(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
أ- (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ):
لقد وهب الله عز وجل لداود عليه السلام سليمان وهباً دون مقابل ورحمة منه تعالى، لأنه هو الوهّاب الذي يعطي الهبة بلا عوض، ولا مقابل، ولا مَنٍّ، ويعطي ما يشاء لمن يشاء، وهبات الله ونعمه وعطاياه كثيرة، لا يدوِّنها قلم، ويحصيها حساب، قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم: 34).
إن الهبة من الوهاب سبحانه وتعالى، وهو الذي يكثر العطاء بلا عوض، ويهب لمن يشاء ما يشاء، بلا عوض، ويعطي الحاجة بغير سؤال، فقد وهب سبحانه داود ولده سليمان عليهما السلام تفضلاً وكرماً وجوداً وأثراً من أثر اسمه الوهاب.
إن الله الوهاب سبحانه يهب شفاء لسقيم، وولداً لعقيم، وهدىً لضال، وعافية لذي بلاء، وقد وسع الخلق جودُه، ودامت مواهبه، واتصلت مننه وعوائده.
قال ابن القيم في قصيدته النونية الكافية الشافية:
وَكَذَلِكَ الْوَهَّابُ مِنْ أَسْمَائِهِ فَانْظُرْ مَوَاهِبَهُ مَدَى الْأَزْمَانِ
أَهْلُ السَّمَاوَاتِ الْعُلَى وَالْأَرْضِ عَنْ تِلْكَ الْمَوَاهِبِ لَيْسَ يَنْفَكَّانِ
وإن التعبير بالهبة في قوله: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ) إشارة إلى أنها عطاء خالص من الله تعالى، وإضافة الهبة إلى ضمير العظمة «نا» يدل على كمالها.
وهنا نسأل عن السر في تخصيص سليمان عليه السلام بالذكر، على الرغم من أن داود عليه السلام رزق بأولاد آخرين، والجواب: لأن هذه الهبة مع كونه ولداً صالحاً لكن الله اختصه بمقام النبوة، أي أن الله عز وجل وهب لداود سليمان؛ أي نبيًّا، كما قال: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ) (النمل: 16)؛ أيّ: في النبوة، وإلا فقد كان له بنون غيره.
وإن معنى «سليمان» هو الكامل المكمّل التام في جميع المجالات؛ الخَلق والخُلق، والرأي والرؤية، وهو سليم الطوية، وهو للحق لا يتغير، فلقد آتاه الله تعالى الحكمة، وتقول العرب: سليمان الحكيم، و«سليمان»: تعني السليم؛ أيّ السالم من الآفات.
ب- (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ):
إن داود عليه السلام كان له كثير من الأبناء والأولاد، إلا أن الله خصه عليه السلام بالابن الصالح النبي الملك سليمان عليه السلام، وأثنى الله عليه في كتابه بكونه أوّاباً إلى الله كثير الطاعة والعبادة، والإنابة إلى الله سبحانه في أكثر الأوقات، ومن مزيد فضل الله على عبده داود أن وهبه سليمان الذي ورث عن أبيه الملك والنبوة والحكمة، إذ أكرم الله تعالى سليمان عليه السلام بالملك والنبوة، وأعطاه الفهم الثاقب، والرأي السديد، ورجاحة العقل.
– (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ): (نِعْمَ): تقال للمدح، والمدح هنا بالصفة العقدية، وهي العبودية لله تعالى، فقد اتصف بما يوجب المدح، وهو (إِنَّهُ أَوَّابٌ)؛ أي: رجاع إلى الله في جميع أحوال بالتأله، والإنابة، والمحبة، والذكر، والدعاء، والتضرع، والاجتهاد في مرضاة الله، وتقديمها على كل شيء.
وقد سار سليمان (عليه السلام) على طريق أبيه، وتمسّك بطاعة الله وأقام الحق والعدل بين الناس.
__________________________
1- الأنبياء الملوك، علي محمد محمد الصلابي، الطبعة الأولى، دار ابن كثير، 2023، ص 156-158.
2- صفات الأنبياء من قصص القرآن «إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولوط»، عقيل حسين عقيل، سما للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، 2011، ص232.
3- ولله الأسماء الحسنى، عبدالعزيز ناصر الجليل، دار طيبة، الرياض، ط3، 1430ه – 2009، ص684.
4- تأملات في سورة «مريم»، د. عادل أحمد الرويني، ط1، 1432هـ – 2011م، جائزة دبي الدولية للقران الكريم، ص 210.
5- تفسير ابن كثير (7/ 64).
6- أسماء الأنبياء ودلالاتها ومعانيها، خالد محمد، نور حوران للنشر والتوزيع، دار العرب للدراسات، ط1، 2016م.
7- تفسير الشعراوي (21/ 12929).
8- تفسير السعدي، ص 956.
9- التفسير الموضوعي، ص 7208.