«أنا غير ملزمة بخدمة زوجي، وغير ملزمة برعاية حماتي، وغير ملزمة بالسهر على راحة أطفالي، وغير ملزمة بالرضاعة، وغير ملزمة بالطهي، وغير ملزمة الزواج، وغير عابئة بالأمومة»!
إنها جرعات «سم» يتسلل إلى عقل وقلب الفتاة المسلمة من تيارات وحركات نسوية بغيضة، تسير في ركب الغرب، لا يشغلها سوى تفكيك الأسرة، وضرب ثوابت استقرارها، تارة من باب حقوق المرأة، وتارة من منطلق المساواة مع الرجل، وتارة من باب حق المرأة في العمل والسفر وغيره.
إن الأمر جد خطير، حينما تُنقب في عقول الفتيات والمراهقات، فتتلمس انطباعاتهن السلبية عن الزواج، واعتباره عائقاً أمام تعليم المرأة، وحصولها على درجتي الماجستير والدكتوراة، وربما السفر إلى الخارج، وتبوؤ أرقى المناصب في الشركات المرموقة، برواتب خيالية، وصولاً إلى دخول عالم السياسة والمال والأعمال.
لقد تسلل الداء إلى الفتاة المسلمة في مجتمعات عربية، كانت إلى وقت قريب عصية على تلك الأفكار الهدامة، التي تعمل على إذكاء روح التحريض والندية بين المرأة والرجل، وإفشاء نزعة الاستقلالية والمادية لدى النساء، إلى أن صارت الوظيفة أهم من الزواج، والمال أهم من الرجل، والسفر أهم من الأبناء.
لقد سمعت بأذني من تقول: «القرش برقبة مائة رجل»، في إشارة إلى أن الجنيه أو الدينار أو العملة المحلية أياً كان اسمها، أهم وأفضل من رجل تحتمي بحنانه، وتسكن إليه، برباط المودة والرحمة، على كتاب الله وسُنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وأرى من حولي، حالات عدة لنساء عاملات، سافرن إلى الخارج؛ بحثاً عن المال، تاركين وراءهن الأزواج والأبناء، بدعوى الحرص على توفير حياة رغدة لهم، والانتقال بهم إلى مستوى اجتماعي راق، فهل من الرقي الإنساني حرمان أفراد الأسرة من الحنان والدفء والتماسك؟
وهناك من ترفع شعار «أريد إثبات ذاتي»، فتهجر الفطرة الإنسانية، وترفض الزواج من هذا وذاك، إلى أن يمضي بها قطار العمر سريعاً، حتى تفاجأ بكونها وحيدة بين 4 جدران، تنهشها العنوسة والوحدة والعزلة والإحباط والاكتئاب، وقد ينتهي بها المصير -لا قدر الله- إلى مصحة نفسية.
والأسوأ من ذلك، من تخشى الزواج والإنجاب والرضاعة، حتى لا يزداد وزنها، وتفقد رشاقتها، ونحافة خصرها، متمسكة بمعايير جسدية بالية، ستزول يوماً ما بفعل نوائب الدهر، ووطأة الشيخوخة، وقد داهمها الندم والحنين إلى طفل يكون سنداً لها في الكبر، يوم لا ينفع الندم.
ويعج الوسط الفني في العالم العربي بمن يطلق عليهن «نجمات الفن» و«مطربات الغناء» ممن رفضن الإنجاب، بل وأجهضن أنفسهن، وضحين بالأمومة، تحت ذريعة الانشغال بالفن، والحفاظ على النجومية والشهرة، فحصدن العلقم، والوحدة، والندم، لاحقاً.
ومن جنس حواء من تأثرن بتلك الدعاية السلبية عن الزواج والأسرة، وقضايا الطلاق وقتل الزوجات، فباتت تحتمي ببيت أبيها، وتركن إلى هاتفها، وقد تربي قطة أو كلباً، ثم تزعم أن حيوانها الأليف يملأ عليها حياتها، وإنه أوفى من الإنسان.
حينما يتواصل بث السموم، فتقول محامية معروفة بعدم إلزام الزوجة بإرضاع مولودها، أو طبيبة شهيرة بأنه لا يوجد سند شرعي أو قانوني يلزم المرأة بالطهي لزوجها، أو أكاديمية بأنه ليس على الزوجة القيام بالأعمال المنزلية، فإننا أمام هجوم متعمد وممنهج على مؤسسة الزواج، عبر مسارات مختلفة، تعتمد على الدعاية السوداء، أو وفق المثل الشعبي «الزن على الودان أمر من السحر»!
إنه تلوث مريب ومتعمد، رعته دول غربية ومنظمات دولية وحركات نسوية علمانية، مدعومة بآلة إعلامية مضللة، وموازنات مالية كبيرة، في غياب مقلق، أو قل تراجع لمنابر التعليم والدعوة والإصلاح، أمام أجندة أممية لها أبعاد صهيونية، لا هدف لها سوى النيل من الأسرة المسلمة، وتحويل العلاقة الزوجية إلى علاقة ندية أو استثمارية، لا يحكمها سوى المادة فقط، لا المودة والرحمة.
أكاد أجزم، وأنا امرأة، بأن جيلاً من حواء ينشأ على ثقافة «المرأة غير ملزمة»، وكأنها موضة وعلامة تمدن وتحضر ورقي، وهي عن ذلك ببعيد، إنما هي علامة تفكك، ودعوة خبيثة للتحرر، والتملص من أي مسؤولية، ومخطط للتنفير من الزواج والأسرة، بحثاً عن مآرب أخرى.
ومن المصارحة القول: إن هناك من ينخدعن بالسير وراء «التريند»، والآراء الشاذة، و«الفرقعة» الإعلامية وبرامج التحريض، بينما يكابد الرجال لتوفير لقمة العيش، والوفاء بمتطلبات أسرهم، وربما العمل في مهنتين، ليكفل الرجل لزوجته وأولاده حياة كريمة، فإذ به يقابَل بإعلام الجحود والنكران، حتى تنقلب الزوجة وتتمرد عليه، فتكفر العشير، ويخرب البيت، وتنتهي الحال بهما إلى الطلاق، والتفكك، وتشريد الأبناء.
أفيقي يا حواء، فليس كل ما يلمع ذهباً، فالأسرة أولاً، والزواج أولاً، والأمومة أولاً، ثم يأتي العلم والعمل والسفر والهوايات و«البيزنس» وغير ذلك من مغريات، ثانياً، فكم نحن في حاجة إلى امرأة صالحة نافعة، هي نصف المجتمع، وتلد وتربي لنا النصف الآخر.