ها هو عيد الأضحى المبارك قد أطل علينا في هذا العام (1445ه/ 2024م)، ليجدد الفرحة في قلوبنا، وينعش الأمل بأيام مباركة، تحل على هذه الأمة المكلومة، فرغم تكاثر المآسي والأحزان على أبناء الأمة الإسلامية في شتى بقاع العالم الإسلامي، وتحديداً في غزة والسودان، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يُزيل الشعور بقيمة وعظمة هذه الأيام المباركة، وشعائر الحج الأكبر، ويوم عرفة، وعيد الأضحى المبارك، فالفرح بهذه الأيام وبيوم العيد ليس فرحاً دنيوياً بالملذات والشهوات، ولكنه فرحٌ بالطاعات والعبادات والقربات التي يتقرب بها المسلم من خالقه تبارك وتعالى، وخصوصاً العبادة التي أداها المسلم في عشر ذي الحجة، فمن حج فيها كان له الفرحة بأداء تلك الفريضة المباركة، ومن لم يؤدي فريضة الحج كان له الفرح بسائر عباداته وطاعاته في تلك الأيام الفضيلة.
كما أن الفرح بعيد الأضحى والنحر هما شعيرة من شعائر الدين، وعبادةٌ من عباداته، حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله): “الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر” (اقتضاء الصراط المستقيم: 1/ 528)، وقال الحافظ ابن حجر (رحمه الله): “إِظْهَار السُّرُورِ فِي الْأَعْيَادِ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ” (فتح الباري: 2/ 443). فلا تعارض عند المسلم بين إظهار فرحته بالعيد إظهاراً لدينه وشعائره كصلاة العيد والأضحية، وبين حزنه على مصاب المسلمين ومآسيهم، وتضامنه معهم، ولعل من أكمل أوجه هذا التعاضد والتضامن هو الدعاء لهم آناء الليل وأطراف النهار، وتقديم الدعم والمادي والمعنوي لهم في مناطقهم المحاصرة.
ولا شك أن من أعظم شعائر عيد الأضحى هو أداء الأضحية، ومنها جاءت تسمية العيد، والأضحية هي ما يذُبح من الأنعام في يوم النحر، وأيام التشريق بنية التقرب إلى الله تعالى، وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها استناداّ لقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [ الكوثر: 2]، ويستدل عليها أيضاً بقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [ الأنعام: 162]، وقلوه صلى الله عليه وسلم: “إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ” (مسلم: 1977).
ولكن اختلف العلماء في حُكمها، حيث أنها سنةٌ مؤكدة عند الجمهور، بينما قال البعض بوجوبها كأبي حنيفة والأوزاعي، وقد الكثير من أهل العلم أنه يكره ترك الأضحية للقادر بالرغم من عدم وجوبها، وعلى العموم فإنه لا شك أن من ترك الأضحية، وهو قادر عليها فقد فاته الأجر العظيم والثواب الكبير، فهي شعيرة عظيمة الفضل والبركة والقرب من الله تعالى، وأداء تلك العشيرة برهانٌ على تقوى صاحبها، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
وردت الكثير من الأحاديث النبوية في فضل الأضحية وبركتها، فعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “ما عمل ابن آدم يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفساً” (الترمذي: 1493).
وفي الختام أقول لإخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها: كل عام وأنتم بألف خير، كل عامٍ وأنتم إلى الله أقرب، كل عامٍ وأمتنا أكثر تمسكاً بالإسلام، والتزاماً بتعاليمه، وأخلاقه، وأدعو الله تعالى أن يٌفرج كرب أهلنا في غزة والسودان وسورية واليمن، وجميع بلاد المسلمين، وأن يتقبل حجّكم وطاعاتكم وأضحياتكم. وأن يجعل هذا العيد بَشير خير وبركة ونصر للأمة الإسلامية، وأن يجعله نذير وبال وحسرة وخزي وهزيمة لأعداء هذه الأمة.