف حجر عثرة أمام تعليم النساء، حيث يختطف الزواج المبكر النساء من المراحل الثانوية قبل أن تتم تعليمها الجامعي، إضافة إلى خوف العديد من الأسر من إدخال بناتها الدارسات في المدارس المختلطة أو التوقف عند المراحل الأولى في التعليم.
ويقع العبء الأكبر على النخبة الثقافية والإعلامية، خاصة القنوات الفضائية التي يجب أن تقوم بدور فاعل في إزالة تلك الرواسب الاجتماعية من المناطق الريفية والنائية، وإعلاء قيمة تعليم المرأة.
ومن بين الحلول المقترحة نشر الثقافة في المجتمع ومكافحة الجهل والأمية، ومعالجة التحديات الاقتصادية وتدهور المعيشة الناجم عن النزاع المستمر في اليمن، وتقديم الدعم والتشجيع للمرأة لمواصلة تعليمها، وتشجيعها على اختيار التخصصات العلمية والإنسانية، بالإضافة إلى توعية الأسر بأهمية تحقيق المساواة بين الجنسين في فرص الدراسة في التخصصات العلمية.